كيف تقي طفلك من الغطرسة؟

880

ترجمة: آلاء فائق – ترودي لودفيغو، عن موقع/ميشيل بوربا /

ثمة حالة سيئة بدأت تنتشر بين الأطفال هذه الأيام، وهي للأسف الغطرسة. لا يولد أي طفل متكبر بالفطرة، لكن مؤخرا بدأ المزيد من الأطفال يتفاخرون بأنفسهم ويقارنون مقتنياتهم وإنجازاتهم بغيرهم من الأطفال.
غالباً ما تقوم الغطرسة على نوع من الوهم، وهي تصرف يقوم به الطفل ليُظهر أنه أكثر أهمية من بقية الأطفال أو يعرف أفضل منهم، فيسعى للحط من شأنهم والتقليل من قدرهم. الطفل المتغطرس يعزز إحساسه الوهمي بالغرور ويغالي في تقديره لذاته، ويظهر نفسه كما لو أنه بمنتهى الكمال ولا تشوبه شائبة.

لا تدع ثقة طفلك تتحول إلى غطرسة، تعرّف على علامات الغطرسة لدى طفلك واتخذ التدابير الصحيحة لتصحيح هذا السلوك.
في إحدى الدراسات دقّق فريق من الباحثين الأميركان بيانات 37 ألف طالب كلية، ممن ارتفعت لديهم سمات الشخصية النرجسية، بالسرعة ذاتها التي ارتفعت بها وتيرة السمنة منذ الثمانينات حتى وقتنا الحاضر.

تسارع وتيرة النرجسية في الألفية الثالثة
جان ماري توينجي، عالمة نفس أميركية بجامعة سان دييغو تبحث في الاختلافات الحاصلة بين الأجيال، لها العديد من المؤلفات منها كتاب “النرجسية وباء” و كتاب “Generation Me”، تبين أن وتيرة النرجسية تسارعت بشكل لافت في الألفية الثالثة مما كانت عليه سابقاً.
هذا الاتجاه المثير للقلق، الذي نسبت عالمة النفس جزءاً كبيراً منه إلى ثقافتنا التنافسية والمادية و”المدمنة على المديح”، بأنه ليس فقط غير لائق، بل إنه لا يؤدي لصداقات دائمة.
الخبر السار هو أن الأطفال يمكنهم تعلم الكفّ عن غطرستهم، والأمر متروك لمدى اهتمام الكبار وعنايتهم بحياة أولادهم.
تقول توينجي: لا تسيئوا فهمي فأنا لا أستخف بمواهب أو مهارات أي طفل. هذه المسألة لا تتعلق بما يمكن للطفل فعله أو كيف يبدو، بقدر ما تتعلق بهوسه في أنه بمركز الصدارة، ومدى تأكده من أن الجميع يشيدون بقدراته على حساب بقية إخوته.
يذكر الباحثون أن حاجة الطفولة هذه، إذا تركت لحالها دون رادع، فسوف تبقى نمطاً من أنماط حياتهم عند مرحلة البلوغ أيضاً.
إحساس الطفل بقيمته الذاتية يجب ألّا يكون مشروطاً بحصوله على استحسان الأهل وتلقّي الأوسمة من الآخرين، فأفضل تقدير لذاته هو تقيمه لنفسه، إذ يكتسب الطفل شعوراً بالفخر والثقة الداخلية بتحقيق شيء مفيد، تجعله يشعر بمتعة بسيطة لنجاحه في القيام بذلك.

علاج غطرسة الطفل
تقول توينجي: عندما يقصدني الآباء طلباً لمشورتي عن كيفية تغيير اساليب أطفالهم المتبجحة، أوصي في كثير من الأحيان بعدد من الستراتيجيات الرئيسية منها:
كشف المصدر الحقيقي للموقف المتعجرف
هل تشعر ابنتك أنه يتعين عليها الفوز بلقب الأولى أو الفوز بكأس أو جائزة لنيل استحسانك او حبك لها؟ أو هل يحاول ابنك إقناع أصدقائه أنه في أعماقه يشعر بأنه غير مؤهل لفعل ما؟ الوصول لجذر المشكلة هي طريقك للبحث عن التغييرات اللازمة والحلول الفعالة.

التركيز على الشخصية، وليس فقط الأداء
هل تؤكد على إنجازات طفلك (تفوّقه الدراسي، لياقته البدنية، حصده للجوائز) أكثر من صفاته الشخصية (اللطف، الذكاء، الصبر، الخ)؟ ساعد طفلك على أن يكون أكثر تفهماً وتقبلاً لمواطن الضعف والقوة لديه.

الاعتراف بإنجازات الآخرين
شجّع طفلك على البحث أيضاً عن إنجازات الآخرين ولا تتوانَ عن بذل أقصى الجهود للإشادة بمهارات أقرانه ونقاط قوتهم أو مواهبهم الخاصة.

عزّز من تواضعه وشجعه على أعمال البر
هدئ من تباهيه وتفاخره بنفسه بالثناء على تصرفاته الشخصية كتحلّيه بالتواضع والعطف والكرم تجاه الآخرين. أيضاً، ذكّره بضرورة قول شكراً للشخص الذي يشيد به.
كتاب “أنا أفضل منك” يساعد الطفل على التواضع ويطبع في ذهنه أن الغطرسة السافرة لا نفع لها على الإطلاق.

دلائل على قيامك بتربية طفل متكبر
عند لعب مجموعة من الأطفال، سيصبح من السهل عليك تمييز الأطفال المتغطرسين، فهم يبرزون عن غيرهم بسلوكهم السيئ، وتصريحاتهم الحادة، وتفاخرهم بنفسهم، وصراخهم العالي واعتبار أنفسهم متفوقين عن باقي الأطفال حتى لو كانوا إخوتهم. ثمة خيط رفيع للغاية بين الأطفال الواثقين من أنفسهم والمتغطرسين. على المرء أن يطّلع على الصفتين لمعرفة الفرق بينهما وفهم ما إذا كنت بحاجة للتصرف قبل أن يصبح الطفل متعجرفاً.

الطفل الواثق من نفسه والمتعجرف
يغالي الطفل المتعجرف في قدرته على إنجاز أي عمل بشكل أفضل من غيره، بينما يوافق الطفل الواثق من نفسه بشكل طبيعي على إنجاز العمل.

المفاخرة باستمرار
يسعى الطفل المتعجرف لإقناع الآخرين بإنجازاته والتعبير عن ذلك بكل فخر وزهو، بينما يفخر الطفل الواثق من نفسه بالإنجازات التي تحققت فقط.

إخفاء العيوب
يخفي الطفل المتعجرف عيبه وفشله ويشعر بالعار الشخصي ولا يمهل الطرف الآخر فرصة تقبل خطئه أو حثّه على التعلم من الخطأ كما يفعل الطفل الواثق من نفسه عادة.
يأخذ الطفل المتعجرف كل شيء كمنافسة ويصدر الأحكام تجاه الآخرين، بينما يقوم الطفل الواثق بمراجعة سلوكه وتقييمه.

الشعور بعدم الأمان
يشعر الطفل المتعجرف بعدم الأمان ويشكل بقية الأطفال تهديداً له، وبالتالي فهو يفتقر للتعاطف معهم، بينما يتنافس الأطفال الواثقون مع غيرهم من الأطفال تنافساً عادلاً.

المتغطرس ينعدم لديه إحساس العمل الجماعي
لدى المشاركة ضمن مجموعة، فإن الطفل المتغطرس يركز على مساهمته الفردية، رغبة في إبراز نفسه، بينما يسعى الواثق من نفسه لعمل فريق عمل، لاعتقاده أن النجاحات تُحالف دائماً أعضاء الفريق ولا تحالف الفرد الواحد.
المتغطرس لا يحترم الآخرين
الطفل المتغطرس لا يحترم أفكار الناس ولا يهتم بها، بينما يقدّر الطفل الواثق من نفسه أفكار الآخرين.
يحاول باستمرار هدم معنويات الآخرين
لا يشعر الطفل المتغطرس بالخجل من إيقاع الأذى ببقية الأطفال وثني عزيمتهم بالكلمات والأفعال، بينما يساند الطفل الواثق بقية الأطفال.

الأسباب التي تجعل الطفل يتكبر
من السهل معرفة الطفل المتعجرف، لكننا كبالغين بحاجة لإدراك أن محادثة الأطفال المتعجرفين وتوجيههم لا يكفيان، فنحن بحاجة لحسم هذا قبل أن يتحول هؤلاء الأطفال إلى بالغين متعجرفين. السؤال هو كيف؟ كل ما نحتاج لفعله هو معرفة ما الذي جعل الطفل يتكبر ولماذا؟ ويمكن أن تكون الأسباب:

مدح الأطفال أكثر من اللازم
يحرص الآباء دائما على التفاخر بأبنائهم، فتجدهم يعتزّون بأطفالهم وإنجازاتهم ويمنحونهم اهتماماً خاصاً. تشير الأبحاث إلى أن استمرار القيام بذلك يمكن أن يقودك لتنشئة أطفال متعجرفين، إذ ستكون لديهم دائماً نظرة مضخمة ومبالغ فيها عن أنفسهم. من الأفضل تذكيرهم بإنجازاتهم، وبيان أن بقية الأطفال لا يقلون أهمية عنهم. هذا سيجلب الثقة لهم ويجعلهم قريبين من بقية الأطفال وينزع عنهم فكرة التعالي.

عدم مشاركة الوالدين
ثمة عناصر مفقودة في حياة الطفل، كعدم تواجد والدي الطفل طوال اليوم، أو أن أحد الوالدين غير موجود أو لا يوجد رابط أبوي.

مقارنة الأطفال
مقارنة الطفل المستمرة مع غيره من الأطفال في الألعاب الرياضية والدراسة تعرضه للغطرسة، من الضروري حث الطفل على التخلص من سلبيته مع الآخرين.
الآن وبعد أن عرفنا خصائص الطفل المتكبر والأسباب المحتملة وراء تصرفاته وكلماته، فإننا كبالغين ناضجين بحاجة للتصرف لتدارك تحول الطفل إلى متكبر. نحتاج لمساعدة أطفالنا كي يعيشوا حياتهم بأفضل قدراتهم بالتعاطف والإحساس بالانتماء للمجتمع والإحساس الحقيقي بالنجاح.