معهد الفنون الجميلة للنازحين في أربيل.. إبداعات يحاصرها الإهمال وغياب الدعم
ضحى مجيد /
حين نهشت أنياب تنظيم داعش الإرهابي جسد العراق تركت آثاراً ما تزال ماثلة، على الرغم من تحرير المدن من قبضتها. معاهد وكليات الفنون بأجمعها كانت أهدافاً للإرهاب، ما أجبرها على النزوح هي الأخرى إلى المناطق الآمنة تحت إشراف الحكومة.
معهد الفنون الجميلة للنازحين في أربيل حين تشاهده للوهلة الأولى وسط أربيل تشعر بكل ما يعانيه الطلاب وذووهم في مناطق النزوح، أُسس بين عامي 2014 و 2015 بنحو مؤقت من الأموال التي خصصت في حينها للنازحين، لكن هذا التمويل توقف بعد انتهاء الحرب على داعش وتحول الأمر إلى ممثلية وزارة التربية في الإقليم، وفقاً لإدارة المعهد.
المعهد عبارة عن مجموعة كرفانات لا تتوفر على أبسط مقومات الخدمات الدراسية. في الزيارة الأولى للمعهد لم نوفق في الحصول على أي حديث أو تصريح عن الموضوع بسبب إصرار إدارته على ضرورة استحصالنا الموافقات الرسمية. في اليوم التالي، وبعد معاناة الحصول على الموافقات، دخلنا إلى المعهد، وكان واقع الحال يتحدث عن بضعة كرفانات مرتبة على شكل (مربع ناقص ضلع) في ساحة مدرسة ابتدائية تابعة لتربية الإقليم، ومن دون أية خدمات تسرُّ الناظرين، ولم تكن أعداد الطلاب كبيرة والسبب يعود الى امتناع المعهد عن قبول الطلبة الجدد بأمر من وزارة التربية، لكن الأمر اللافت هو وجود عشرات الطلبة من كلا الجنسين في المعهد.
وعند حديثنا مع إدارة المعهد عن ظروف الدراسة والأسباب التي دفعت إلى وجود معهد مختلط للبنين والبنات، أكد مدير المعهد رياض عارف أن الفكرة كانت في الأساس إنشاء معهدين؛ أحدهما للبنين والآخر للبنات، لكن عدم توفر كوادر تدريسية من حملة الشهادات أدى إلى ما نحن عليه، مشيراً إلى أن إدارة المعهد سمحت ببقاء كلا الجنسين في بقعة واحدة مع فرض عزل البنين عن البنات في الصفوف، وتبقى فترة الاستراحة فقط قابلة للاختلاط بين كلا الجنسين. ويؤكد عارف عدم حصول أية مشكلات تتعلق بخدش النسيج الاجتماعي، مشيراً إلى التنسيق مع أولياء الأمور.
يتابع مدير المدرسة أن وزارة التربية، بالتعاون مع الإقليم، استطاعت توفير هذا المكان لاستيعاب الطلبة النازحين إبان الحرب على داعش، لذلك رضينا بالبقاء في الكرفانات من أجل استمرار الدراسة، مشيراً إلى تسلم المعهد مساعدات من الأمم المتحدة أثناء حقبة النزوح، لكنها توقفت بعد انتهاء الحرب وعودة الكثير من العائلات إلى مناطق سكناها، مطالباً بدعم أكبر لإدامة الدراسة في المعهد.
تجولنا في أرجاء باحة المعهد والتقينا رئيسة قسم التصميم مثال الطويل، لتفصح لنا عما في جعبتها من معاناة. تقول الطويل إنها أجبرت على إلغاء مادة النحت الفخاري بسبب الغياب الكامل لمواد العمل التي كانت توفرها الدولة سابقاً. وتشير إلى أن قسم التصميم تم تنظيمه بدعم من الطلبة وذويهم. وجواباً على سؤالنا عن أسباب وجود أعمار كبيرة في السن للطلاب تتراوح ما بين العشرين إلى الخامسة والعشرين عاماً في المعهد، أوضحت أستاذة التصميم أن السبب يعود إلى عدم وجود دراسات مسائية، ما دفع بعض الطلاب إلى المباشرة معنا وفقاً للموافقات، مشيرة إلى أن المعهد يستضيف استضافة مؤقتة طلبة من محافظات صلاح الدين والأنبار ونينوى، ونتيجة لعودة الكثير من العائلات النازحة إلى محافظاتها تقرر عدم قبول طلبة جدد، والاكتفاء بتخريج الطلبة الموجودين، علماً أننا نأمل بالإبقاء على المعهد لوجود عائلات عربية كثيرة مقيمة في الإقليم.
وبعد اعتذار بعض التدريسيين عن الإجابة، توجهنا بالأسئلة إلى الطلبة، وهم الفئة المستفيدة من المعهد. يقول الطالب مصطفى عبد الرحيم: إن أهم مشكلة هي عدم توفر القاعات الدراسية كقاعات الرسم والحاسوب. مشيراً إلى النقص في الكادر التدريسي. ويؤكد مصطفى أن هناك مدرساً واحداً لمادة الحاسوب يدرِّس جميع الأقسام برنامج الفوتوشوب، في حين أننا قسم تصميم، لذلك هذا الأمر ربما يجبرنا على تعلم مادة التصميم بالفوتوشوب بعد التخرج حتى نتمكن من الاستفادة من خبرتنا ودراستنا.
يتابع مصطفى: أن العلاقات بين الطلبة والهيئة التدريسية طيبة، وهناك تعاطف من قبلهم مع أوضاع الطلبة. وعن الواقع الذي فرض نفسه بوجود بنين وبنات داخل المعهد أشار مصطفى إلى حدوث بعض المشكلات، إلا أن إدارة المعهد تمكنت من حلها.
قريباً من مشكلات الطلبة ومعاناتهم أيضاً، تحدثت الطالبة نبأ خيري عن مواجهتها للحرج أثناء الدوام داخل كرفانات وليس بناية مخصصة للمعهد، كما أنها وزميلاتها يتضايقن من عدم توفر حمّامات خاصة بالمعهد. وتؤكد أن المتوفر هي حمّامات المدرسة الابتدائية فقط، وهي مشتركة بين طلبة المعهد وتلاميذ المدرسة الابتدائية في الوقت نفسه، موضحة أن دخول تلاميذ الابتدائية إلى المعهد أحياناً يؤثر في سيرورة دراستنا. وتشير نبأ إلى حاجة المعهد إلى طاولات الرسم وخدمات كثيرة. اللافت للانتباه أن الجميع من أساتذة إلى طلبة اتفقوا على وجود تبرعات مالية للنهوض بواقع المعهد وتلبية احتياجاته، على حد قولهم.
وبهدف الاطلاع على آراء أولياء أمور الطلبة توجهنا إلى لقاء السيدة حنان نوري، والدة إحدى الطالبات، التي أكدت وجود قصور في خدمات المعهد ومنها وجود ثقوب في مسقفات الكرفانات تتساقط منها مياه الأمطار، وتشير إلى أن التبرعات تم الاتفاق عليها كمساهمة من الأهالي لرفع المستوى في المعهد، لكن ما تزال هناك احتياجات كبيرة جداً تفوق مقدرة الأهالي في إيجاد حلول لها، وتؤكد والدة الطالبة أن المعهد بحاجة إلى التفاتة من الجهات المعنيّة لتوفير المستلزمات الأساسية للدراسة.
رغم الظروف الدراسية المتعسرة التي اطلعنا عليها، إلا أن طلبة هذا المعهد يصرون على الاستمرار وتحقيق النجاح، وقد شاهدنا أعمالهم الفنية التي تحمل لمساتهم على جدران الكرفانات في محاولة لإضفاء الجمال على حياد الجدران.