القبولات… المتنفس الأجمل لسيدات المجتمع البغدادي

1٬000

غيداء البياتي  /

على مقعد صغير وضع في احدى زوايا صالة الضيوف بمنزل جارة الحاجة نوال الآلوسي جلست فتاة في مقتبل الشباب بجانب امرأة متوسطة العمر، كان لباس المرأتين نموذجا للزي البغدادي، لا يظهر منه الا رداء بني اللون له اكمام، يكسو الجسم كله كالجبة المذهبة الواسعة، ولا اظن احداً يحتاج الى التمعن كثيراً في وجهيهما حتى يتبين ان الفتاة ابنة تلك المرأة الكهلة لكثرة ما بينهما من الشبه،كان ذلك في احدى الجلسات النسائية او ” القبول” كما يحلو لنساء بعض العائلات البغدادية تسميته، وهو تقليد اسبوعي اعتدن على اقامته منذ الصغر مع امهاتهن وجيرانهن، لا سيما نساء مدينتي الكرادة والاعظمية”.
خطوبة مباركة
– نوال الآلوسي مدرسة لغة عربية متقاعدة تقدمت لخطبة الفتاة المذكورة آنفا لابنها البكر بعد ان تعرفت على والدتها وعائلتها في احدى الجلسات النسائية في منطقة الاعظمية فقالت واصفة العروس: “إنها جميلة وجذابة وقد زادها العلم والادب رونقا وحلاوة، فهي طوال الجلسة لم تتحدث الا بما هو نافع للاسرة والمجتمع، فقد لفتت انتباه الحاضرات وشدتهن لمواضيعها المتنوعة البالغة الاهمية”.
الآلوسي اكدت أن اغلب اللقاءات النسوية “القبولات” التي تقيمها نساء المنطقة اسبوعيا تمتاز بالالفة والمحبة وتعم بالفائدة على الحاضرات من حيث المعرفة بجميع الامور المنزلية والعلمية، وتطوير الذات، والتعرف على الكثير من العادات والتقاليد وجعلها متوارثة عبر الاجيال، كما انها تعد فرصة لتلاقح الافكار بين النسوة الكبيرات في السن والشابات”.
آخر المستجدات
جارة الآلوسي إلهام النعيمي (56 عاما) علقت: “في يوم محدد من كل اسبوع نتفق مع سيدات الحي المتجاورات للقاء في منزل احداهن دوريا، فمثلا هذا الاسبوع كان التجمع في منزلي، واللقاء المقبل سيكون في دار جارة اخرى وهكذا، وهو جزء من التقاليد البغدادية القديمة الجميلة المتوارثة من الامهات، ففي الماضي كانت المرأة التي تستضيف “القبول” تتحمل تجهيز كافة مستلزمات الجلسة من مأكل ومشرب وترتيبات منزلية خاصة بصالة الضيوف، اما الان فتتوزع مهام التحضير للجلسة على النسوة المتقابلات في منزل احداهن فمثلا تقوم المرأة الفلانية بصنع بعض المعجنات اما الاخرى فتجهز المقبلات بينما تصنع بنت فلانة الحلوى، ويشترط ان يكون الطعام مجهزاً في المنزل، وهكذا تبدأ الجلسة سيما وانها غالبا ما تكون في المساء”.
النعيمي تقول :” تبدأ جلسات “القبول” بالصلاة على محمد “ص” وآله الاطهار ثم يجري الخوض في احوال المنطقة وآخر المستجدات لا سيما اذا كان هنالك نزلاء جدد، حيث يتم التداول في كيفية تقديم واجب الضيافة لهم والترحيب بقدومهم في الحي، ثم يبدأ الحديث عن بعض الامور الاجتماعية والتطرق الى الموضوعات السياسية وما تتداوله وسائل الاعلام من تطورات وغيرها”.
مشكلات عشائرية
موضوعات كثيرة تجري مناقشتها في تلك الجلسات كالوقوف الى جانب من يمر بظروف صعبة او مشاركة الجيران افراحهم واحزانهم او حل مشكلة معينة لاسرة ما، هذا ما تحدثت به نبال الخزاعي (28 عاما) من منطقة الكرادة وتضيف: فضلاً عن الترفيه والابتعاد قليلا عن ضغوط الحياة المنزلية والعملية في تلك اللقاءات، فإنها ساهمت مرات عدة في حل مشكلات عشائرية كادت أن تفتك ببعض الأسر باقناع النسوة المتخاصمات بالمصالحة فيقمن بدورهن بمفاتحة ازواجهن بموضوع الصلح، فيكون وجودهن في تلك الجلسات محضر خير على العائلتين، فأجواء اللقاءات النسوية تلك تجعلنا اكثر ارتياحا وكأننا بها نكتسب طاقة ايجابية فيتقبل بعضنا بعضاً بشكل جيد”.
العباءة المطرزة بالخيوط الذهبية والفضية اوالزخارف الملونة والصاية البغدادية هي سيدة تلك اللقاءات، حيث اغلب النسوة الحاضرات في “القبول” يفضلن ارتداء الصاية البغدادية او العباءة، وقد يخضع ملبس الفتيات الى موضة العصر، وهن في تلك الجلسات يتمتعن بالحرية التامة في ارتداء الثياب كونه لقاءً مخصصاً للنساء فقط.
غناء وموسيقى
تتخلل هذه الجلسات عادة كثير من الفقرات الترفيهية كالغناء والرقص والموسيقى تؤديها الشابات الحاضرات، بينما تستمتع النسوة الكبيرات بتلك المواهب وقد يصادف وجود فنانة تشكيلية تكون حفيدة او قريبة او ابنة احدى النسوة الملتقيات، فتقوم برسم لوحة كاريكاتيرية لكبيرات السن بطريقة تضفي البهجة والسرور على الحاضرات، كما فعلت فنانة المستقبل ديما الساعدي في احدى القبولات على ما تقول الستينية ام ريماج وتضيف: “نحاول ان نستغل وقت هذا اللقاء الاسبوعي بالترفيه عن انفسنا ونبتعد قليلا عن مشاغل الحياة ومشكلات الابناء والسياسة، واجمل ما في هذه الجلسة وجود الشابات المتمتعات بروح الدعابة والمرح وذلك يعطينا كمية كبيرة من الطاقة الايجابية من خلال ما يقمن به من فعاليات ممتعة”.
وسائط التواصل الاجتماعي
في الاونة الاخيرة ونتيجة لتطور الحياة التكنولوجية والاجتماعية ظهرت بعض السلبيات التي افقدت هذه الجلسات جزءاً من رونقها كالغيبة والنميمة والخوض في أحاديث لا تناسب اهداف هذه الجلسات، هذا ما تحدثت به ام ميثم واصفة جهاز الموبايل بـهولاكو التطور الذي غزا حياة اغلب الشباب والشابات اليوم وتقول: “شيء مزعج ان يتحدث الجميع بموضوع اجتماعي مهم وتكون احداهن او اغلبهن منشغلات بوسائط التواصل الاجتماعي، لذلك يشترط ان يوضع الهاتف المحمول لكل امراة او فتاة جانباً أثناء ساعات اللقاء لا سيما ان النسوة المجتمعات يأخذن راحتهنَّ في الملبس والكلام كونه لقاءً مخصصاً للنساء فقط، لكن على الرغم من كل المتغيرات تبقى جلسات “القبول” المتنفس الاجمل لسيدات المجتمع البغدادي”.