الشهادة نبراس وحدتنا
إياد الخالدي – الصورة:AFB /
والمجلة ماثلة للطبع، تواردت الأنباء باغتيال قائدي الجهاد والكفاح ضد داعش والإرهاب ابو مهدي المهندس والحاج قاسم سليماني بقصف استهدف موكبهما في حرم مطار بغداد الدولي، مجلة الشبكة العراقية استحضرت تاريخهما النضالي ومسيرتهما الخالدة في هذه العجالة.
بقلوب مؤمنة وحزن كبير، ودّع الشعبان الشقيقان العراقي والإيراني اثنين من أبرز قادة النصر العظيم على تنظيم “داعش” الإرهابي، فقد شارك ملايين المواطنين في العراق وإيران بتشييع مهيب للشهيدين أبي مهدي المهندس وقاسم سليماني انطلق من الكاظمية المقدسة في بغداد مروراً بالمدن المقدسة في كربلاء والنجف الأشرف ثم انتقل جثمانا الشهيدين إلى إيران حيث كان بانتظارهما المشيعون في الأهواز ثم انتقل الموكب إلى مدينة مشهد المقدسة ثم إلى طهران قبل أن يوارى الجثمانان الطاهران الثرى.
ولقي الشهيدان أبو مهدي المهندس وقاسم سليماني وجه ربهما إثر غارة غادرة شنتها طائرات أمريكية قرب مطار بغداد الدولي بينما كان المهندس يستقبل الحاج سليماني في زيارة رسمية لبغداد لتسليم رسالة من الحكومة الإيرانية إلى رئيس حكومة تصريف الأعمال عادل عبد المهدي، وقد مثل ذلك الاعتداء الجبان انتهاكاً سافراً للسيادة العراقية التي حاول الأمريكان سحقها ليثبتوا أنهم ما زالوا قوة احتلال غاشمة لن تتردد في قتل أي مواطن عراقي وتصفية أي مسؤول عراقي يرفض وجودهم أو يختلف مع سياستهم في بلاده.
وفي وقت هزَ هذا العدوان ضمير الشعبين العراقي والإيراني وقواهما الدينية والوطنية، فإنه أثار موجة من السخط والاستنكار العالميين حتى في أمريكا نفسها، فقد وضع الرئيس الأمريكي ترامب بقراره اغتيال الشهيدين ومرافقيهما المنطقة والعالم بأسره على فوهة بركان، ما دفع إلى حراك دبلوماسي غير مسبوق أدان ذلك العداون وحذر من تداعياته الخطيرة على الأمن والسلام العالميين.
وبينما شدد محور المقاومة على أن دماء الشهداء لن تذهب سدى وأن الانتقام لهم سيكون كبيراً وسينهي الوجود الأمريكي في المنطقة مؤكدين أن هذه الجريمة لن تمر دون عقاب قاسٍ يضع حداً للوجود الأمريكي واستهتاره بقيم الشعوب الحرة ومقدراتها ودمائها.
برز اسما القائدين الشهيدين بقوة في وقت كان إرهابيو داعش على أسوار بغداد وقد انتهوا قبل ساعات من مجزرة سبايكر ويستعدون لمجزرة أخرى تصبغ دجلة بدم العراقيين وتضيف نساء بغداد إلى سباياهم من الإيزيديات المعروضات في سوق النخاسة، وبينما كانت أمريكا تضع شروطها شرطاً تلو الآخر كي تمدّ يد المساعدة إلى العراق، كانت قوافل السلاح والعتاد والرجال تصل من طهران لمساعدة أشقائهم العراقيين ولإنقاذ بغداد من وحوش ذلك التنظيم الإجرامي.
وحتى تحقيق النصر على أعتى تنظيم إجرامي عرفه التاريخ، كان الشهيدان سليمان والمهندس يخوضان الحرب جنباً إلى جنب مع أبطال الحشد المقدس ويحرران مدن العراق المغتصبة وأرضه شبراً شبراً، في تضحية وعطاء ما بعدهما تضحية وعطاء لا يمكن لذاكرة الأحرار نسيانهما، وستظل تلك الأرض تحكي عن الرجال الذين خضبوها بدمهم وعرقهم وتظل تلك المدن تهتف لبطولتهم واستبسالهم، وسيظل الأحرار الذين رزحوا تحت جبروت ووحشية ذلك التنظيم الإرهابي يهتفون باسم الشهداء وفي مقدمتهم القائدان الشهيدان.
انخرط الشهيد أبو مهدي المهندس مبكراً في سوح الجهاد والمقاومة حين انضم إلى حزب الدعوة الإسلامية لمواجهة طغيان نظام صدام الدكتاتوري، الرجل الذ ي يحمل شهادة البكالوريوس في الهندسة المدنية من جامعة بغداد حوّل حياته وأحلامه من الهندسة المدنية إلى هندسة المقاومة ومشاريع التحرير والجهاد التي أنجز الكثير منها في حياته الحافلة بمواقف البطولة والتحدي.
ومن جنوب العراق الذي سحقته الدكتاتوريات والإقطاعيات الغاشمة بدأ الشاب البصري رحلته الطويلة في ميدان الجهاد، قادته إلى محطات ومفترقات كبيرة من البصرة إلى الكويت إلى إيران لتصنع رجلاً مصقولاً بالمعاني والقيم الجهادية التي رسخت في عقله وضميره وحملها مبادئَ لا يتراجع عنها.
عاد إلى بغداد بعد سقوط نظام صدام حسين، ومع أنه أسهم بإنشاء الائتلاف الوطني عام 2004، لكن الرجل لم تغرهِ المناصب بعد أن فاز الائتلاف في انتخابات العراق، واختار المهندس أن ييقى جندياً في محور المقاومة، حيث تمتد خارطة هذا المشروع إلى دمشق وبيروت وغزة وصنعاء ومدن أخرى، ولم يعرف على المستوى الإعلامي إلا بعد سقوط الموصل ومدن غرب العراق بأيدي تنظيم داعش، فكان المهندس بحق مهندساً كبيراً لنصر العراق ودحر تنظيم داعش.
لقد اقترن اسم المهندس بكل الانتصارات العظيمة التي حققها العراقيون، ونجح مع رفيقه الشهيد الحاج سليماني في بناء قوات الحشد الشعبي، تلك القوة التي فرضت نفسها في معادلة حسم الصراع ضد تنظيم “داعش”، كما فرضت نفسها في كل المعادلات والخرائط المرسومة للمنطقة، الأمر الذي وضعه في مواجهة مع المخططات الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة.
إن سوح المواجهة، من أسوار بغداد التي كانت تتربص بها عناصر تنظيم داعش، حتى سواتر الحرب الطويلة في جبال حمرين وهضاب تكريت وتلعفر والقائم، تعرف هذا الرجل وتعرف صاحبه الشهيد قاسم سليماني، فهما اللذان كرّسا حياتيهما للدفاع عن القيم التي آمنا بها.
فطوال سنيّ الحرب كان المهندس بين جنوده في أيام البرد والحرّ، وكان يتنقل وسط لهيب النيران بشيبة خضبها غبار المعركة على سواتر المواجهة الأمامية وعلى خطوط التماس دون مللٍ او كلل، بل إن حماسته وشجاعته لطالما مدّت المجاهدين بالقوة والعزيمة فكانت عاملاً كبيراً في حسم المعارك الكبرى في تلك المنازلة التاريخية.
لقد شكل المهندس بكل ما حمله من قيم مبدئية ووطنية رقماً صعباً وهدفاً أقضّ مضاجع خصومه، وهو الذي اتخذ من نهج المقاومة وروحها زاده في مسيرته الوضاءة التي توجها باستشهاده في عملية غادرة ليفارق الحياة جسداً لكنه سيظل حاضراً كشعاع صدقٍ يمدّ المجاهدين بالعزيمة والثبات.
عاصفة لن تهدأ
اغتيال الشهيدين المهندس وسليماني خلّف عاصفة من الحزن والغضب لم تهدأ ولن تهدأ في قلوب الثوار وضمائرهم ولدى الشعوب والمدن التي عرفتهما وعرفت شجاعتهما من بغداد إلى دمشق إلى بيروت، ومن تلال حمرين إلى صحراء القائم والبوكمال إلى مرقد السيدة زينب، ولا سيما أنه يأتي في غمار التهديدات والظروف التي تحيط بالمنطقة وقد تذهب بها إلى مخاطر جسيمة.
وكان من الطبيعي أن تكون ردود الأفعال صدىً لفعل هزّ العراق والمنطقة والعالم فقد أدانت المرجعية الدينية تلك الجريمة وشددت على ضرورة احترام السيادة العراقية وعدم خرقها.
وأشاد المرجع الديني الأعلى السيد علي السيستاني بدور الشهيد القائد الحاج سليماني في حرب تحرير العراق من تنظيم داعش في رسالة تعزية بعثها إلى المرشد الأعلى للثورة الإيرانية السيد علي الخامنئي، باستشهاد الفريق قاسم سليماني.
وقال سماحة السيد السيستاني: “إن دور السيد سليماني في فترة حربه ضد عناصر داعش كان منقطع النظير ولا يمكن نسيانه ونسيان ما تحمله من زحمات في هذا السياق”.
من جهته، أدان رئيس حكومة تصريف الأعمال عادل عبد المهدي اغتيال الفريق قاسم سليماني كاشفاً عن أن الشهيد سليماني كان في زيارة رسمية إلى العراق وكان مقرراً أن يلتقيه لتسليمه رسالة بشأن العلاقة مع السعودية.
وقبل أن يجف دم الشهدين، وفي موقف يعبر عن ضمير الشعب العراقي وما يعتريه من غضب، صوّت البرلمان على قرار يلزم الحكومة العراقية بإخراج القوات الأمريكية من العراق، بعد أن تحوّلت إلى قوة غاشمة لا تبالي بانتهاك سيادة العراق، ولا سيما بعد أن أكد القائد العام للقوات المسلحة حجم الانتهاكات الأمريكية وسعيها في تحويل العراق إلى ساحة لتنفيذ أجنداتها التي لا تراعي المصالح الحيوية للعراق في محيطه الإقليمي ولا سيادته الوطنية.