دار العصامي المكتبة التي ولدت بعد مقتل المتنبي
آية منصور- تصوير: حسين طالب /
هي سفينة كبيرة في بحر الكتب، لم تترك شاطئ المطبوعات يوماً، ولم تبحر بعيداً عنه، مكتبة العصامي، المكتبة التي دخلت منذ ستينيات القرن الماضي، عالم الكتب، عبر تجليد الكتب وتغليفها، ثم استمرت طويلاً وطويلاً، وأصبحت إحدى أهم دور النشر والمكتبات في العراق.
يخبرنا السيد ثائر العصامي عن بدايات المكتبة، التي كانت تحمل اسم جعفر العصامي، نسبة الى مؤسسها والده، أن المكتبة كانت معملاً لتجليد الكتب في منطقة الميدان، حتى ثمانينات القرن الماضي، ويضيف: نعيش في عالم الكتب منذ عقود طويلة، بدأ والدي بتجليد الكتب، ثم طباعتها، اذ تحولت بعد الثمانينات إلى مطبعة تغلب عليها السمة التجارية، حيث كنا نطبع المجلدات، واللاصقات، وغيرها.
حدث التحول من تغليف الكتب وتجليدها إلى طباعتها -كما يؤكد لنا العصامي- عن طريق أصدقاء والده، ومن ضمنهم محمد مهدي الجواهري، وعلي الوردي، ومظفر النواب، وصلاح الفضلي وغيرهم، ممن ساعدوه في تحويل المطبعة التجارية التي كانوا يتخذونها ملتقىً لهم زمناً طويلاً، إلى مطبعة تعني بنشر الكتب وإصدارها الى عالم القراءة، ثم أصبحنا نطبع أيضاً لوزارة التربية المناهج الدراسية كافة، إذ كانت الدولة تفرض علينا “إلزاماً” الطباعة المحلية، وبأسعار محددة وشبه رمزية، وكانت غير مربحة تماماً، وأقل ربحاً من الكتب الأخرى.
منعطف مهم
بعد أحداث عام 2006، اضطر ثائر العصامي إلى ترك البلاد، وأوقف عمل المطبعة، حفاظاً على كيان الإنسان أو ما تبقى منه، فاتجه الى القاهرة حيث التقى صاحب إحدى أهم المطابع في مصر. يقول ثائر العصامي: حصل التغيير منذ بدء تعاملي مع صاحب مطبعة مصر، شعرت بالحنين الى مطبعتي، ثم تساءلت عن سبب تركي لها، وأعدت التفكير في العودة اليها، إذ لم تكن لدي- قبل ذلك- نيَّة في العودة الى البلاد مرة أخرى مطلقاً، لكن ما جعلني أثبّت قرار العودة هو تفجير شارع المتنبي الذي جعلني أفكر بضرورة العودة والبناء في البلد وإحياء ما تبقى.
قتل المتنبي!
تفجير شارع المتنبي ترك أثراً نفسياً سيئاً على ثائر العصامي، وجعله يسرع في العودة الى العراق، وتشغيل المطبعة مجدداً، مع تأسيس مكتبة “العصامي” ويضيف: قررت طباعة أكثر من 55 عنواناً في شهرين فقط، كتب لمؤلفين ومترجمين عراقيين، ومنهم: مصطفى نعمان، عبد الهادي فنجان، وكتب علي الوردي التي استطعت استحصال حقوقها من عائلته، فضلاً عن إصدارات عديدة أخرى. بعد شهرين وصلت ثلاث شاحنات من الكتب، بعضها أيضاً كان مستورداً من مصر ودور عربية أخرى، لننشئ المكتبة بعد التفجير الذي التهم الكتب والأرواح، بعدد كبير من الإصدارات، وكانت أول من يبشر بعودة الحياة الى المتنبي الجريح، وكان هذا دافعي الوحيد والكبير، أن اخطو ولو خطوة واحدة إيجابية نحو هذا المكان الذي قدم لنا الكثير، رغم أني فعلياً لم أستطع وقتها التقدم خطوات إلى مكان الحادث الذي سرق أصدقائي مني: الوطن. وقررت وقتها ترك مصر والعودة الى العراق بصورة نهائية، مع استمرار طباعة وتصدير الكتب ولكن من لبنان، ولأكثر من أربع سنوات، حتى سألت نفسي: لم لا أجرب طباعة كتب المؤلفين العراقيين، من مطبعتي ذاتها؟ وهذا ما تحقق فيما بعد، لتبدأ مرحلة جديدة في عالم دار العصامي، وهي الطباعة المحلية لكتّاب محليين، ولقراء، محليين، إذ بدأت بإنجاز أكثر من 100 كتاب خاص بمطبعتنا في بغداد، وأسسنا مجلساً وملتقىً ثقافياً أسبوعياً، يسعى لتحسين عملنا عبر نقاشات المثقفين العراقيين.أصبحت المطبعة مؤهلة للطباعة في عام 2013 ومتزامنة مع فعاليات “بغداد عاصمة الثقافة العربية” عام 2013 إذ كان لمطبعة ودار العصامي دور كبير في طباعة بعض كتب ذلك الحدث المهم، وحدث شرخ كبير حينما أخبرونا بأن هذه الكتب سوف تطبع في بيروت، في وقت كنت قد قدمت 55 كتاباً في وصف تأريخ العراق وتراثه من أجل طباعتها في العراق حصراً، واستمر الجدال حتى تمكنت من طباعتها في مطبعتنا الخاصة، فتمكنت دار العصامي من الحصول على جائزة أفضل دار لطباعة الكتب عام 2013 وذلك لإصدارنا كتباً عراقية التأليف والطباعة.
رسائل وقصص وروايات
أطلقت دار العصامي مشروعاً لإعادة طباعة رسائل وأطاريح الماجستير والدكتوراه، وذلك لفائدة القراء، بنسخ محددة ومناسبة وحسب الحاجة اليها، كما وتمكنت المكتبة من إصدار أكثر من 150 عنواناً في معرض الكتاب لعام 2014. بالطبع لم نهمل الجانب الأدبي، تمكنّا من طباعة العديد من الروايا ت والمجاميع القصصية والشعرية، كما أطلقنا مشروعاً خاصاً بالمواهب الأدبية الشبابية، وكانت النتائج مبهرة. استمرت العصامي بنجاحها الساحق كل سنة، وهي تقدم المزيد من الكتب والمؤلفين لساحة الأدب الكبيرة، وتتألق بهم في إصداراتها التي تجاوزت الألف كتاب منذ 2013 حتى يومنا، وتطمح الدار إلى البدء بإصدار الألف عنوان الثاني تزامناً مع معرض العراق الأول المزمع افتتاحه في كانون الأول المقبل، يقول ثائر العصامي:
-لا أستطيع نسيان دورالفريق الذي يعمل بجهود جبارة رغم قلة عدده، جميعهم يحاربون من أجل إصدار كتب عراقية خالصة، بطرق احترافية، وسعيد أنا بهم، وبالمكتبة.