عاشوراء في الإقليم.. مجالس عزاء نسائية ورجالية
#خليك_بالبيت
ضحى مجيد سعيد /
الطقوس والشعائر الحسينية في العراق تتباين من محافظة إلى أخرى، لكن، في جميع الأحوال فإن واقعة الطف تحولت لدى الجميع إلى سراج ينير درب الحرية. فبغض النظر عن اختلاف العقائد الدينية والمذاهب، يتوحد غالبية المسلمين في إحياء ذكرى استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام).
وعلى الرغم من وجود تفاوت في طقوس إحياء هذه المناسبة بين المحافظات، إلا أن واقعة الطف تحولت بذلك إلى نقطة التقاء ووحدة في أغلب الأحيان بين أطياف المجتمع، إذ يتفق الجميع على مظلومية سيد شهداء أهل الجنة.
تباين الطقوس
في إقليم كردستان، شمال العراق، تبدأ مراسم إحياء الشعائر الحسينية منذ الأول من شهر محرم الحرام وتستمر لغاية الأربعين. لا شك في أن الفعاليات والطقوس تختلف عما هي عليه في محافظات الوسط والجنوب العراقي، لكن الطقوس العاشورائية حاضرة في مناطق محددة بالتنسيق مع السلطات المحلية في محافظة أربيل.
ولتسليط الضوء أكثر على الشعائر الحسينية في أربيل التقينا السيد (سعد أحمد الأعرجي) ممثل المرجعية الدينية في إقليم كردستان والموصل الذي اوضح: أن بدايات إقامة المجالس المحلية في الاقليم تعود إلى العام 2005 ويشير إلى أنه نظراً لعدم وجود مكان مخصص لإقامة هذه الشعائر تم التنسيق بين المجلس الإسلامي الأعلى ومؤسسة شهيد المحراب ولاحقاً مع وزارة الأوقاف في الإقليم لتخصيص مكان لإحياء مراسم عاشوراء. وما تزال الإجراءات على حالها منذ ذلك الوقت. يشير الأعرجي إلى وجود اختلاف في إقامة مثل هذه المراسم في أربيل أو إقليم كردستان عن بقية المحافظات كوننا نراعي دائماً خصوصيات كل منطقة وكل محافظة، مؤكداً أن الهدف من إقامة هذه المناسبات هو التعريف بأهل البيت (عليهم السلام) وبيان أننا جميعاً مسلمون على منهج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فليس هناك فرق بين ملّة وأخرى أو بين مذهب وآخر.
قاعات من دار الحج
إن ما نود بيانه من خلال المناسبات هو أن علينا أن نعيش إخوة متحابين على دين واحد وإن اختلفت مذاهبنا، على حد وصف الاعرجي، موضحاً عدم وجود أية مضايقات من أية جهة. وبفضل الله تعالى، نحن نقيم هذه المراسم برعاية حكومة إقليم كردستان، وهي تهيئ لنا مكان إقامة المراسم، ولاسيما في مجالس عزاء عاشوراء ولمدة عشر ليالٍ، إذ تقوم وزارة الأوقاف بمنحنا قاعات دائرة الحج والعمرة على طريق ١٠٠ متر لإقامة المجالس فيها بحماية من الأسايش (قوات الأمن) في أربيل، بالإضافة إلى منح موافقات بإقامة الندوات والمؤتمرات.
وفي سؤال عن أهم النشاطات المقامة خلال مراسم عاشوراء في الإقليم يجيب الأعرجي إن أهم الفعاليات والأنشطة لإحياء الذكرى تتمثل بإقامة المجالس الحسينية والندوات. مشيراً إلى أنه لا توجد هناك مواكب (مشّاية) من أربيل إلى كربلاء، لكن هناك مواكب حسينية تخرج من أربيل إلى كربلاء عن طريق السيارات الكبيرة، ويتم تنظيم ذلك مع الأمن (الأسايش) والجهات المسؤولة من أجل تسهيل مهمة السفر ذهاباً وإياباً. وهناك تقوم هذه المواكب بالمسير من النجف إلى كربلاء حسب الوقت المحدد والمنظم له.
تبرعات خير داعمة للمجالس
في سؤال عن أعداد الحاضرين في المجالس العاشورائية يقول الأعرجي إن الأعداد تختلف من سنة إلى أخرى، موضحاً أن الأعداد كانت كبيرة خلال سنوات تواجد النازحين من أهالي تلعفر وسهل نينوى، لكن بعد تحرير مناطقهم وعودة غالبية الأسر إلى مناطق سكناها قلَّ الحضور، لكن ومع ذلك لا تزال الأعداد جيدة، أما في هذا العام، وبسبب جائحة كورونا وبناء على توجيهات حكومة إقليم كردستان، لم تكن هناك مراسم كما كانت في السابق، وأقمنا مجلسين على مدار ليلتين فقط بحضور ليس بالكبير مع مراعاة الجوانب الصحية.
وفي سؤالنا عن مصادر الدعم لإقامة مراسم عاشوراء في أربيل أوضح ممثل المرجعية في الإقليم أن الدعم المالي، على الأعم الأغلب، كما هو الحال في أغلب المناطق يعتمد على تبرعات الخيّرين الذين يسعون لأجل الحصول على الثواب، وهذا هو ديدن كل المسلمين، وليس الشيعة فقط، إذ أن العمل الخيري هو الداعم الأساسي لأي عمل إسلامي يخدم المجتمع، ومناسبة عاشوراء تعني لنا ولكل المسلمين، بل لكل أحرار العالم، ثورة ضد الظلم والطغيان لنيل الحرية والكرامة وتحقيق العدالة والسلام والسلم المجتمعي.
رسالة ضد الطغاة
ومن أجل معلومات أكثر عن إحياء الشعائر الحسينية في أربيل التقينا الحاج (كاروان بابان) رئيس هيئة المواكب الحسينية في أربيل والبالغ من العمر 51 سنة، وهو كردي من محافظة السليمانية. يقول بابان إنه وبدون أدنى شك فإن حرارة دماء المؤمنين تتوق لاستقبال شهر محرم الحرام إذ تجري للمراسم استعدادات مسبقه. وفي سؤالنا عن أهمية إحياء الشعائر الحسينية ورمزية عاشوراء أوضح بابان أن هذه الشعائر تدخل ضمن الجانب العقائدي، وفي هذه الفترة يتجدد الأسى والحزن على ما جرى لسيد شهداء شباب أهل الجنه الإمام الحسين وأهل بيته وسبي النساء والأطفال وكل الأحداث المؤلمه التي أصابت أهل البيت، مؤكداً أن إحياء الشعائر الحسينية بمثابة رساله ضد الظالمين والطغاه وتأكيد انتصار الدم على السيف في أقصر معركه شهدها التاريخ، مؤكداً أن عدداً كبيراً من جميع المكونات الدينيه في أربيل يشاركون في هذه الشعائر، وهناك تفاعل إيجابي من قبل الجميع.
قراءة المقتل الحسيني
ومن أجل التعرف أكثر على واقع الطقوس العاشورائية التقينا الأخ (علاء الطائي)، أحد القائمين على المواكب الحسينية في أربيل وبادرناه بسؤالنا عن مدة المجلس الحسيني. يقول علاء إن ذلك يستمر عادة من ساعتين إلى ثلاث ساعات بدءاً من الساعة السابعة إلى العاشرة مساء، لكن في ليلة العاشر من محرم يتم تمديد الوقت حتى الواحده بعد منتصف الليل، وفي الصباح أيضاً بعد انتهاء مسيرة قصيرة تتم فيها قراءة المقتل الحسيني والسيرة لفاجعة أهل البيت (عليهم السلام)، مشيراً إلى أن المجالس لا تقتصر على الرجال فقط، بل أن هناك أيضاً مجالس نسائية تقام في أربيل في بعض المنازل والمجالس مخصصه فقط للنساء، ولا توجد أعداد دقيقة للحاضرات، لكن المتوقع أنها لا تقل عدداً عن الرجال، مشيراً إلى وجود مجالس تقام في أربيل بلغات مختلفة مثل الكردية والشبكية والتركمانية، وهناك حضور لمختلف القوميات والأديان إلى هذه المجالس الحسينية لكن بنسب متفاوتة.
القيمة والهريسة
وفي ما يتعلق بالطقوس الأخرى المتعلقة بطهو الطعام وتوزيعه، يقول الطائي إن هناك شعائر أخرى موجوده في إحياء قضيه الإمام الحسين (عليه السلام) تتمثل بالطبخ وتوزيع الأطعمة (التمن والقيمة والهريسة) مجاناً على الناس وعلى المحبين، وهذه الشعائر قديمة وموجودة في أربيل وتقام بانسيابية عالية من قبل أصحاب المواكب الحسينية ومن محبي أهل البيت (عليهم السلام).
وبعيداً عن الطقوس الحسينية خلال شهر محرم الحرام، قريباً من روحانية أيام عاشوراء وما تمثله من معنى ضد الظلم والاضطهاد، فإن التنوع المذهبي والديني والقومي ينصهر أمام مبادئ ثورة الحسين الخالدة، التي انتصر فيها الدم على السيف والحق على الباطل.