برغم خطورته.. كورونا يجمع العائلة

1٬015

#خليك_بالبيت

رجاء الشجيري /

اقامة جبرية في البيوت، هي حد فاصل بين اختيارك للموت أو الحياة، فيروس كورونا أوقف جميع أعمالنا وتحركاتنا، فخلت المدن والشوارع والمقاهي والمؤسسات والمدارس جميعاً من الصخب والحراك اليومي، الكل يخضع للحظر، شعوب بأكملها تمارس يومياتها وتترقب داخل بيوتها. ولأن الشعب العراقي تحمل في ما مضى كثيراً من الظروف غير الاعتيادية، لذا فقد استقبل الحظر بمرح و”تحشيشات” وقفشات كسرت من رتابة الملل لديه، ورست بموانئ النجاة البيتي ضمن مناشدات “خليك بالبيت”
مجلة الشبكة العراقية استطلعت آراء شخصيات وأناس تمازجت قصص يومياتهم وتحدياتهم للاقامة الجبرية من أجل السلامة بطابع المرح والاستثمار المجدي لدوامة الوقت..

جمعتهم كورونا
أُرغم كورونا الكاتب والشاعر عواد ناصر ان يقبل دعوة للاقامة من زوجته السابقة ليعود إليها من جديد في اجواء رومانسية، يقول: اضطررت بعد إلحاح أم رند، أمل، أن أستجيب لدعوتها وأغادر غرفتي الصغيرة، حيث أقيم، وأنتقل للإقامة معها والبنات، تحت شعار (حشر مع الناس عيد) وتأكدت، ان صداقة المتزوجين أجمل من الزواج، ولا احاول التعميم، لكنها تجربة شخصية، شكراً صديقتي أم رند.
في حين يطلق الروائي سعد سعيد تساؤله واستغرابه حين يقول: ما هذا الكلام عن المشاكل عندما يجلس الرجال في البيت؟! ويضيف :أنا زوجتي راضية عني إلى درجة انها قررت ان تغسل الملابس بنفسها، تخفيفاً عن أعبائي المنزلية”!

مسؤولية المرأة وتعبها
الشاعر علي الغريفي كان له رأيه ويومياته التي بدأها بقوله: أعدّ الحظر مسؤولية شرعية ووطنية، شرعية من حيث حماية النفس والاهل من الضرر، ووطنية حماية مجتمع وشعب قد يتسبب المرض في الفتك به، كما حصل في بعض البلدان الان .. الحظر وفر لي فرصة جيدة لإعادة ترتيب أولوياتي لا سيما مع العائلة وترسيخ بعض القيم الاخلاقية والارشادية، وهذا ينطلق من دوري بوصفي أباً اولاً ثم مثقف وصانع رأي عام ثانياً، الحظر زاد من مساحة القراءة والاطلاع. وأسهم في تحقيق فكرة المساعدة والمشاركة في تحمل بعض المسؤوليات داخل البيت مثل غسل المفروشات او تعقيم المنزل، ووفر فرصة لنستذكر ايام طفولتنا التي تجهلها هذه الاجيال، فلعبنا معهم ألعابنا وحكينا لهم قصصنا، الحظر نبهنا إلى حجم مسؤولية المرأة وتعبها، وأنا شخصيا لاول مرة أطبخ، اما بالنسبة للمرح وبث روح التفاؤل فأعتقد أنها مسؤولية وطنية وواجبة ولاسيما ان التقارير تشير الى ان الخوف يسهم في اضعاف مناعة الجسم لذلك نحاول ان نرسم الابتسامة على وجوه المتابعين والاصدقاء ونلهو معهم ونضحك ونثير فيهم وداخلهم روح التحدي وعدم الركون لمخاطر هذا الفايروس مع مراعاتنا للارشادات الطبية ونشرها بصورة فكاهية.

الفيلسوف الخباز
“صديقي الفيلسوف الخباز ستار في ذمة البيت”
هذا كان تعليق د. حمد الدوخي بعد مشاهدة صورة زميله الاستاذ الجامعي د. ستار عوّاد، على صفحته في الفيسبوك وهو يخبز، وقال لمجلة “الشبكة: ان من نِعم الحظر عليه أنه تعلم كيفية الخبز من “الحجية” واضاف: فرصة الحجر الصحي جعلتنا نعمل في المنزل شعوراً منّا بالواجب لا للتسلية، اذ يعتقد غالبية الرجال اجتماعياً ان واجب ادارة المنزل مسؤولية المرأة في حين ان المسؤولية مشتركة وفيها كسر للهيمنة والاعتقاد السائد والاستعلاء الذكوري. فرصة الحظر قد تنهي هذه العادات وتجعل الاعمال المنزلية مسؤولية مشتركة، استثمرت (العطلة) وتعلمت الكثير من الاكلات وصناعة الخبز، وكانت فرصة ايضاً للقراءة ومشاهدة الافلام، والمعايشة عن قرب مع الاولاد لمعرفة تفاصيل حياتهم ومشاركتهم هواياتهم ومعرفة ما يفكرون فيه ومحاولة تصحيح افكارهم . علينا جميعا ان نستثمر الازمات لصالحنا فهي فترة مراجعة وخلوة مع النفس بعيداً صخب الشارع وهموم العمل.

عظمة الحياة
في حين وجدت الكاتبة والمترجمة رؤيا سعد في الحظر العزلة التي كانت تحتاجها لاكتشاف مدى عظمة الحياة، تقوا: أصبحنا ندرك بشكل اكبر عظمة الحياة وروعة ما اعتدناه فيها أمام هذه المحنة، الشوارع المكتظة بناسها، بسمات الأطفال كل صباح وهم يهمون بالذهاب الى المدارس، المقاهي والمنتديات العامرة بالشعراء والمفكرين، حتى الباعة المتجولون لهم صدى في ذاتنا التي حرمت من كل هذا الجمال اليومي غير الملموس، الا انني لا ابالغ ان قلت كنت احتاج هذه العزلة الاجبارية رغم الألم المحيط بِنَا والأخبار التي تتسارع وحالة الهلع العام التي يثيرها البعض الا اني اتمتع بعزلة تامة تمكنني من مشاهدة أفلامي المفضلة، لكني لا أخفي أني لم أتمكن من تنظيم قراءاتي حتى ولو لكتاب واحد، فالقراءة تحتاج الى تركيز وفكر ثابت وفِي بعض الأحيان اجنح للتأمل الذي من شأنه ان يتيح لي صفاءً ذهنياً لأتمكن من الكتابة او الترجمة.

إكمال التصليحات
الكتبي والناشر فارس الكامل تحدث عن ايامه الاجبارية ايضا قائلا: الحظر ومنع التجوال فرصة ذهبية لإكمال التصليحات المؤجلة في البيت لسنتين ربما، فضلاً عن مشاهدة الافلام النوعية واستكشاف جديد لبعض المخرجين، ولا بد من وقت قصير للقراءة والتنقيب ببعض العناوين المركونة منذ سنوات، التي تم تأجيل قراءتها بسبب زحمة الحياة والعمل، وتخصيص وقت اضافي للفيس بوك، وعلاقة العراقيين مع هذا التطبيق الجميل علاقة حميمة وتراكمية، وابرزت قدرات الافراد في الكتابة الجادة منها والساخرة، ويعدّ الفيسبوك منصة اجتماعية مهمة للتعرف على سايكولوجية الشعوب، والمتابع الجيد لهذا الموقع يستطيع ان يكون فكرة عن الافراد الذين يديرون الصفحات، كل حسب توجهه واهتمامه، وفي هذه الفترة بالذات مع ازمة الكورونا، لم يبخل الناس بتقديم النصائح والنقد الساخر لبعض الممارسات الخاطئة التي تسبب تفاقم الازمة.
مضيفا ان هذه الازمة هي فترة نقاهة اجبارية للتأمل والتصالح مع النفس واعادة الحسابات بقيمة الحياة وتكيف من نوع جديد مع صعوبتها.

حوار مع قطة
اما الشاعرة المهندسة زينب العابدي فكان الحظر مختلفا معها، اذ وصلت بفضله إلى درجات معينة من الحوار مع قطتها: منذ اليوم الأول لحظر التجوال او ما سبقه من أيام مهدت له، وانا أتذكر لحظات تذمري من الاستيقاظ اليومي المبكر للعمل..اشتياقي للعودة لممارسة دوري في الحياة بشكل فعال جعلني أفكر في بدائل أستغل بها وقت فراغي هذا بما هو مفيد، وضعت خطة لقراءة مجموعة من الكتب ومشاهدة مجموعة من الافلام الوثائقية أو حتى التفرغ للطبخ وادارة متراكمات اعمال المنزل بنحو أكثر فعالية، لكن الحقيقة ان كل شيء بدأ بحماس خيالي و وصل الى حالة من البطء الشديد في الانجاز، فالروتين الموحد لا يجعلك شخصاً منتجاً، والشيء الوحيد الذي أتقنتهُ هو اكتشاف لغة حوار عالية مع قطتي التي كانت تشتاق لي بسبب انشغالي عنها، واذا ما استمر الحظر فأظننا سنصل الى لغة مشتركة اما بإتقاني للمواء او إرتقائها للنطق”.

 

النسخة الألكترونية من العدد  356 

“أون لآين -1-”