شارع مريـــدي قلب مدينة الصدر وسوقها الشهير
حيدر جابر/
ليس بوسعك رسم ملامح واضحة لحدود سوق “مريدي” الذي طبقت شهرته الآفاق بعد أن لعب دورا اجتماعيا وسياسيا وتحول الى وجهة للباحثين عن أختام وأوراق مزورة تنقذهم من حبل المشنقة أو تساعدهم على الهروب من مقصلة الجلاد الى خارج البلاد
وقبل أن يتحول الى هدف لسيارات الارهاب المفخخة، التي احرقت الأجساد وحولت السوق الى شلال دم اثر عشرات الهجمات الارهابية.
رسمياً يبدأ السوق الشهير من “الاورزدي القديم”، أو “مجمع هلي” الذي صار مركزا طبياً. وفي الواقع لا يوجد حد فاصل بينه وبين سوق الحي، الذي يفرق بينهما شارع مزدحم دائماً، وإلا فان الفاصل بينهما خط وهمي يشبه خطوط الطول والعرض.
وقد نال سوق مريدي حظه أكاديمياً، إذ كان موضوع رسالة ماجستير في علم الاجتماع تقدم بها الطالب “محمد ديلان حنون” الى جامعة بغداد عام 2006.
سكراب
يبدأ سوق “مريدي” بالصحيات، وعلى بعد خطوات يباغتك باعة الحليب والشاي والمناديل الورقية ومستلزمات الأطفال الصحية، ثم الملابس، ثم تدخل سوق السكراب الذي يؤدي بك الى سوق الأخشاب، الذي تتصل به محال المواد الصحية، وكلها بضاعة قديمة ومستعملة لها روادها. وفي هذه المنطقة التي تعد مقدمة سوق “مريدي” توجد بسطات لبيع المبردات والمراوح في الصيف، تتحول الى بيع الصوبات النفطية والمولدات في الشتاء، وكلها مواد مستعملة أيضاً.
ويبدو أن علاقة “مريدي” بالجديد سيئة، ستواجهك أكوام من الخردة والحديد والعجلات والدواليب، وعليها الصدأ، وتشغل مساحة تمتد حتى الجامع، ومن الجامع تبدأ “وكفة” الموبايلات، إذ يتجمع باعة معظمهم من الشباب يحملون مختلف أنواع الموبايلات، من (الطابوكة والـ_1100) الى (الآي فون)، يعرضون بضاعتهم للبيع أو يحثون على الشراء. وعموماً هي بضاعة لا يمكن الركون اليها، وتتعرض للغش وتتصف بأسعارها الرخيصة جداً.
تسود في هذا السوق حكمة تسري مسرى القانون “الّي يشتري من مريدي بعد ما يرجع”، لذا، فأنت الذي تتحمل جودة أو رداءة ما تشتريه، أما فكرة استرجاع الثمن فتبدو فكرة محفوفة بالمخاطر.
والى جانب و(كفة) الموبايلات يتم عرض الدراجات البخارية، وهنا ينتهي الجزء الأول من مريدي.
يبدأ الجزء الثاني من مرطبات “عزيز الكعبي”، فمن هنا يبدأ بيع الأجهزة الكهربائية مثل التلفزيونات و”DVD” وأقراص أفلام الكارتون والمسلسلات التركية والأفلام وغيرها. وبجواره سوق للساعات، ثم “وكفة” للمحابس، إذ تجد رجالاً وشباباً يرتدون أكثر من 10 محابس في اصابعهم يعرضونها للبيع، ويمكنك أن تعثر على ما يزيد رزقك أو حظوتك لدى السلطان والنساء والجاه في هذه الخواتم متنوعة الألوان والأحجام، ومعها تعرض السبح، العقيق والكهرب واليسر والسندلوس، ولكل منها مميزاتها التي تزيد من قيمتها وتجذب زبائنها الخاصين.
وفي الجوار تمتد محال بيع الملابس التي تتميز باسعارها الرخيصة، فضلا عن توفر الملابس العسكرية والدروع. ومع بداية قطاع 32 يبدأ سوق الأخشاب الذي يعرض المصنوعات المتنوعة، ويضم داخله مكاناً لبيع الأسلحة والعتاد بصورة علنية، وما ان تخرج منه حتى تدخل “سوق الباله” الذي يمتد حتى مركز وعاصمة مريدي الأصلي الذي يقع في قطاع 40، وقبل أن تدخل ستقابلك محال ممتلئة بالأجهزة الكهربائية والتلفزيونات والهيترات. وأدعوك ألا تفاجأ اذا رأيت أدوية أو حبوباً لزيادة القوة الجنسية، فهي متوفرة بكثرة، وبإمكان أي بائع أن يمثل دور الخبير الناصح الذي يستطيع توفير قوة جنسية هائلة بسعر بسيط وضمان من الآثار الجانبية.
عاصمة مريدي
ويبدو مركز مريدي عند الركن الشمالي الغربي لقطاع 40 مرتباً وجميلاً بدكاكينه الصغيرة وممراته الضيقة التي تشبه الى حد ما الأزقة البغدادية القديمة، وتكاد تتشابه هذه الدكاكين في أنها متخصصة بيع العباءات العربية التي تنسج من الصوف المغزول والسبح واغطية الرأس المنقوشة بالأسود “الشطفة أو الغترة” والخواتم، وعلى مقربة منه سوق صغير لبيع الفواكه والخضر والأسماك، ثم تنتهي خارطة مريدي الكبيرة بأقفاص لبيع الحمام والدجاج والبط وطيور الحب وغيرها، فضلا عن الحبوب المخصصة لإطعامها. وفي المقابل هناك شارع الاسفنج الذي تتخصص محاله ببيع أفرشة النوم الاسفنجية أو القطنية.
وعلى امتداد هذا الشارع الذي استحوذ عليه مريدي بكل رتابة، ينتشر باعة “اللبلبي والشلغم والباقلاء” شتاء، ومختلف أنواع العصائر صيفاً، والفشافيش والسياح على مدار السنة.
شخصيات من مريدي
أبو فراس البهادلي، لعله أحد أقدم الباعة في سوق مريدي، يجلس في دكانه البسيط الصغير، ويمارس مهنته التي لم تتغير منذ تأسيس السوق في عام 1963. يقول “هنا في قطاع 40 مركز سوق مريدي، ثم بدأ بالامتداد حتى وصل الى الأورزدي القديم”، ويضيف “بدأ السوق ببيع الخضراوات والفواكه، ليتنوع ويتجدد بمرور الزمن، لبيع السمك والعبي والسبح والبالات”، ويؤكد “خدم هذا السوق الشعبي الكثيرين وأعال عوائل عديدة لأنه يوفر العمل ببساطة للفقراء”. ويحدثنا أبو فراس وهو يصلح احدى السبح “أعرف مريدي الفرطوسي الذي سُمّي السوق باسمه، وكان صديقي، وكان يجلس في ركن القطاع لبيع السكائر وصمون الإعاشة، وقد توفى (رحمه الله) في عام 1965 تقريباً”. وينبه أبو فراس الى حقيقة مهمة “بإمكان سوق مريدي الامتداد غرباً ولكنه لا يستطيع ذلك شرقاً، فهناك مستشفى الامام علي الذي يعرف باسم مستشفى “الچوادر”، وكذلك البدالة التي هي دائرة حكومية لها خصوصيتها، ولولاهما لامتد حتى وصل الى السدة، كذلك فإن مريدي لا يتفرع الى داخل الأزقة، لأن ذلك سيضايق الأهالي”. ويشير أبو فراس الى احدى العمارات القريبة منه “يوجد هنا أحد أشهر الأطباء في العراق وهو د. صادق الموسوي الموجود منذ 17 عاماً، إذ يأتي اليه المراجعون من مناطق بعيدة”. ويتذكر أبو فراس “مرت على العراق أيام عصيبة ولا سيما في التسعينات، حيث أتعب الحصار العراقيين ” كان الغلاء والقحط موجودين وانعدم النقد، كنا “نبسّط” هنا، وبين آونة وأخرى تطردنا البلدية والشرطة لنتجه الى أطراف السوق، ثم نعود بعدها، لقد كان النظام السابق يحاربنا في أقواتنا”. ويضيف “كانت الأجهزة الأمنية تطاردنا وتشكك بالتجمعات، وفي إحدى المرات جاء مدير الأمن من دون أن اعرفه، وقد اصلحت سبحته”. ويرى أبو فراس ان السوق كان مستهدفا قبل وبعد سقوط النظام المباد “الارهاب يستهدفه دائماً، وفي احدى المرات حدث انفجار على بعد أمتار من دكاني، إلا أن الباعة اصروا على الحياة وعاودوا العمل بعد يومين”.
صالح مهدي حاتم المالكي “أبو جلال” يسكن قطاع 23 منذ أكثر من أربعين عاماً، يتحدث عن سيرته مع مريدي “أعمل في سوق مريدي منذ مطلع السبعينات وتأسس هذا السوق مع تأسيس مدينة الثورة أيام الزعيم الشهيد عبد الكريم قاسم، وكان يقتصر على قطاع 40 ثم تمدد حتى وصل الى ما هو عليه الآن. لافتاً الى أن الشارع يفتح أمام مرور السيارات ليلاً فقط. ويتابع أبو جلال “السنين والأحداث تجلب معهما تغييرات، فالأسواق تكثر والباعة يكثرون بسبب الوضع الاقتصادي، وتتوفر كل المواد في السوق، ويتميز بكونه رخيصاً لانه لا يكلّف ايجار المحل”، منوهاً الى أن “لكل بضاعة في سوق مريدي زبائنها حتى تلك التي تبدو وكأنها نفايات، حتى الأسلاك المتهرئة، أو الحديد الصدئ”، ويؤكد أن “لا حدود واضحة تفصل بين أقسام السوق”. وينبه الى أن “سوق مريدي يعيل الكثير من العوائل، واذا فكر المسؤولون بإغلاقه فإنهم سيخلقون مشكلة لهذه العوائل ليس لها داعٍ، وعن الأمن في مريدي يقول أبو جلال “تم استهداف مريدي من قبل الارهاب مرات عديدة. ويختم أبو جلال بارتياح “أنا هنا في هذا المكان منذ أكثر من أربعين عاماً وابيع الصحيات منذ السابعة صباحاً وحتى مغيب الشمس يومياً، الرزق موفور والحمد لله”.