العام الدراسي الجديد بين الالكتروني والتفاعلي داخل الصفوف
علي غني /
أكثر ما يبكي الطفلة نيران هو اشتياقها للمدرسة التي اختارتها والدتها لها والقريبة من محل سكناها، رغم سنّها الصغيرة، لكنّها بقيت تحفظ كلمات المديرة، وهي تدوّن اسمها في سجل القبول لتقول لها يا حلوة ما اسمك؟ وهل ستكونين الأولى على الصف؟ فأجابتها ببراءة الاطفال (أنا شاطرة وأبوية يدرّسني بالبيت قبل دوام المدرسة)، فقبلتها المديرة وقالت: (عفية بالشطورة).
قلق أولياء الامور
بين لهفة هذه الطفلة الصغيرة لدخول المدرسة وقلق الاهالي ودعنا العام الدراسي الماضي الذي كان ثقيلا بمعنى الكلمة وتعثّر الدوام بسبب التظاهرات وكورونا والحسرات وقلق أولياء أمور الطلبة والتلاميذ لمواصلة كورونا تفشيها وعدم رضاهم عن الحلول التي سيكون عليها العام الدراسي الجديد، لنبدأ عاما دراسياً جديداً لم تعلن الوزارة عن موعد بدايته، وسيتم النظر بذلك بعد “انتهاء الزيارة الأربعينية بـ14 يوما” لمعرفة الموقف الوبائي الخاص بكورونا.
كل الاحتمالات
المسؤولون في وزارة التربية قلوبهم مع الدوام، حتى لو استمرت كورونا، وعيونهم تترقب الأيام عن شكل الدوام جزئيا أو تاما، ورؤياهم تكمن في يومين لكل مرحلة في الاسبوع، وهناك نية لإلغاء عطلة السبت، يتزامن ذلك مع تقليص المواد الدراسية، ويحدّدها أصحاب الاختصاص، مع الأخذ بنظر الاعتبار ألا يتجاوز عدد التلاميذ او الطلبة في الصف الواحد 15 طالبا أو تلميذا، وهذا الأمر ينطبق على المدارس الأهلية أيضا، بينما اتفقوا على أنَّ آلية تطبيق المنصة الالكترونية صعب لأنّها تحتاج إلى شبكة انترنت قوية وحواسيب او أجهزة الكترونية ذكية للجميع من أجل إيصال المعلومات للطلبة، ووصفوها بأنَّها عملية شبه مستحيلة.
نقابة المعلمين
نقابة المعلمين دخلت على خط التصورات للعام الدراسي 2020-2021، مع افتراض أنّ الجائحة مستمرة، فهي اقترحت على وزارة التربية أن يكون دوام تلاميذ الصف الأول، الثاني، الثالث الابتدائي مع الصفوف المنتهية في المدرسة، من دون أن يحدّد عدد الأيام، بينما تطبق الدراسة عن بعد في الصفين الرابع والخامس، على أن تؤخذ بنظر الاعتبار أعداد الطلبة في المدرسة ولجميع المراحل، لوجود دوام ثنائي وثلاثي.
تقليص الحصة الدراسية
أعود لوزارة التربية وعلى لسان المتحدث باسمها، وتعليقها على عودة الدوام، اذ إنّها تؤكد أن الحديث عن العام الدراسي الجديد ليس من شأن وزارة التربية فقط، وإنّما هناك جهات أخرى، هي مجلس الوزراء فضلا عن خلية الأزمة التي ستقرّر بشأن ذلك، لكن هناك تأن باتخاذ القرار، سيكون الدوام مزيجا بين الحضور في المدارس والمنصات الالكترونية مع مراعاة الإجراءات الوقائية، وأنَّ هناك اجتماعات مكثّفة بين هيئة الرأي في وزارة التربية ولجنة التربية النيابية، وكشف فاروق حيدر – المتحدث باسم وزارة التربية – عن أنّه تم رفع توصيات إلى وزير التربية للمصادقة عليها، من أهمها أن يحتوي الصف الواحد على 15 طالبا، وتقليص وقت الحصة الدراسية الواحدة من 45 إلى 30 دقيقة.
ثم عاد بعد أيام ليقول: إنّ رؤية الوزارة اكتملت بشأن العام الدراسي الجديد، وسيتم طرحها على الأمانة العامة لمجلس الوزراء وخلية الأزمة لاتخاذ القرار اللازم بشأنها، وتضمّنت الرؤية أن يكون العام الدراسي بين الالكتروني والتفاعلي داخل الصفوف، بحيث تكون الدروس العلمية المدمجة من داخل الصف بما فيها صفوف المرحلة الاولى، في حين سيكون التعليم الالكتروني أساسيا في العام الجديد.
كتابة التقارير الشهرية
في حين قدّمت لجنة التربية النيابية مقترحاتها لوزارة التربية، التي تضمّنت تأجيل بداية العام الدراسي 2020-2021 إلى ما بعد 15-10-2021، على أن يكون دوام الصفوف الاولى للمرحلة الابتدائية (أول، ثاني، ثالث) في أول ثلاثة أيام من الأسبوع (السبت، الاحد، الاثنين) بينما سيكون دوام (الرابع، والخامس، والسادس) في النصف الثاني من الأسبوع، وينطبق هذا الأمر على المرحلتين المتوسطة والاعدادية وتقسّم الأيام بينها على مدار الأسبوع، فضلا عن تقليص مواد المناهج الدراسية، والابقاء على الفصول المهمة فقط إلى جانب العمل بالمنصات الالكترونية وكتابة التقارير الشهرية.
تأجيل العام الدراسي
من جهتها قدّمت لجنة الصحة والبيئة النيابية طلبا رسميا للبرلمان بتأجيل العام الدراسي الجديد لمدة شهرين لتفادي الإصابات بكورونا بين الطلبة، ودعت إلى أن تكون الدراسة عبر المنصة الالكترونية، وبرّرت الأمر بأنّ اختلاط الطلبة في المدارس سيؤدي إلى تسجيل إصابات بالفيروس وعلينا اتخاذ الإجراءات الاحتياطية منها، لا سيما أنَّه حتى الآن لم يصل أي لقاح للعراق.
انقسام الآراء
أعود للحلوة نيران، وخشيتي من أن اشتياقها سيطول للمدرسة في ظل انقسام الآراء عن شكل العام الدراسي، الذي لو طبّقت كل التصورات عليه، سوف تربك الوضع التربوي، الذي يشكو من التأزم في ظل الجائحة، والوضع الاقتصادي للعوائل، وخوف الهيئات التعليمية والتدريسية من كورونا، على الرغم من الإجراءات الوقائية التي تتبعها المديريات العامة للتربية في بغداد والمحافظات.
ثلاثة تصورات
الدكتور قيس الكلابي المدير العام لتربية بغداد/ الكرخ الثانية بيّن تصوره عن العام الدراسي الجديد وهو يتّفق مع الوزارة في العديد من الجوانب بل أغلبها، موضحا: بأنَّ هناك ثلاثة تصورات، أولها اذا انتهى الوباء فالمدارس ترجع لوضعها السابق، والثاني: إذا بقي الوباء على ما هو عليه الآن نذهب باتجاه التعليم المدمج، يعني خمسين بالمائة حضور والخمسين الأخرى تعليم الكتروني، والثالث : ازدياد الوباء على ما هو عليه الآن، يعني اذا تعرّض العراق إلى موجة ثانية، فسنكون مضطرين إلى التعليم عن بعد (الالكتروني).
ومع ذلك “فإنَّنا سنكون متفاعلين مع أي آراء تردنا من المختصين يمكنها أن تحافظ على هيبة التعليم وترضي المجتمع، ولها حضور يطوّر التعليم”، قال الكلابي.
الحذف بدراسة متأنية
المعلمة الجامعية يسرى شنشول أوضحت أنَّ المنهج الدراسي العراقي يعدّ من المناهج المتقدمة في العالم العربي، ليس لصعوبته بل للمعلومات الغزيرة والمتعبة والطويلة، وهذه الحقيقة يعرفها الجميع، وربّما كشفت التظاهرات عن العديد من نقاط الضعف في المدرسة العراقية، التي لمسناها من خلال الحوارات المطلبية للطلبة من ساحة التظاهر في بغداد وبعض المحافظات، منها كثافة المناهج التي لا تتلاءم مع طرق التدريس والوقت المخصّص لإكماله، إذ ليس بمقدور المدرس إكمال المنهج المقرّر الا بتحقيق الدروس الإضافية.
وجاء فيروس كورونا القاتل ليزيد الهم على طلبتنا في عموم العراق، فكيف اذاً سيتمكّن المدرس من إكمال المادة المقرّرة من وزارة التربية؟، فلا بدّ أن يكون حذف المواد من الوزارة بنحو مدروس وبعيدا عن الاجتهاد، اذا أرادت وزارة التربية أن تقلص المناهج بسبب استمرار جائحة كورونا، واعتقد أنّ هذا الحل سيسهم في إكمال المناهج المطلوبة من الوزارة للعام الدراسي الجديد، لكن لا اتفق تماما بأن يكون التعليم مدمجا بسبب صعوبة تطبيق التعليم الالكتروني لظروف تكون أحيانا خارجة عن إرادة المعلم أو المدرس.
تجاهل وتساؤل
عاتبتني والدة التلميذة الصغيرة نيران التي ستطأ أقدامها لأول مرة المدرسة، بأني اتجاهل ما يعانيه أولياء الامور، الذين يكتمون قلقهم بشأن توزيع صغارهم من التلاميذ في الصفوف الاولى مع التزايد المستمر بالاعداد، وافتقار المدرسة إلى البيئة الحقيقية، وهل ستكون المديرة وملاكها التعليمي قادرة على السيطرة على التلاميذ في الفرص المقررة بين الدروس؟ وهل ستوفر المديريات العامة للتربية المواد المعقّمة على مدار السنة مع استمرار الضائقة المالية، هذا القلق على مستقبل أولادنا سيبقى يلاحقنا في كل يوم حتى ينتهي العام الدراسي الجديد، ليصبح قديما مثلنا.
الأمور مفتوحة
حتى لو طبّقت كل التصورات التي توزعت ما بين وزارة التربية ولجنة التربية النيابية ولجنة الصحة والبيئة في مجلس النواب، فإنَّ الحلول الحقيقية تبقى مرهونة بانتهاء كورونا من العراق، وإرادة الحكومة في إيجاد ميزانية خاصّة بوزارة التربية للتوسع في بناء المدارس، وإدخال الهيئات التعليمية والتدريسية في دورات تخصّصية حقيقية للتعليم الالكتروني، وتعيين متخصّص بالحاسوب في كل مدرسة لتجعل من التعليم الالكتروني بديلاً حقيقياً جاهزاً في الازمات الكبرى بدلا من استخدامه بنحو غير مدروس أدى إلى إرباك العملية التعليمية من دون الإفادة العلمية منه.
مشاركة أو استفتاء
إنّ اختيار شكل الدوام يحتاج إلى استفتاء يشارك فيه جميع شرائح المجتمع إلى جانب الملاكات التعليمية والتدريسية، لا أن يكون محصورا بجهات معينة، لأنّ العملية التعليمية تخص الجميع، وجماهيرها ملايين الناس، وليس أفراداً معدودين، وبمعنى آخر أنَّها تمثّل أغلب المجتمع، فلا يخلو بيت في العراق من تلميذ في الابتدائية أو طالب في المتوسطة أو الإعدادية، فعلى وزارة التربية أن تشرك المجتمع بهذا الاستفتاء، وتستفيد من نتائجه، إلى جانب المختصين، لتضمن القبول الواسع من المجتمع العراقي.