سامي عبد الحميد لـ”الشبكة”:مسرحنا يمشي على ساق واحدة!

1٬066

مناضل داوود/

سيرة طويلة من الإبداع في تأريخ المسرح العراقي؛ شهد ولادته فذاق تألقه وعاش مجده وانكسارته؛ مثل واخرج وألف وترجم وربى أجيالا كثيرة من الممثلين والمخرجين والمؤلفين فلقب بشيخ المسرحيين العراقيين. عملت معه ممثلاً وعمل معي ممثلاً. حواري مع سامي عبد الحميد ليس جدلاً وانما أحببت أن ادعه يسترسل في حديثه لأنه المعلم وأنا التلميذ في أروقة الذاكرة الخصبة والجادة.

المسرح أعطاني المتعة والثقافة

¶افنيت عمرك وأنت تعمل في المسرح فماذا اعطاك؟

-عندما دخلت الى حقل المسرح لم أفكر بما يعطيني وإنما بما أعطيه. ولكنه أعطاني المتعة والثقافة وضرورة تغيير الواقع التعيس.

¶ ما السنوات التي تألق فيها المسرح العراقي ولماذا ؟

– أعتقد انها الستينات والسبعينات من القرن العشرين وذلك لظهور كتاب مجددين أمثال يوسف العاني وعادل كاظم ونور الدين فارس ومحي الدين زنكنه، أولاً، ولتوفر مخرجين مجددين تعلموا فن الاخراج في معاهد أجنبية ـ أمريكية وانكليزية وألمانية وروسية وأوربية شرقية. ثانياً ولتوفر وسائل متعددة للثقافة المسرحية بالدوريات والترجمات والمسرحيات على اختلاف أنواعها ثالثاً. ولاهتمام المخرجين بتكامل العرض المسرحي. فقدموا مسرحيات عراقية وعربية وأجنبية.

¶ سمعتك تقول فشلت مرات عدة لماذا ؟

-لايفشل إلا من لايعمل ولأنني عملت كثيراً فحتماً اتعرض للفشل في بعض أعمالي المسرحية وذلك إما لسوء اختياري للنص الذي اخرجه أو لأنني لم أضع نفسي في موضع المتفرج لكي أقيم عملي عن بعد وما يسمى المسافة الجمالية أو لأن ظروف العمل لم تكن مؤاتية أو لأن العنصر البشري لم يكن مناسباً وهنا أذكر مثالاً واحداً هو (ملحمة كلكامش) التي اخرجتها لطلبة الأكاديمية وكانت ناجحة جداً واخرجتها للفرقة القومية وكانت ناجحة واخرجتها مرة ثالثة لطلبة كلية الفنون وكانت أيضاً ناجحة ثم اخرجتها لأعضاء الفرقة القومية للتمثيل وبعنوان (الليالي السومرية) وقد أعدتها الكاتبة المعروفة (لطفية الدليمي) وكانت ناجحة جداً ولكن عندما اعدت اخراجها مرة لطلبة كلية الفنون الجميلة بمناسبة الاحتفال بالحرف السومري فشل عرضها لأنني لم أحسن اختيار الممثل المناسب لدور (كلكامش) ولأنني لم أكن حاضراً في التمارين الأخيرة حيث اضطررت للسفر الى خارج البلاد للمشاركة في مهرجان مسرحي.

أجد متعتي مع الطلبة

¶عملت مع الطلبة والمحترفين أين وجدت متعتك؟

– بصراحة أجد متعتي عندما أعمل مع الطلبة لأنهم أكثر حيوية وأكثر حماسة ولأنهم يدفعونني الى الاكتشاف وفي الاكتشاف تكمن المتعة. وقد شهدت ذلك في جميع الأعمال التي قدمتها مع الطلبة أو الممثلين الشباب وبالفعل كانت متعتي كبيرة عندما اخرجت (ثورة الزنج) و (القرد الكثيف الشعر) و(مهاجر بريسبان) و(كيلوباترا) و(جزيرة الماعز) وغيرها لطلبة قسم الفنون المسرحية.

¶في كتابه ( ستانسلافسكي والمسرح العربي) كتب المخرج السوري الراحل فواز الساجر ـ إن العراقيين وحدهم من فهم ودرس ستانسلافسكي وكان يشير لك لماذا تفردت في فهمه وأنت لست ابن المدرسة الروسية؟

-لقد كان المخرج السوري المبدع ( فواز الساجر) على حق في مقولته تلك ولعل له أسبابه ومنها أننا مسرحيو العراق أول من تعرف على طريقة ستانسلافسكي وقبل المسرحيين العرب الآخرين. وبالنسبة لي فقد ترجمت أوائل الخمسينات من القرن العشرين كتاب (ديفيد مانمارشاك) عن طريقة ستانسلافسكي ونشر بحلقتين في مجلة السينما العراقية. وبعد ذلك جاءنا المخرج (جاسم العبودي) وقام بتدريس الطريقة لطلبة قسم التمثيل في معهد الفنون الجميلة خلال أواسط الخمسينات وبعده جاء الراحل ( قاسم محمد) ليضيف لنا معلومات عن ستانسلافسكي. ولكن ينبغي أن نعترف الآن بأن كل من ادعى بأنه يطبق الطريقة في عمله أو تدريباته وبشكل صحيح وأنا منهم فهو لايذكر الحقيقة. وحتى المرحوم (بهنام ميخائيل) لم يكن دقيقاً في تطبيقه للطريقة مع الطلبة حين لم يكن يشرح لهم أسرار ومفاصل الواقعية النفسية التي دعا إليها ستانسلافسكي وربما كنت أنا نفسي من الذين حاولوا تطبيقها ولكن ليس على وفق خطة منهجية ولكن وفق تفهم واضح وخصوصاً عندما كنت ألجأ الى تقنية الارتجال في التمارين حيث نعالج أنا والممثلون المشهد بطرق مختلفة الى أن نصل الى ماهو أكثر صدقاً. وأعترف لك ياصديقي أنني حتى عندما درست التمثيل في الأكاديمية الملكية لفنون الدراما في لندن لم أتلق دروساً نظرية عن طريقة ستانسلافسكي.

ساق واحدة

¶وصفت المسرح العراقي، مرة، بالأعرج لماذا؟

– نعم مازلت أصف المسرح العراقي بأنه (أعرج) لأنه يمشي على ساق واحدة هي ( الفرقة الوطنية للتمثيل ) بينما غابت عن الساحة المسرحية فرق كثيرة وهي الفرق الأهلية الخاصة كفرقة المسرح الحديث وفرقة المسرح الشعبي وفرقة اتحاد الفنانين وغيرها كما غابت فرق المنظمات كفرقة المسرح العمالي وفرقة الخنساء الخاصة بالمرأة وحتى الفرقة الوطنية للتمثيل لاتعمل بكادرها الحقيقي وأعضاؤها عاطلون عن العمل، بل أن أغلب أعمالها تعتمد على عناصر من خارج الفرقة.

بعضهم ظلم شكسبير

¶مرة قلت يجب أن نعتذر لشكسبير!! لماذا؟ هل اسأنا فهمه؟

-لا نحن لم نسىء للعظيم شكسبير ولم نسىء فهمه فهو واضح لاغموض في مسرحياته، لكن البعض منا لم يحترم نصوص تلك المسرحيات ولم يستفد من بلاغة حواراته فحذف منها ماشاء بل حذف عدداً من شخصياته أحياناً ومع ذلك يذكر في الاعلان عن العرض بأنه من تأليف شكسبير وشكسبير منه براء، وهنا أذكر أن المخرجين الكبار في العالم لا يحذفون من شكسبير جملة واحدة وأحسن مثال على ذلك المخرج الانكليزي (بيتر بروك) وهو أكثر المخرجين في العالم واقعية وتجديداً. يجب أن لانقول تأليف شكسبير وإنما اعداد عن شكسبير وأعتقد إن هذا مافعلته حين قدمت (هملت عربياً) و(عطيل في المطبخ) و(كليوباترا) و( مكبث طقوس النوم والدم) واستثني (تاجر البندقية) و(حلم ليلة صيف) لأنني التزمت بحذافير النص الشكسبيري.

¶ما تعريفك للتمثيل؟

-كنت قد ألفت كتيباً صغيراً أعطيته عنوان (فن التشبيه لا فن التمثيل) أي أن الممثل يتشبه بالشخصية التي يمثلها أو يشبه أبعادها الجسمانية والاجتماعية والنفسانية وذلك بالتغييرات التي يجريها في جسمه وصوته وفي مشاعره وفي أفكاره؛ بمعنى آخر أن يتنازل الممثل عن هويته الخاصة ليبني هوية الشخصية الدرامية وقلت في الكتاب أن (التشابيه) التي تعرض في أيام عاشوراء هي نوع من أنواع التمثيل وإن افتقرت الى الدقة والصدق أحياناً. وأصف فن التمثيل بأنه فن الاقناع، والاقناع بمعنى أن يقتنع الممثل بدوره وأن يقنع الجمهور بهذا الدور.

مفخرة المسرح العراقي

¶ لماذا هوجمت من بعضهم عند اشتراكك في عرض مسرحية روميو وجوليت في بغداد؟

-لا أبالغ اذا قلت أن (روميو وجوليت في بغداد) مفخرة للمسرح العراقي كيف لا وقد عكست بصدق واقع المجتمع العراقي أو بالأصح واقع السلطة في العراق هذه الأيام وصراع الأطراف الطائفية المتعصبة حول تسلم السلطة ومايخلقه هذا الصراع من عداوات بين أفراد المجتمع. هذه العداوات التي تغذيها أطراف متعددة تسيىء حتى الى المعتقدات الدينية. كما أن عرض المسرحية اتسم بالفنية العالية والجمال الجذاب. وتوفر للعرض ممثلون مقتدرون أحبوا المسرحية وانتموا لها كل الانتماء، كما أن المسرحية تصدت للارهاب وجرائمه عندما يكشف المشهد الأخير إن ارهابياً قام بتفجير احدى الكنائس وقتل العاشقين الخالدين (روميو وجوليت) اللذين احتميا بتلك الكنيسة بعيداً عن غضب أبويهما المتعصبين لطائفتيهما نعم كانت (روميو وجوليت في بغداد) مفخرة لنا جميعاً لأنها المسرحية العراقية الوحيدة التي شاركت في مهرجان شكسبير العالمي مع الفرقة الملكية في سترادفورد ومهرجان لندن المرافق للأولمبياد. اذا كيف لا اشترك في مثل عمل مسرحي كهذا أما الذين هاجموني فهم حساد لاغير.

تحدي المسرحيين للسلطة الغاشمة

¶ سنوات الحصار والدكتاتورية كيف تصفها مسرحياً؟

– صحيح أن لكليهما تأثيره السلبي على حركة المسرح في العراق متمثلاً في الرقابة الصارمة على النصوص والعروض وتحريض الجهات المسؤولية على تقديم أعمال مسرحية تساند أفكارها وأفعالها، ولكن المسرحيين العراقيين عرفوا كيف يزوغون وكيف يخدعون السلطة ويتخلصون من سوط رقابتها، وكثيراً ماكانوا يحذرون ولكن أحياناً يضطرون للمساومة أو للتهادن وذلك خوفاً من غضب السلطة العنيف. وأضرب أمثلة عن تحدي المسرحيين العراقيين للسلطة الغاشمة فقد كتب (فلاح شاكر) عدداً من المسرحيات التي تدين الحرب وتكشف مآسيها، اشارة الى الحرب العراقية الايرانية ومنها مسرحية (الجنة تفتح أبوابها متأخرة) وكانت من اخراج (محسن العلي) وتمثيل (شذى سالم) و(جواد الشكرجي) وكتب أيضاً مسرحية تدين الدكتاتور بعنوان (تفاحة القلب) من اخراج (رياض شهيد) ومثلت فيها مع (آلاء حسين) واخرجت أنا عن (مكبث) مسرحية بعنوان (طقوس النوم والدم ) وكنت اشبه (مكبث) بالدكتاتور وكانت (فرقة المسرح الفني الحديث) قد قدمت ثلاث مسرحيات على التوالي (الى اشعار آخر) و(الكفالة) و(شكراً لساعي البريد) وكانت تعرضت لضياع القيم النبيلة التي كانت تمثل العراقي النبيل الأصيل خلال أيام الحصار وكيف يتحول الانسان الى وحش أو الى مرتعب من السلطة أو الى المسؤول الفاسد الذي يستغل وظيفته لأهداف دنيئة. بالمقابل لم تكن ظروف الحصار والسلطة الغاشمة حائلاً دون اصرار المسرحيين العراقيين على مواصلة عملهم برغم المصاعب والمعوقات ولم تستطع السلطة خلال تلك الفترة أن تعيق العمل المسرحي، بل نقول أنها راحت تشجعه وتدعمه أحياناً وتوظفه لمصلحتها، فقد تم تشكيل (لجنة المسرح العراقي) التي كان من أهدافها دعم الفرق المسرحية لتقديم أعمال مسرحية ملتزمة وذلك لشعورها بأن كفة (المسرح التجاري) قد تغلبت برغم أنها شجعت رقعة (المسرح التجاري) والاستهلاكي لأنها شعرت بأن مثل هذا المسرح يبعد الجمهور عن التفكير بالمآسي التي يمر بها.

¶ماذا تعني لك السيدة فوزية عارف؟

-فوزية عارف هي نصف حياتي وهي ملهمتي وهي التي دفعتني لمواصلة عملي في التدريس والبحث والتأليف والترجمة وفي المسرح؛ لقد ضحت بالكثير من أجلي وكان بامكانها أن تستمر بعملها الفني وتستمر بدراستها وتحصل على الدرجات العلمية العليا كما فعل أقرانها، إلا أن رعايتها لأولادها ولبيتها منعتها من ذلك.