الأمل.. صناعة

672

علاء هادي الحطاب/

قال الشاعر الطغرائي في لاميّته، لامية العجم: (أعلل النفس بالآمال أرقبها … ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل). سمعتها أول مرة من أستاذ اللغة العربية في المرحلة الإعدادية قبل قرابة 24 عاماً، ولم أدرك حينها ما كان يقصده، لكنه كلما انزعج من حماقاتنا وعبثنا ردد هذا البيت الشعري. كانت أيام حصار اقتصادي وراتب المدرس لا يعادل طبقة بيض. ومع ذلك كان الرجل عصامياً جداً، فما إن يدخل الصف حتى يبدأ بالشرح ولا يترك أية فرصة ( للتسخيت) ويقوم باختبارنا وفق الأسماء، ولا يجامل إطلاقاً، ولا يقبل رشوة، لذلك لا ينجح في درسه إلا المتفوق والمجد، لذا كان الطلاب يزعجونه بتصرفات صبيانية. الآن أدركت أن الرجل كان يصبِّر نفسه على بلاء الدنيا وضنك معيشتها بالأمل، كي يتمكن من إكمال حياته ولا يترك الإحباط يسيطر عليه، حتى تخرجنا من تحت يديه وخرّج أجيالاً قبلنا وبعدنا، وهو مرتاح الضمير .
ما حداني لكتابة هذه المادة ومواد أخرى منشورة سابقاً، وما سأكتبه لاحقاً في هذا الصدد ليس بطراً أو رفاهية أو بُعداً عن الواقع الذي نعيشه، لكن بالفعل هناك جملة إيجابيات في حياتنا ربما لم ندركها سابقاً، نعم قياساً إلى خبراتنا وتضحياتنا وما عانيناه سابقاً ونعانيه حالياً على الأقل من عدم استقرار حياتنا على مستوى الخدمات والأمن والسياسية والاقتصاد، فضلاً عن واقعنا الاجتماعي الذي يعاني الكثير، يجعل فسحة الأمل تنحسر في مستقبل أفضل لأجيالنا، لكن العيش وسط دوامة الإحباط واليأس لن تنفعنا في طريق الخلاص من كل ما تقدم وأكثر، بل تجعل الحياة أكثر سوداوية، وهذه السوداوية تنعكس على تعاملنا مع أطفالنا وأصدقائنا وكل من يشاركنا الحياة، ونساهم في إشاعة الاحباط واليأس، الأمر الذي يساهم في سلبية كل تفاصيل حياتنا، وما النتيجة بعد ذلك؟ فهل الإحباط واليأس يعالجان مشاكلنا الخاصة والعامة؟ حتما.. كلا، بل إنه سيعدم في دواخلنا أية فرصة للإبداع والابتكار والتقدم في حياتنا.
من حولنا إيجابيات كثيرة إن أمعنّا النظر، ربما لا نشعر بها إلا حين نفتقدها، وبمجرد رحلة قصيرة خارج بلادنا لأي سبب كان تشعرنا ببعض تلك الإيجابيات التي نشتاق إليها ونتمنى العودة إليها مرةً أخرى.
لذا فإن الأمل أعدّه صناعة نحن من يجب أن نمتهنها لأنفسنا، كي نستطيع العيش بلا سوداوية الحياة في كل تفاصيلها، ونفكر باستمرار أن ما نعيشه واقعاً نسعى لتغييره نحو الأفضل، وهذا الأمل ليس ترفاً بل حاجة كي نستمر في هذه الحياة التي قُدّر لنا أن نعيشها بحلوها ومرّها، فلنعمل على صناعة الأمل لأنفسنا.