الكرنتينا.. أصل التسمية وتاريخها

3٬295

#خليك_بالبيت

 علي ناصر الكناني /

ربما لايعرف البعض أنّ تسمية (الكرنتينا) إحدى المناطق الشعبية المعروفة في جانب الرصافة وبالتحديد في باب المعظم، قد جاءت تبعا لموقع أثري قديم كان قبل مايزيد على قرن من الزمان خارج سور بغداد وبواباته المعروفة، حيث دعت الحاجة وقتها إلى أن يكون موقعاًومكاناً للحجر الصحي اتّخذه العثمانيون في أواخر سنواتهم في بغداد وقبل خروجهم منهاعام 1917، كما تشير المعلومات والمصادر التاريخية إلىأنّ تسمية (كرنتينة) أو (كرنتينا) موجودة أيضاً في العديد من دول العالم الغربي والعربي ومنها ايطاليا وفرنسا ومصر وبيروت ودمشق إلى جانب بغداد، وذلك كان بحلول القرن التاسع عشر الميلادي يوم كانت العديد من المدن الكبرى في أوروبا والولايات المتحدة تعتمد أسلوب الحجر الصحي والعزل للأشخاص المشتبه بهم أو المصابين بالأوبئة والأمراض المعدية بإرسالهم إلى الجزر النائية أو الأماكن البعيدة عن المدن، وقبل قرون طويلة اتّخذت السلطات المسؤولة في البندقية الايطالية قراراً بمنع ركاب السفن وبحارتها من الوصول إلى الشواطئ الا بعد عزلهم لمدة أربعين يوما للتأكد من سلامتهم من الأمراض لا سيما من وباء الموت الأسود (الطاعون)،إذ إنّ مفردة كرنتينا هي بالأصل إيطاليّة ودخلت إلى البلاد العربية من العثمانية (قرانتينة) بينما راح البعض يطلق عليها تسمية (تحفظخانة) كما في منطقة الخليل في فلسطين.
حرب يستذكر لمحات من تاريخ كرنتينا
من أجل معرفة المزيد من التفاصيل عن هذا الشاهد والموقع التاريخي المهم اتّصلت بالكاتب والمؤرخ المحامي طارق حرب الذي ذكر لنا أنّ الكرنتينا كانت تقع ضمن مساحة حديقة النجيبية التي أسّسها الوالي العثماني محمد نجيب باشا في بدايات القرن الماضي وتقع ضمنها أيضا حديقة المجيدية التي كان موقعها في المكان الذي شُيِّدتْ فيه بناية مدينة الطب حالياً.
مشيرا إلىأنَّه كانت هناك مقبرتان، واحدة منها كانت للانكليز وموقعها مقابل السفارة التركية حاليا ومن أشهر المدفونين فيها الجنرال البريطاني ستانلي مود،أمّا المقبرة الثانية فقد خُصِّصتْ للأتراك وتقع بالقرب من مدينة الطب حالياً. لافتا إلىضرورة الاهتمام بهذا الموقع التاريخي كونه وسيلة تُذكِّر بالحفاظ على صحة أهالي بغداد من الأمراض والأوبئة يوم لم يكن فيها سوى طبيبين؛أحدهما أرمني والآخر إيراني،إذ كان الأهالي يعتمدون في علاجهما على طب الأعشاب.
ويذكر المؤرخ طارق حرب أنّ المكان ونقصد به موقع كرنتينا قد استخدم في ثلاثينيات القرن الماضي كمقر للفرقة الخامسة التي كان قائدها يومذاك رئيس الجمهورية الأسبق عبد الرحمن محمد عارف.
سكنها فنانون ورياضيون وضباط في الجيش العراقي
قبل أيام من فرض حظرالتجوال في بغداد،وبعد أن دقّ وباء فايروس كورونا ناقوس الخطر ليس في العراق فحسب بل في معظم دول العالم، كنت قد التقيتْ خلال جولة قمت بها في منطقة الكرنتينا بأحد سكنتها القدامى ومن المهتمين بتاريخها وتوثيق أحداثها وشخصياتها وهو السيد ناطق حميد(ولد عام 1950)، يمتد تاريخ حميد مع الكرنتينا أبعد من سنة ولادته، فقد عاش فيها والده في ثلاثينيات القرن الماضي عندما كان ضابطا في الجيش العراقي يومذاك.
استذكرنا معا جوانب وشواهد أخرى مرّتْ به وعاشها في منطقته الكرنتينا التي كما يقول إنّ سكنتها وناسها نموذج رائع للمجتمع البغدادي المتآلف والمتراحم بين ناسه وساكنيه من دون تمييز، وأغلب هذه العوائل كانت قد نزحت من مناطق مختلفة من بغداد يوم لم تكن المدينة سوى أرض زراعية مفتوحة تخترقها سكّة قطار شرقي بغداد، المنطقة كما يقول حميدومثلما هو متعارف استمدّتْ تسميتها من موقع الحجر الصحي القديم والقريب منها وأعني به الكرنتينا،لكنللأسف لم تبقَ منه سوى بوابته المتهدمة التي هي الأخرى آيلة للسقوط بسبب الإهمال، على الرغم من أن عرض سياج الموقع يتجاوز حجمه نصف المتر، ويمضي حميد في حديث الاستذكارمسترسلاً ليردّ على تساؤلنا عمّن كان من يسكنها من الشخصيات المعروفة في مختلف المجالات الفنية والاجتماعية والرياضية بقوله: كان من بين سكنتها الأوائل محمود رامز وهو من الشخصيات العسكرية، كان أحد الضباط في الجيش العثماني قبل حلّه وسكنها كذلك المطرب ناظم الغزالي في بيت امرأة تدعى صديقة أم طه، كان الغزالي آنذاك في بداية حياته الفنية وكذلك ابن عمتي الملحن المعروف خزعل مهدي ومن الرياضيين سكنها حارس مرمى القوة الجوية حامد فوزي، الذي كان يسمّى بحامد جمل لطول قامته ولكنّه تحوّل للأسف في أواخر حياته إلى بائع شاي في منطقة الفضل، أُهمِل فوزي من لدن الحكومات السابقة ولم ترعه حق رعايته حتى وفاته.

النسخة الألكترونية من العدد 357

“أون لآين -2-”