فصلُ الأوراقِ المتساقطة يغازلُ جبالَ أربيلَ وسفوحِها
ضحى مجيد سعيد /
يسميه بعض الناس (سيد الفصول)، إنه فصل الخريف. لعل ما يميزه أنه يجمع شيئاً من حرّ الصيف، وبعضاً من صحو الربيع، وبعضاً آخر من برد الشتاء. تتساقط أوراق الأشجار وتتناثر في الطرقات لترسم لوحة تمتزج فيها ألوان الأمل بتقلبات الحياة، كما يرى كثيرون.
الخريف يختلف في نكهته وفقاً لجغرافيا المكان، لكن الأعمّ الأغلب من الناس يجمع على أنه جرس الإنذار لبدء فصل الشتاء. تختلف الرؤى والمشاهدات لفصل الخريف بالنسبة إلى كثير من الناس، ويبقى اللافت أن جميع الناس ينظرون إلى الخريف من أوجه متعددة، فمنهم من يربطه بسنوات العمر، ومنهم من يراه كباقي فصول العام، ومنهم من يراجع فيه الذكريات، ومنهم من يصفه بفصل سقوط الأقنعة.
مجلة “الشبكة العراقية” قامت بجولة للتعرف على مشاهدات فصل الخريف في شمال العراق، ما له وما عليه، فضلاً عن آراء المواطنين بشأن هذا الفصل:
(إبراهيم يوحنا فتوحي)، كاتب مسرحي يسكن محافظة أربيل، يقول: الخريف يأتي هنا مبكراً ليس كما في سائر المحافظات العراقية، إذ تبدأ النسائم المنعشة في تبديد حرارة الصيف اللاهبة في شتى الأماكن الشمالية. مستدركاً أن جمال الخريف يتمثل في أوراق الأشجار المتناثرة على سفوح التلال والجبال، التي ترسم لوحة تشكيلية جميلة، إذ يبدأ التفاح والبلوط والجوز بالإطلال عليك من المنحدرات، ويخيم جمال المرتفعات والمنحدرات والوديان حيث تتنوع الطبيعة. يضيف الأستاذ إبراهيم: إن غياب الغبار والأتربة، فضلاً عن النشاط الذي يضفيه فصل الخريف على الإنسان، إضافة إلى إتاحته الفرصة لتغيير الأزياء من قطعة واحدة في حر الصيف إلى تنوعها، يضفي نوعاً من التغيير الذي يعطي طاقة إيجابية للإنسان، هذه هي بعض مزايا الخريف.
أجمل الأماكن في فصل الخريف هي السفوح الجبلية عندما تتعرى فيها الأشجار لتتضح مفاتن الطبيعة التي تكتسي رداء أحمر تارة وأصفر تارة أخرى، كما يتميز فصل الخريف بوجود ورود وأزهار لا تشبه أية أزهار تنبت في أي فصل آخر.
في سؤال عن تأثير الخريف على أعصاب الناس، يقول السيد إبراهيم: إن نصف الكرة الأرضية الشمالي البارد أقل غضباً وعصبية وعنفاً وأكثر حِلماً وتعبيراً وتروّياً من النصف الجنوبي الحار الغاضب العصبي، ما يؤكد أن أجواء الطقس المنعش تلعب دورها في تهدئة الاعصاب.
في السياق نفسه، التقينا السيدة (هدى عدنان)، وهي شاعرة وموظفة في وزارة الثقافة، فقالت: إن الخريف يتميز بنسائم هوائه اللطيفة وبرائحة رذاذ الأمطار المتساقطة على التربة، مشيرة إلى أن الأجواء الجميلة والطقس المنعش في فصل الخريف كانا يشجعان العائلات على التنزه في الحدائق. لكن نظرتها للخريف تختلف عن نظرة السيد إبراهيم فهي ترى أن فصلي الربيع والصيف أكثر بهجة، أما في الخريف فتبدأ الأجواء تميل فيه إلى الحزن مع تغير في إيقاع حركة الناس إيذاناً بالدخول في فصل الشتاء وأجوائه الباردة بشكل تدريجي، إذ يقصر النهار وتطول ساعات المساء. رغم ذلك، فإن للخريف ذكريات جميلة، كونه يجمع الأصدقاء والأهل حول المدفأة في أجواء عائلية حميمة تترك في الذاكرة أجمل الذكريات والحكايات.
فصل الخريف هو فصل الألفة والتقارب العائلي، كالأجداد في حبّهم واحتضانهم لأبنائهم وأحفادهم.
حاولنا الاطلاع على مشاهدات وآراء أخرى لفصل الخريف فالتقينا السيدة (د.منى يتقو)، تدريسية في كلية القانون، التي ترى أن تأثير الخريف إيجابي جداً على المزاج، وربما له وقع خاص على العشاق. وتقول إنه يذكرها بأناس لهم مكانة كبيرة في قلبها لكنهم رحلوا إلى عالمهم البعيد، وبأصدقاء هاجروا ولم يعودوا. وتشير إلى أن الخريف كأنه طيف يدغدغ مشاعرنا القديمة ويسترجع ذكرياتنا بحلوها ومرّها. أما عن مقولة (خريف العمر) فتشير السيدة منى إلى أنه لا توجد علاقة بين الخريف كفصل، وبين خريف العمر سوى أنهما يتشابهان من حيث الاقتراب من نهاية أمر ما وبداية آخر.
وبغض النظر عن الآراء والمشاهدات المتباينة بشأن الخريف، يُجمع كثيرون على أنه يتميز بجمال يختلف عن جمال الفصول الأخرى، وإذا كان يطلق على الصيف باللهجة العراقية الدارجة بـ (أبو الفقير)، فإن كثيراً من المثقفين يطلقون على الخريف تسمية (أبو الطالب والمعلم) كونه يشهد بداية العام الدراسي الجديد.