في عيدي تأسيسهما.. الجيش والشرطة رافدا البطولة والتضحيات

1٬085

ذوالفقار يوسف – تصوير: صباح الامارة /

بسماح ووقاية، بهالة من الحماية المطلقة، ارتدت هاتان الجوهرتان لباس القوة والتأهب للذود عن أبنائهما العراقيين، دون انقطاع او تعب، وقد خضع العراق كله لهذه المحبة منذ بداية إشراقها، اعتكف كلٌّ منهما في سور لا يدنو منه عدو، مسطّرين العديد من المناقب البطولية سواء على مستوى الوطن العربي أو العراق، مضحيين بالغالي والنفيس من أجل أن تعلو راية الله اكبر في سماء الوطن، إنهما درعا العراق وحامياه صاحبا الملاحم الخالدة.. الجيش والشرطة.
تطل علينا في هذا الشهر من كل عام، ذكرى تأسيس كل من الجيش العراقي عام 1921 الذي يصادف في السادس من شهر كانون الثاني، وأيضا عيد تأسيس الشرطة العراقية في العام 1922 الذي يصادف في التاسع من الشهر نفسه، اذ يرتبط هذان التاريخان بولادة سوري الوطن وحاميي تربته، وتثميناً لما قاما به من تضحيات استمر العراقيون بالاحتفال بهذين الرمزين في كل عام منذ يوم تأسيسهما.
ولادة الشموخ
طبعت شرطتنا العراقية الباسلة بصمة واضحة منذ بداية تأسيسها في عشرينات القرن الماضي، مسطرة أروع الملاحم. النقيب قيس زهير عبيد، أحد فرسان هذه المؤسسة، يحدثنا وقد أشارت أنامله إلى علم العراق الذي وسم على زيّه ليقول: “لقد آن للعالم أن يعلم أن للعراق جبالاً شامخة تتحدى المستحيل في الدفاع عن أرضه وحضارته ومقدساته، وأن فيه أسوداً بذلت أرواحها فداء لهذا البلد بلا تردد، نعم، قد عانينا مراراً، وقد مرت بنا شتى العواصف والأعاصير، وتكالبت علينا وحوش الإرهاب من كل حدب وصوب، لكننا عدنا، بشهدائنا وتضحياتهم، عدنا بسواعدنا وغيرتنا وحبنا لهذا الوطن، وصنعنا دروعاً من أجسادنا لحمايته من كيد الأوباش، وها هو اليوم ينبثق كالشمس الساطعة بوجه الظلام ومريديه، وأن نحتفل بعيد تأسيسه ونحن متأكدون أننا كمنتسبين لهذه المؤسسة سنكون عند حسن ظن البلد وشعبه، وأن العراق سيبقى شامخاً وزاهياً بأبنائه، وكل عام وشعبنا العراقي وشرطته بألف خير”.
خدمة الوطن
لم يكن فقط من مسؤوليات شرطتنا العراقية الدفاع عن الوطن، والحفاظ على أمنه وسلامه، بل تفرعت منها المؤسسات لتكون مهمتها الحفاظ على تنظيم حركة سير المركبات في شوارعه. ولأن عمل شرطي المرور يختلف عما يفعله غيره من المنتسبين من باقي تصنيفات الشرطة العراقية، إلا أنه لا يقل أهمية عنه.
النقيب يوسف أحمد، أحد منتسبي مديرية المرور العامة، صادفناه في أحد شوارع العاصمة وهو يقوم بتنظيم سير المركبات، يحدثنا وهو يحرك يديه في جميع الاتجاهات موجهاً العجلات ويقول: “نهنئ الشعب العراقي أولاً، وكل من جيشنا الباسل وشرطتنا بهذين العيدين، وندعو الله أن يحفظ العراق وشعبه من كل سوء، وسنكون عند حسن ظن المواطن في تسهيل حياته وتنظيمها مهما كانت الظروف، وها هو شرطي المرور لا يبالي ببرد الشتاء أو حر الصيف في خدمة للعراق وشعبه، وهمّنا هو تذليل الصعاب أمام المواطنين، ونتمنى أن نصل إلى مصاف الدول المتقدمة في تقديم الخدمات للمواطنين في حركة سير مركباتهم، أخيراً الرحمة والخلود لشهداء العراق ومنتسبي الشرطة والجيش بصنوفهم كافة”.
حماة السماء
طائر العراق، المقدَّم علي كاظم صالح، أحد جنود الوطن في سمائه من منتسبي طيران الجيش، أطلق جناحيه كالصقر ليزيل الغيوم وهو يقول: “لقد كانت أياماً صعبة في مواجهة العدو، وعلى الرغم من تحالفات الظلام ضد العراق استطعنا بسواعدنا أن نجعل شمس الوطن تشرق من جديد، إذ أن هذا اليوم ليس مجرد ذكرى تأسيس جيشنا الباسل بعد الآن، بل أصبح ذكرى لكل جندي بطل تصدى للإرهاب، ولكل شهيد ضحّى بروحه الطاهرة لنصرة الوطن وشعبه العريق، سنظل نتذكر المواقف والبطولات التي خاضتها قواتنا الأمنية، وسنبقى على الوعد بأن سماء العراق ستبقى خالية من الأعداء ما دمنا نتنفس، وأننا سنكون له درعاً منيعاً ضد كل من يريد لوطننا الخراب، وكل عام والقوات الأمنية من إخوتنا وزملائنا ومنتسبينا بخير وقوة وسلام”.
داحر الإرهاب
ر.ع يوسف علي راضي، أحد منتسبي جهاز مكافحة الإرهاب، تصدّر وسم الوطن جبهته، وشعاره أن ليس هناك أغلى من تربته، يحدثنا بفرح عارم بمناسبة عيد تأسيس جيشه فيقول: حلمي المستمر هو أن أخدم وطني بصفتي أحد المدافعين عنه، وقد تحقق هذا الحلم والحمد لله، وها أنا الآن أحد جنود الوطن وحماته، فمهما قسَت الحروب والأزمات على شعبنا، ومهما انبثق من وديان الظلام من يهدد أمنه وسلامه، ستجد أن أبناءه الغيارى من الجيش والشرطة يدافعون عنه ويحمونه، ومثال داعش الإرهابي هو أكبر دليل على أن الجيش والشرطة العراقيين قد دحرا أكبر عدو في العالم أجمع، واستطاعا بتكاتفهما مع الشعب أن يمحوا هذا العدو من على خارطة العالم وإلى الأبد، كل عام وإخوتي من منتسبي هذين الصرحين الشامخين بخير وقوة وشهامة”.
دمنا دمكم
المفوض سعد خلاف، أحد منتسبي الشرطة العراقية، يستقبلنا بابتسامة كأنها الوطن، يقول: “كنت متيقناً بعد كل حرب ومعركة يخوضها العراق ضد الأعداء، بأننا منتصرون لأننا مع الحق، ولا نريد غير السلام، وهذا ما تأسس عليه جيشنا وشرطتنا، فنحن من الشعب وإليهم، نحن إخوتهم وأبناؤهم وآباؤهم، ودمنا دمهم، إذ أن مديرياتنا ومنشآتها تنظم حملات للتبرع بالدم لمرضى الثلاسيميا والأمراض الأخرى، في الوقت الذي تشهد فيه مصارف الدم الحاجة إليه، وهذا مايثبت أن دماءنا تتشارك نفس العروق، لهذا سنذود عن وطننا ضد كل من يريد به السوء، وسنعيد هذا اليوم السعيد بسواعدنا، وسنقول لكل عدو غاشم إننا بتكاتفنا سنصنع السلام والأمان لهذا الشعب، وكما دافعنا قبل ذلك عن العديد من الدول العربية منذ حرب الجولان وغيرها، نستطيع أن نطرد الظلام بأنواعه واصنافه، وأن نكون عند حسن ظن الوطن في الدفاع عنه، وأن نقول للإرهاب أن لا مكان لك في أرض العراق، ما دمنا نتنفس”.
قتال المعلم
لا يخفى على الجميع مدى اتساع قدرة العراقي على الحلم، أما العطاء فقد كان ملكاً له. الشرطي علي الحمراني، المقاتل في فوج طوارئ ميسان- الأفواج القتالية، اصطحب معه حلمه إلى جبهات القتال، ليجمع القلم مع فوهة بندقيته ويقاتل الجهل والإرهاب بهما معاً، بعد أن اضطر إلى أن يدخل سلك الشرطة، قاده حلمه وإصراره على تنفيذ ما يصبو إليه. وكمحب لمادة الرياضيات، استطاع أن يستغل أيام إجازته العشرة بتدريس الطلبة مادة الرياضيات والحاسوب في محافظته، إذ أن أغلب طلبته الـ(600)، حالتهم معدمة وفقيرة وبعضهم أيتام، استطاع أن يحقق نسبة نجاح لطلبته 98%، وكل ذلك دون مقابل، إنه قتال ليس هناك أجمل منه، وعلم لا تتكرر قوته.
قوتنا بسلميتهم
لاحت على الوطن بوادر الحرية والسلام، عندما خرج الشعب مطالباً بحقوقه المشروعة، وكشعب قادر على خلق المستحيل خرجت الأفواج نحو نصب الحرية. الشرطي سلام محمد من منتسبي وزارة الدخلية يحدثنا عن مواقف الشرطة في تلك الأيام ويقول: “لقد كانت أياماً مليئة بالفرح والخوف في نفس الوقت، إذ أننا مواطنون كما المتظاهرين، نصبو إلى وطن جديد يخلو من الفساد، إلا أن اختلافنا عنهم كان حينها فقط بالزي الرسمي، استقبلناهم بوردة وعلم عراقي، والبعض منا استطاع أن يحتضنهم ويقبلهم، وما ترجمة هذا الحب إلا أننا معهم في هذه المسيرة، غير أن واجبنا لحمايتهم يحتم علينا الوقوف والترقب بخوف على سلامتهم، لنقول لهم إنكم بأمان ما دمنا معاً، وإننا وإياكم في نفس الطريق مهما اختلف لباسنا، وسنكون درعاً يصد كل شظايا الأعداء، وسنأخذ الحرية والسلام معاً مهما كان الطريق إليها مستحيلاً”.
العيد عيدان
الصنديد حيدر جاسم، الذي صادف ترفيعه قبل أيام الى رتبة ملازم أول، يحدثنا وقد تضاعفت سعادته فيقول: “لي الشرف أن أكون أحد منتسبي جيشنا المقدام، فقد كان أبي وأبوه من قبله ضباطاً في هذا الجيش العريق، وهذا ما يجعلني أفتخر بأنني قد سرت على خطاهما، وفي نفس الوقت فتح لي المجال لأن أكون من المدافعين عن وطني وترابه، وأنا سعيد أيضاً بكوني قد تدرجت في رتبتي في هذا الوقت الذي يصادف فيه عيد تأسيس الجيش العراقي، فأصبحت الفرحة فرحتين، كما نقول، وأدعو الله أن يجعل العراق سالماً منعماً بأبنائه من منتسبي الجيش والشرطة، وأن نكون الدرع الحصين أمام كل من يريد بوطننا الخراب والدمار”.
الخلود للشهداء
بينما يجر الإرهاب أذيال خيباته المتكررة، أمام سور الوطن من ابنائنا الغيارى، هناك من استقبلته أبواب الجنة من الشهداء الذين بذلوا وجاهدوا حق جهادهم، لننعم نحن من سكنة هذا الوطن بالسلام والأمان، واستقبلوا نداء الوطن بصدر رحب، غير مبالين بالموت والفناء، إذ لا فناء مع الوطن والدفاع عنه، (علي يوسف) أحد منتسبي قواتنا الباسلة، وأحد الشهداء الذين وقفوا بوجه الإرهاب متصدين، وكما الطيور ارتقت روحه الطاهرة إلى السماء وقد توِّجت بتاج البطولة، وارتدت لباس الخلود، فقد صنع السلام بسلاحه، واحترف المسير مع الأبطال ليكتب اسمه في سماء الحرية، وبحزمه الشامخ رسم البطولة بألوان النصر، متيقناً أن لا شيء بعد الوطن وتربته، وأن روحه فداء بدون خوف أو تردد ستكون قرباناً له، وبأجنحة بيضاء حلّق نحو السماء ليستقر نجمة مضيئة لا تخفيها غيوم الأعداء، فتربع على عرش البطولة والفداء، وقد خلَّد اسمه بين الشهداء، فهم كما قال فيهم عز من قائل (أحياءٌ عند ربهم يرزقون).