الديوان الإسبرطي.. التاريخ يحضر من بوّابة الأدب
#خليك_بالبيت
علاء حميد /
أعاد فوز رواية “الديوان الإسبرطي” أهمية العلاقة بين التاريخ والأدب، فهذه العلاقة تعبِّر عن قدرة الأدب على تحويل الأحداث التاريخية إلى مصدر لكتابة الأدب.
وهنا يصبح الأدب نافذة متاحة لكل من يطالعه لكي يطّلع على ما جرى وحدث في تاريخ المجتمعات والدول، فما يكتب في التاريخ هو للمتخصصين والباحثين لاهتمامهم بشكل محدد ومعين من الكتابة، لكن السؤال الراهن: لماذا تنجح الرواية التي تعطي مساحة واسعة من نصِّها للتاريخ؟
في حديث للروائي الجزائري الفائز عبد الوهاب عيساوي يصف فيه الرواية التي تعنى بالجانب التاريخي: “الرواية التاريخية لا تعيد بناء الحكاية من أجل الحكاية ذاتها، وإنما هدفها الأساس هو البحث عن الأسئلة الراهنة التي نعيشها اليوم داخل فضاءاتها الأولى التي ظهرت فيها أولاً.”
وكأن عيساوي يكشف عن معضلة تواجه المجتمعات العربية تمكّن في فهم تاريخها وكيف وصل بها الحال إلى هذا الوضع، ربما ما يقدمه الأدب هو في الأصل رؤية غير رسمية ولا تصدر من جهة محددة يمكن أن تتحمل مسؤولية ما دار في تاريخ هذه البلدان من أزمات ونكسات، فحين نطّلع على نموذج أدبي مشابه لرواية “الديوان الإسبرطي” في ما كتبه الروائي اللبناني ربيع جابر في “دورز بلغراد وقصة حنا يعقوب” التي فازت بجائزة البوكر عام 2012، إذ يعالج فيها أزمة الاختلاف والتنوع الاجتماعي في لبنان إبان الوجود العثماني ليلتقط شخصية حنا يعقوب، الرجل البسيط الذي يوفر قوت عياله من بيع البيض في ميناء بيروت للجنود، ثم تأخذه تقلبات الحياة فيكون تكملة عدد لمن اعتقلته السلطات نتيجة للصراع المحلي بين الطوائف، وهو في كل هذا ليس له شأن بذلك الصراع وما يدور فيه.
في رواية الديوان الإسبرطي نجد خمس شخصيات لها حيواتها الخاصة المتشابكة مع اليومي، وهذا كلّه ما بين 1815 و1833، التنوع الموجود في الشخصيات يشير إلى مصادر ما جرى في تلك المرحلة التاريخية، فهناك الصحفي الذي حضر إلى الجزائر مع الحملة العسكرية عليها، وكافيار، الجندي الذي عمل في جيش نابليون ووقع في الأسر بالجزائر، ليكون بعد ذلك مساهماً في الحملة التي احتلت فيها فرنسا الجزائر.
تقدم رواية عبد الوهاب عيساوي تشابكاً بين وجودين تتباين بينهما صفتا الاحتلال والوجود وهما “الوجود العثماني والوجود الفرنسي”، ولهذا بقية الشخصيات تختلف مواقفها من الوجود العثماني وطريقة التعامل مع الفرنسيين، منهم “ابن ميار” الذي يرى في السياسة وسيلة لتكوين علاقات مع العثمانيين، وحتى الفرنسيين، لكن في هذا الأمر نجد اختلافاً معه من “لحمة السلاوي” الذي يرى في الثورة وسيلة وحيدة للتغيير والخلاص من الوضع القائم، ولا يغيب عند عيساوي صوت المرأة لكي تكون شاهدة تاريخية على طبيعة المرحلة وما يجري فيها، إذ هناك “دوجة”، وهي امرأة معلقة بين اختلاف بقية الشخصيات، إذ تجد حالها عاجزة عن التأثير في ما يدور حولها من أحداث وتحولات وكأنها تعبِّر عن حتمية في سيرورة ما يجري من أحداث ولهذا فهي غير مخيَّرة إلا بالقبول بهذا كلّه أو الرحيل.
بالعودة إلى الأصوات الخمسة للشخصيات نجد أن هناك الصحفي، والجندي الأجنبي، والسياسي، والثوري، والمرأة الفاقدة للدور والتأثير،.. المخلتف عن هذه الشخصيات هو الجندي الأجنبي، ولعله يشير إلى الاستعمار والغرب بنحو مبسط. ربما يحيلنا هذا التنوع إلى سؤال: لماذا اختار عيساوي هؤلاء بالذات دون غيرهم من الشخصيات الاجتماعية التي يزخر بها المجتمع الجزائري؟ قد نجد تفسير ذلك في خيارات عبد الوهاب عيساوي لمواضيع الأعمال التي كتبها، نلاحظ حضور العامل الخارجي بما هو غربي وتاريخي واستعماري، إذ عمل عيساوي الأول “سينما جاكوب” التي فازت بجائزة الدولة في الجزائر عام 2012، ثم جاء عمله الثاني رواية “سييرا دي مويرتي”، وشخوص هذه الرواية من الشيوعيين الإسبان الذين خسروا الحرب الأهلية الإسبانية، ثم اعتقلوا ورُحلوا إلى معتقلات في شمال إفريقيا، كما أخذت روايته “الدوائر والأبواب” الصادرة عام 2017 جائزة سعاد الصباح للرواية، وفي العام نفسه حصلت روايته “سفر أعمال المنسيين” على جائزة “كتارا” للرواية غير المنشورة.
وكان اختيار رواية “الديوان الإسبرطي” من لجنة البوكر العربي التي ترأسها الدكتور محسن الموسوي، الناقد العراقي أستاذ الدراسات العربية والمقارنة في جامعة كولومبيا بمدينة نيويورك، إذ قال عن هذه الرواية “إنها تتميز بجودة أسلوبية عالية، وتعددية صوتية تتيح للقارئ أن يتمعن في تاريخ احتلال الجزائر روائياً، عبر تاريخ صراعات منطقة المتوسط بأكملها، كل ذلك برؤى متقاطعة ومصالح متباينة تجسدها الشخصيات الروائية.”