ملكُ المجلات أبو سلام كُتُبيٌ يعيش في الماضي

744

آية منصور /

كأنك وأنت تدخل هذه المكتبة، تدخل مغارة ملأى بالذهب. منجم من المجلات العتيقة، وكنوز لا تقدر بثمن، منذ عشرات السنين، أبى كمال إلا أن يجمعها من أجل عرضها مستقبلاً في مكتبته الصغيرة، ليؤسس بها أول مكتبة خاصة بالمجلات والصحف القديمة جداً، هذه الهواية التي لازمت كمالاً مدة أربعين سنة، وأصبحت مهنته منذ 16 سنة حتى لحظتنا هذه.
يخبرنا “أبو سلام” كما يحب أن نطلق عليه – وكما يسمي مكتبته- عن هوايته العجيبة في جمع المجلات والصحف العتيقة، أبو سلام الذي يستحضر لنا أسماء المجلات كافة دونما هوادة، والتي يحتفظ بأعداد ليست بالقليلة منها، يقول:
– أربعون عاماً وأنا ألملِم هذا الكم الهائل من المجلات، منذ صغري أتابع وأقرأ جميع المطبوعات العربية، مثل روز اليوسف، وصباح الخير، وآخر ساعة، والمطبوعات اللبنانية ومنها الموعد، والشبكة، والدستور، فضلاً عن الكويتية كـ “الرسالة، والنهضة، والقبس، والسياسة، والعربي”.
لا روّاد للصحف!
كمال أبو سلام، بدأ هوايته المذهلة، كتجربة، وبسبب بُعد موقع مكتبته عن شارع المتنبي، اضطر إلى البقاء أكثر من سنتين بانتظار الزوار والمُقتنين، حتى تمكن من جمع رواد وزبائن لمكتبته، عن طريق الترويج لقراءة واقتناء المطبوعات القديمة باعتبارها إرثاً ثقافياً.
– بدأ عشاق تجميع “الأنتيكات” بالتعرف والوصول اليّ، أغلبهم ينقب عن المطبوعات التي مرّت على إصدارها مئة عام، ولم يتبقَّ منها سوى القليل بسبب تهافت الجميع على ضمها لأرشيفه، بعضهم يبحث عن المجلات الفنية مثل الكواكب، والهلال، وحواء والشبكة، وبعضهم، رغم كبر سنهم، ما زالوا يسترجعون – بحسرة- ذكرياتهم مع مجلات “سوبرمان، وبساط الريح، وسمير، ومجلتي والمزمار” فضلاً عن عشاق البحوث والمصادر السياسية والاقتصادية، وحتى القانونية، ناهيك عن ولع البغداديين بالبحث عن المجلات التراثية والبغدادية، التي احتفت بشخصيات فنية مهمة مثل محمد القبانجي ويوسف عمر وغيرهما.
حيوات كثيرة في عمر وحيد
يملك أبو كمال اليوم، قرابة 100 ألف نسخة من مختلف المجلات والصحف التي تعود إلى سنين مختلفة من الماضي، ولديه غرفة تحتل جزءاً كبيراً من منزله، يتناوب على جردها بين الفينة والأخرى من أجل زبائنه، يخبرنا وهو يضحك طويلاً عن كيفية إيجاد الإبرة وسط كومة قش المجلات، إذ يقول:
– أستطيع إيجاد كل ما يطلبه الزبائن بسهولة .. لقد قرأت أغلب المجلات.
السمكري العجيب
كمال رغم دراسته التاريخ، إلا أنه عمل سنوات طوال سمكرياً في صناعة معدات الدواجن وأقفاصها، ولم يتخيل يوماً أن يخرج كل ما اقتناه من الصحف والمجلات لبيعها، ولكن “الحياة” تفعل الكثير كما يوضح لمجلة الشبكة العراقية بقوله:
– بعد 2003 لم يعد عملنا مجدياً في صناعة معدات الدواجن، إذ أن الاستيراد أصبح سيد الحياة، وأوقف سوقنا وأعمالنا التي كانت تعتمد على صيانة أقفاص حقول الدواجن وترتيبها وصبغها، فاضطررتُ إلى فتح المكتبة، لحاجتي للمال أولاً، ولحبي لهواية جمع الإصدارات القديمة، وقد استطعت النجاح لأني مؤمن بعملي هذا.
جمهور المجلات العتيقة
يرى أبو سلام أن يوم الجمعة هو يومه المفضل، وذلك لتوافد المتبضعين على نحو مضاعف عن الأيام الأُخر، في حين يعتكف في سائر الأيام في مكتبته منشغلاً بالقراءة، وانتظار الزائرين، يضيف:
– لي زبائن يتنافسون على الصحف والمجلات القديمة فيما بينهم، ويتزايدون من أجل أن يحظوا بتلك النسخ المعتقة، لا سيما هواة المجلات الفنية والرياضية.
ويؤكد أن لطلبة الماجستير والدكتوراه نصيباً كبيراً من هذه المجلات وذلك لأنها تشتمل على كثير من المعلومات، فيقول:
– كثير من طلبة الماجستير والدكتوراه يأتون حصراً إلي، وذلك لأن المجلات مشبعة بالكثير من المصادر، وليس الكتب وحدها، إذ يمكنهم إيجاد ضالتهم في المواضيع السياسية والفنية وحتى الرياضية.
ويضيف: مهما جذب الإنترنيت الناس وأبعدهم عن عالم الكتب والصحف الورقية، إلا أن عالم القراءة سيرجع بقوة، ولن ينتهي، وذلك لأن الإنترنيت لا يفي بالغرض، ولا يمنح المتعة والفائدة، كما تفعل الكتب.
العربي وسيدة التمر
في حين يؤكد أبو أحمد، أحد عشاق اقتناء المجلات العتيقة، لـ(مجلة الشبكة)، حبه لكل إصدار قديم، ويرى أن سرها يكمن باكتنازها للمعلومات المنوعة، يقول:
– أول مجلة استطعت الاطلاع عليها كانت (العربي) الكويتية، وكان أهم كتابها هم أحمد زكي وأحمد بهاء الدين وغيرهما، وبقيتُ أتابع ما تصدره هذه المجلات حتى اليوم، وكلما زرت شارع المتنبي تزداد فرصي باقتناء كل ما هو قديم.
كما يؤكد لنا بحثه الدائم عن تلك المجلات حتى قبل تطوير شارع المتنبي، إذ يخبرنا بسعادة عن اقتنائه أعداداً تعود للعام 1907، كما يروي حادثة طريفة تتعلق بالعدد الاول من مجلة العربي الصادر عام 1958، إذ يقول:
– قرأت إعلاناً لأستاذة جامعية، تُعربُ عن أملها في شراء العدد الأول من العربي الكويتية الذي صدر عام 1958، وكان استطلاع المجلة الأول عن البصرة، وصدف أني أملك هذا العدد فقدمته هدية لها في بيروت.
ويخبرنا أن السيدة بكت عند رؤيتها للعدد الأول وذلك لأن طبعة الغلاف كانت لفتاة جميلة وبيدها عذق من التمر، وكانت هذه الفتاة والدة الأستاذة الجامعية.