الطرشي البغدادي يتصدّر موائد إفطار الصائمين

1٬197

#خليك_بالبيت

علي ناصر الكناني /

تعدّ صناعة المخللات، الطرشي، من المهن القديمة التي عرفها البغداديون واشتهروا بها وكانت بعض البيوتات والحوانيت المنتشرة في أزقتها ومحلاتها القديمة تقوم بصناعته من خلال وضع بعض الخضراوات والفواكه في الماء والملح لأيام معدودة ثم يتمّ نقلها إلى الخل والثوم ليلذ تناولها لا سيما في وجبات الغداء الدسمة كالأسماك والدجاج والمشويات الأخرى، وفي أيام شهر رمضان المبارك، قلّما تخلو المائدة الرمضانية منه.
الفنان سميرالقاضي طرشجي
قبل سنوات طوال التقيت مصادفة الفنان الراحل سمير القاضي الذي عرفناه من خلال أدواره الكوميدية المنوّعة في العديد من الأعمال التمثيلية والمسلسلات التلفزيونية في أواسط ستينيات وسبعينيات القرن الماضي التي من بينها مسلسل “تحت موس الحلاق” مع الفنانين سليم البصري وحمودي الحارثي. ومسلسل “أبو البلاوي” و”غاوي مشاكل” و”جحا” مع الفنان خليل الرفاعي وغيرها من الأعمال التلفزيونية المتميزة والمحبّبة لدى المشاهد. التقيته بعد غيابه عن التمثيل ليفتتح له محلا لبيع المخللات “الطرشي” في منطقة المنصور تحت مسمّى “سمسم” ليكون هذا المكان الذي اهتم بديكور واجهته على غرار محل أشهر بائع طرشي في كرخ بغداد أيام زمان “حنانش” أشبه بملتقى ثقافي وفني لأصدقاء ومحبي القاضي.
الطائي طرشجي أباً عن جد
في مدينة الحرية اتّخذ الحاج لطيف الطائي الذي توارث المهنة عن والده وجده محلاً له لعمل وبيع الطرشي وعلى الطريقة البغدادية أيام زمان، مما أكسبه خبرة متراكمة في هذه المهنة ويضيف ان عمله هذا تجاوز نصف القرن من الزمن ليتعلّم أسرارها وخفاياها وليوّرثها بدوره إلى أولاده،وعن الأسلوب الذي كان يتبعه الباعة القدماء للبيع الطرشي الذي يصنعونه في بيوتهم قال: انهم كانوا يدورون به وهم يحملونه على رؤوسهم بإناء خزفي كبير يسمّى (السد) بين المحلات والأزقة والأسواق لبيعه على الناس مقابل أثمان زهيدة قياساً إلى وقتنا الحاضر. ويستطرد في حديثه وهو يروي لنا بعض العادات المتّبعة سابقاً من قبل أرباب هذه المهنة، لا سيما خلال شهر رمضان إذ يقول: كان من عادة والدي وجدي حين يهل هلال شهر رمضان المبارك أن يستأجرا أحد المطاعم أو المقاهي في منطقة سكننا وهي (الجعيفر) في الكرخ، لأنّ تلك المطاعم تكون مقفلة طيلة شهر كامل فتستخدم من قبلهما لعمل وبيع الطرشي للصائمين.
حنانش أشهر الباعة
وعن أشهر باعة الطرشي القدماء يقول الطائي: لقد كان من بين من اشتهر بهذه المهنة في منطقة الجعيفر في الكرخ الطرشجي (حنانش) الذي يعدّ من أقدم وأشهر من عملوا في هذه المهنة. وكذلك الحاج محمد صالح الملقب أبو نوري الطائي والحاج باقر ترك والحاج عباس في منطقة الكاظمية.
* وهل هناك من بين هؤلاء من عمل في هذه الحرفة من النساء؟
– نعم، كانت هناك من النساء اللائي تميّزن بجودة عملهن في هذا المجال امرأة من بيت “طكة” في الكاظمية، كما ان هناك طرشجية آخرين كالمرحوم الحاج عبد علي السلامي والحاج مهدي الطرشجي والحاج ذيب الطرشجي في منطقة الأعظمية.
* وماذا عن الأسعار أيام زمان والجودة في صناعة الطرشي..؟
– إنّ الجودة في الطرشي تعتمد على الخبرة والباع الطويل في هذه المهنة فضلاً عن طبيعة النفس التي تقف وراء صناعته وعمله. أما الأسعار فكنّا نبيع (البستوكة) المصنوعة من الخزف وتتّسع لثلاثة كيلوغرامات تقريباً بسعر دينار واحد، ويعدّ الطرشي العراقي من ألذّ وأجود أنواع الطرشي في المنطقة.
وتتميز كل محافظة بنكهة الطرشي الخاصة بها وهناك من يشتريه ليأخذه معه من محافظة الى أخرى ويقدّمه هدية (صوغة) وحتى أن البعض يأخذونه معهم إلى الخارج، للغرض المذكور نفسه..!! إلى جانب أنّ الكثير من الناس في تلك البلدان لا يلذّ لهم تناول الطرشي المصنوع في بلدانهم إلا بعد خلطه مع الطرشي والخل العراقي. لافتا إلى أنّ سرّ المهنة في هذا العمل هو الإخلاص الذي يقف وراء نجاح وشهرة بائع الطرشي، أمّا من يغش في صناعته باستخدام مواد غير جيدة في عملية تصنيع الطرشي فهو خاسر لا محالة لسمعته ولزبائنه.
المخللات لعلاج كورونا !!
وهنا سألت الطائي عن علاقة المخللات بعلاج بعض الأمراض وبالإمكان استخدامها للوقاية منها…فأجاب على الفور، نعم بالتأكيد ومنها وباء كورونا وذلك باستخدام خل التفاح والماء والملح كغرغرة إلى جانب استخدامه في علاج المسالك البولية وتعقيم اليدين واللحوم لا سيما لحم الدجاج. لافتا إلى أن المخللات المستوردة لا نبيعها مباشرة الا بعد إضافة الخل والثوم العراقيين والمواد الأخرى بما يلائم ويناسب أذواق الزبائن .
ومن الخضراوات المستخدمة في هذه الصناعة، الخيار بنوعيه؛ الماء والقثاء والباذنجان والشوندر والشلغم والجزر وغيرها إلى جانب استخدام بعض الفواكه الصلبة كالتفاح والكوجة والليمون والزيتون بأنواعه.