فرهاد بيبو… مدرسة الشغف
أحمد هاتف /
كدائماً.. يذهلني فرهاد بيبو، الفنان المتميز والاستثنائي بمفاجآت سارة تجعل قلبي يطير فرحاً. أنا أحب خطوط هذا الفنان، لأنها لاتقف عند حدود، فهي دائماً ميّالة للتجريب والتحديث والمغايرة والبحث، لذا من مجموعة بورتريتاته لاتجد المتشابه، بل أنه يوغل في أسلوب حتى ينضج فيغادره إلى آخر بحثاً عن روح أخرى ولون آخر وبعد جديد.
وهو في لوحاته كما في بورتريتاته متلون يمد الأصفر حتى يحرقه الكشف فيغادره إلى إيجاز آخر يتقلص فيه اللون وينحسر تاركاً للفراغ أن يأكل اللوحة متحدثاً بصوته المديد.
نعم، لم ينل فرهاد مايستحقه من ذيوع الشهرة، لأنه دائماً يوثر أن يختبر فرشاته وأقلام فحمه والمائيات والزيت والآلات، وربما الكثير من المواد الأولية التي يتنفسها التشكيل المعاصر.
أتذكر بوضوح كل تلك الخطوط المتداخلة في اشتغالاته الأولى حتى ظننت أنه سيوغل فيها، لكنه فتح باباً وأغلقه ليمضي لتجربة المدّ أو الخط الممدود والناشز في الفراغ، لكنه نشاز مموسق، مدروس يجنح إلى عفوية واضحة وحسابات متغايرة، هو في لوحته موسمي إلى حد بعيد، كأنه يتناغم مع تقلبات مناخ كردستان، وسطوع ألوان الجبل والسماء والشجر. استوقفتني كثيرا ألوانه التي لاتحتمل القتامة والدكنة الخانقه بل هذا الاشتغال على تذويب اللون القاتم سحقه ومدّه وتشذيبه ليكون ضحكة أو سكوناً أو ابتسامة أو حزناً لايعلو صوته، هو حزن عفيف، صادح، إلهي، يشبه تلك الزهيريات الجنوبية الملأى بالشجن الجميل.
فرهاد بيبو ليس مدرسة، بل هو ربيب جمهرة من كبار فناني العراق الكرد بدءاً بعطا صبري وإسماعيل خياط وغيرهم، وهو بقدر انتمائه للجبل ينتمي بعمق لتجارب فائق حسن وحافظ الدروبي ووليد شيت وفاخر محمد، وربما يمثل فرهاد مدرسة المغايرة تلك التي لاتقف عند حدود الأسلوب بل البحث والحفر والنحت في الاسئله وصولاً إلى إجابات اللون والفضاء والشغف. ولاننسى سحر الترك الممتد في ألوان فرهاد بيبو وهو العارف بالمدارس الحديثه هناك، ولذا تأتي ألوانه خليطاً من أصوات متداخله مزدحمة شجية وراقصة. ورغم انشغاله بتدريس الفن، إلا أنه يخرج عن تلك القواعد القاتلة ليمارس شغبه على جسد اللوحة.
نعم، فرهاد بيبو هو أحد تلك الأصوات العالية في الفن العراقي وربما سيشهد الغد علوَّ كعبه وتفرده في مساحاته البحثية.