نتقاسم النفس
#خليك_بالبيت
نرمين المفتي /
في كلّ أزمة يواجهها العراق، يؤكد الشعب بغالبيته أنّ انتماءه اليه فوق أي انتماء آخر، علينا دائماً أن لا ننسى أبداً أنّ العراقي البسيط غير المسيَّس أوقف بدمه الطاهر الحرب الطائفية التي أرادوها بعيدة المدى وهو العراقي نفسه الذي يرفض المحاصصة المقيتة وهو نفسه الذي اكتشف زيف شعارات ووعود من استغله لسنوات بذريعة الدفاع عنه أو عن مظلوميته ورجع إلى انتمائه العراقي.
عنوان المقال هو هاشتاغ (#نتقاسم_النفس) الذي أطلقه ناشطون يوم ٢٤ تموز بعد أن تبرّعت دائرة صحة الأنبار بـ ٥٠٠ قنينة أوكسجين للنجف الأشرف، ومن بين التعليقات على المنشور الذي كتبته في صفحتي على الفيسبوك، كان تعليق الفنان ملاذ اسماعيل، من الفلوجة الذي كتب “ماكو فرق أهل النجف دافعوا مع اخوتهم عن الأنبار وأعادوها لنا وهذا رد جميل وبسيط”.
وتعليق أسيل حامد “فتحت عيني في منطقة شعبية بنص بغداد بالشواكة، الجدّة الي تولد مسيحية وبكيفها تسمّي الأطفال مرات، واتذكّر إلى الآن فد يوم الصبح نريد نروح لسامراء وسيد محمد دقت علينا الباب أم حامد الصابئية وبيدها نذر وقالت لأمي أريد تاخذين هذا معك لسيد محمد لأن مريضة وما أقدر أروح اليوم، وأمي اذا تضايقت تروح للكاظم وبعدين تروح لشيخ عبد القادر، ومن انتقلنا للدورة صار التنوع أكثر، جيرانه أم كوركيس تقول من أسمع عبد الباسط يقرا قرآن ابكي، وهكذا عمرنا ماعرفنا أنت شنو ومن يا مذهب ومن يا دين، ليش هسة ؟؟”.
(ليش هسة؟) جملة لن تستمر طويلا، وبدأت تتراجع أمام إصرار العراقيين منذ أن بدأت معارك التحرير بعملية (قادمون يا نينوى).. وأثناء عملي كرئيسة تحرير مجلة الشبكة العراقية؛ افتخر بسلسلة (نحن العراق) التي قرّرتُ نشر مواد على مدى أسابيع عن التّنوُّع العراقي، الذي منح العراق على مرّ تاريخه وحضاراته ثقافته المميزة وبدأناه بكلمة العدد التي كتبتها بعنوان (التّنوُّع قوة) في ١٠ تموز ٢٠١٨، واسمحوا لي بإعادة نشر فقرة منها وهي “حين قرّرنا أن نفتح ملف (نحن العراق) في مجلة (الشبكة العراقية)، فإنّنا سنسلط الضوء على التّنوُّع الثقافي (الإثني والديني والمذهبي) في العراق، ونحاول أن نعمل معاً لأجل أن يتم التوقّف باستخدام مصطلح (مكوّنات) الذي تسبّب في خلق هوّة بين العراقيين، الذي حوّلهم إلى تجمعات أظهرت انتماءها إلى (المكوّن) قبل الانتماء إلى العراق، ما خلق هذه الفوضى والمشاكل التي يمرّ بها العراق، وكان أساساً للمحاصصة المقيتة التي وضعت، غالباً وليس مطلقاً، الرجل غير المناسب في المكان غير المناسب، ما خلق هذه المرّة كلّ هذه الفوضى الإدارية والبطالة المقنّعة التي أتخمت الدوائر بموظفين يستنزفون ميزانية الدولة التشغيلية دون أي إنتاج ملموس. باختصار، فإنّ مصطلح (مكوّنات أو مكوّن) يضعف المجتمع، أي مجتمع، بينما مصطلح (التّنوُّع) يمنحه ثراءً”.
نحن العراق، بتنوُّعنا الاثني والديني والمذهبي، بهذا التّنوُّع دافعنا وندافع عن العراق الذي يملك تراباً مثل الذهب بقيمته المعنوية وأغلى من الذهب بما يضمّه من ثروات، وكنّا وسنستمر نتقاسم اللقمة والنفس والحلم والأمنية والماضي واليوم والغد، الغد الذي نريده آمناً وثرياً ومرفّهاً لأجيالنا القادمة وأن نحميهم مما مررنا به وواجهناه.