كلمات في التربية

1٬139

جمعة اللامي /

(حاجة الشعب الأولى،

بعد الرغيف،

هي التربية والتعليم)

(دانتون)

ساد في البلدان العربية، لاسيما في العقود الأخيرة، عنوان ثقافي عريض مفاده: “دعونا نتعلم ما يمور به العالم”. وهذا قول حسن، غير أنه يتحول الى كارثة إذا لم نضعه في سياق ثقافتنا الوطنية. وأصحاب هذا الرأي يتحدثون عن القمة، لكنهم ينسون السفح والوادي. هؤلاء هم تماماً الذين عناهم الكاتب اللبناني مارون عبود، حين قال:» نُعَلم كثيراً، ونُرَبِّي قليلاً». حسناً أيها السادة، دعونا نكون في القمة دوماً، ولكن لنتذكر، أيضاً ودوماً، وادينا وسفحنا. ودعونا نذهب الى أعرق جامعات العالم، فنأخذ من العلم ما نشاء، وندخل في صميم مناهج “الآخر” التربوية ونختار منها ما نريد، ولكن دعونا نبقى مع ثوابت ثقافتنا الوطنية.

يقول حكيم هندي: عندما يكون الأولاد صغاراً، زوّدهم بجذور عميقة، فإذا كبروا امنحهم أجنحة طليقة.

هذه هي الفلسفة التربوية الحقيقية التي تجعلنا في قلب العالم، وحركته، وتحولاته. وفي الآن ذاته تمنحنا فرصة أن نكون ذواتنا في فكرنا، وفعلنا: أي في ثقافتنا.

يحاول بعضنا أن يجعل من ابنه “شخصاً آخر”، عندما يعتقد أنه بمجرد أن يبعث به الى جامعة أوروبية، أو مدرسة غير وطنية، هذا صحيح. غير أنه “آخر” فعلاً لأنه سيصبح مثل ذلك “الغراب” الذي نضرب به المثل. فعندما يكون ابني “شخصاً آخر”، ليس هو المطلوب، إذ إنه سيكون “آخر” لأن رأسه جرى تَرْسُهُ بالمعلومات بطريقة ميكانيكية، وفي الوقت ذاته، قلنا له: أنتَ بلا روح.

شخص واحد يكفي. لكنه شخص بمستوى شعب بكامله أو أمة بكاملها، بالثقافة والتراث الشعبي، والعمق الروحي. هذه هي التربية الحقيقية، لأنها أفضل طريقة في استخدام العقل، ولأنها الوسيلة القصوى، أو الطاقة القصوى كما يعبر أحد التربويين، لصقل الأمور الاجتماعية وتنظيمها.
نعم، قِفْ على أرضك، مستخدماً قدميك، وثقل جسمك كله، وثقل ثقافتك الوطنية، فهذا هو طريقك الى العالمية، لأنك مددت جذور التربية في العمق، وفزت بثمار لذيذة، حسب أرسطو.

ليس الحجر المتعالي هو التربية، بل إن انتخاب طرق الثقافة التربوية من فلسفتنا، أهم من انتخاب شكل الحكومات، كما يقول أحد الكتّاب.