حضانة الطفل بين مطرقتي الأب والأم وقانون ٥٧
رجاء الشجيري /
الأسرة وحصانة القوانين التي تحميها، وتغيرات الأحداث والحياة ومتطلباتها التي قد تؤثر في استقرارها وتضعها أمام معادلة صعبة، فهل يمكنها أن تحقق العدالة والحياة الآمنة للطفل بعد انفصال الأبوين؟ مسودة تعديل المادة 57 من قانون الأحوال الشخصية المتعلقة بحضانة الأطفال الذي قُدِّم للبرلمان لأكثر من مرة الذي أشعل جدلاً في الأوساط المجتمعية، وانتهى إلى فريقين، أحدهما يدعم المشروع وبقوة، وآخر يحذر منه وبقوة أيضا ومن تبعاته الاجتماعية والنفسية.
الموضوعية قادتنا للسؤال والبحث في ماهية المطالبة بهذا التغيير والتعديل، هل القصد منح الحضانة للأب بعد الانفصال بالمطلق، أم إنَّه يبحث في تغيير بعض النقاط التي تهم مصلحة الطفل والأب وتعطيه حقه في رعايته وعدم تحديدها ومنعها أو اقتصار مشاهدته ضمن محكمة وتحت أنظار مجرمين مارين وغيرها من الأجواء المربكة لنفسية الطفل؟ مع سؤال نؤكد عليه أيضاً لماذا مثلما هناك زواج ناجح لا يكون هناك طلاق ناجح يضمن نجاة الأسرة ككل؟
تداعيات التعديل
بلا شك أنَّ قانون الأحوال الشخصية – أو قانون الأسرة – له الدور المهم والشديد الخطورة في تحديد العلاقات الاجتماعية في أي بلد، فهو الذي يحكم شؤون الأسرة والعلاقة بين أطرافها، ويحدد حقوق وواجبات كل من أفرادها وعلاقاتهم، كالزواج والطلاق ورعاية الأطفال وما يترتّب عليها من مسائل مادية ومعنوية، وكذلك الأمور النفسية والمالية الناتجة عن الطلاق. ومن ناحية أخرى، فإنّ قانون الأحوال الشخصية هو الذي يكشف عن وضع المرأة في التراتبية الاجتماعية .
وبالنظر إلى تنوع المجتمع العراقي فإنَّ تنظيم هذه العلاقات خرجت على شكل قانون الأحوال الشخصية العراقي الذي شرّع ونفذ في سنة 1959 بالرقم 188، وأجريت عليه العديد من التعديلات وفقاً للمستجدات الاجتماعية والسياسية.
وقد بادرنا سؤال الحقوقي ضياء حسين عن رأيه في هذا التعديل وتداعياته وكذلك عن متى تسقط الحضانة عن الأم قانونياً فكانت إجابته: بعد عام 2003 بات من البديهي مراجعة تلك القوانين، لهذا أدعو إلى قانون يأخذ بنظر الحسبان مصلحة الناس ومصلحة البلاد وهذا جزء من الالتزام الشرعي الذي يغلب المصلحة العليا على المصلحة الأدنى. مضيفاً أما ما يخص الشروط العامة التي تسقط حق حضانة الأم قانونياً إن وجدت وتقدم الأب بإثباتات حولها، فهي كالاتي: اذا كانت الأم تعاني من أمراض نفسية وعصبية تشكل خطراً على حياة الطفل، أو اذا كانت الأم محكومة بقضية مخلة بالشرف أو جنائية أو غيرها، او اذا ثبت عدم اهتمامها بالطفل وأذيته نفسياً وبدنياً، إو اذا كان سكن الأم مع طفلها في مكان غير مناسب أخلاقيا ويؤذي الطفل، او اذا امتنعت الأم بشكل متعمد لثلاث مرات أو خمس عن حق مشاهدة الأب لطفله، فهنا ستسقط الحضانة عنها وتذهب إلى الأب”.
لكن النائبة فرح السراج وفي تصريحات صحفية حذرت بشكل واضح من خطورة تمرير مقترح تعديل قانون الأحوال الشخصية، مشيرة إلى أنَّ “القانون سيفرز نتائج مشابهة لما أنتجه داعش في المحافظات المحررة”!
وأضافت أنّ “القانون النافذ حدّد فترة الحضانة لدى الأم للطفل الذكر بـ 9 سنوات، وبعدها يتم تخيير الطفل بين أبيه أو أمه، في حين يجبر القانون الحالي المرأة على تسليم طفلها الذكر البالغ من العمر سنتين إلى أبيه”.
محاولة لم الشمل..
بينما كان رأي القانوني أحمد صادق جبر مع مقترحاته: التطور الحاصل في المجتمع ودخول ثقافات جديدة عليه مع صراع فكري محتدم وآراء تروج لتوجيه المجتمعات باتجاهات معينة لا تخلو في أغلبها من خطورة وضياع للأجيال القادمة مع ازدياد طلبات الأطفال وصعوبة الحياة التي لا تخفى معطيتها ومساراتها على أحد، فإنَّ مسألة تضرّر المحضون من عدم وجود الأب وحصر الحضانة بيد الأم لفترة ١٠ أو ١٥ سنة نكاد نجزم بحصول الضرر وازدياد حالات التسرب المجتمعي والابتعاد عن خطوط المجتمع الآمن المستقر المسالم وبالنتيجة المساهمة الفاعلة في تفكيك نواة المجتمع الأولى.
مضيفا: نقترح أن تكون الحضانة بعد الانفصال لسنتين للأم، وبعدها تمدّد أو العكس حسب مصلحة المحضون، وذلك لكي لا تشعر الأم بالأمان المطلق من حضنها لطفلها لسنوات عدة وتراجع نفسها بإمكانية عودة لم الشمل مرة أخرى. كما ونشدد على أهمية إشراك الأب خلال فترة الحضانة للأم في رعاية الطفل.
حلّ يرضي الأطراف..
الجدة “صبيحة أم اسماعيل” كانت لها صرختها واستنجادها إذ تقول: ما ذنبي أن أحرم من مشاهدة أحفادي، وما هذه القسوة في تأييد ذلك قانونياً، الا يحق لي ولجده أن نرى أحفادنا في بيتنا أو أي مكان عام، المحكمة تمنع حتى وجودنا فيها لرؤيتهم.. أطالب بتعديل هذا الجانب ومراعاة صلة الرحم وأواصرها الإنسانية”.
د. بشرى العبيدي، الأكاديمية في القانون الجنائي الدولي وعضوة المفوضية العليا لحقوق الإنسان سابقا كان لها رأيها حول عدم إلغاء القانون أو تعديله، إذ تقول: “تم التنسيق مع لجنة المرأة والاسرة والطفولة النيابية، وعقد لقاءين؛ الاول مع عدد من الآباء المطلقين والثاني مع بعض النساء المطلقات، وتوصلنا إلى حل يتضمن إصدار تعليمات من قبل مجلس القضاء الاعلى حول تنظيم لقاء غير الحاضن للمحضون لدى حاضنته، على أن يجري تعميمها على جميع المحاكم دون اللجوء إلى تعديل القانون”.
وأضافت أن هذه التعليمات يفترض أن تتضمن أولا زيادة أيام وساعات مشاهدة الرجل لأطفاله، والسماح له باصطحابهم إلى أي مكان يريد، شرط أن لا يكون ذلك مؤذيا لنفسية الطفل”. وأضافت العبيدي “إن هذه الشروط تطبّق بعد تقديم ضمانات من قبل الاب إلى المحكمة بإعادة الطفل إلى حاضنته، بحكم أن هناك آباء قاموا باختطاف أبنائهم وتهريبهم إلى خارج العراق”.
وفي الوقت الذي يُسْقِط فيه القانون حق حضانة الأم في حالة تعمدها لخمس مرات عدم مشاهدة الاب للطفل طالبت المحامية والناشطة منى جعفر بمحاسبة الاب الذي لا يحظر لمشاهدة أبنائه في الأوقات المحددة قانونيا أيضا، لأن ذلك يعد عنفا تجاه الطفل الذي يتحضر نفسيا وزمانيا لهذا اللقاء وبعدها يخيب ظنه.
وما بين المؤيد والرافض لتعديل قانون ٥٧ وماهيته وأبعاده، تبقى مصلحة الاطفال وترميم العلاقات الاسرية التي تصب في مصلحة الابناء وبناء مستقبل بعيد عن الظلم وآثاره النفسية هي المنشد الاسمى..