بالعربي الفصيح!!
حسن العاني /
اسمها في جواز السفر (لويتا)، وكنتُ أناديها (لولو) تحبباً ودلالاً، شابة في الثلاثين من العمر، وإنْ كانت تبدو فتاة في العشرين، حاصلة على شهادة الدكتوراه في الاعلام، وتعمل لدى الأمم المتحدة، قدِمتْ في زيارة عمل إلى العراق تستغرق (6) أشهر، ولكنها طلبت بعد وصولها الى بغداد تمديد الزيارة الى (12) شهراً، لأن أيام العطل في العراق أكثر من أيام الدوام الرسمي على حد تعبيرها، وقد وقد حصلت الموافقة –وذلك لكتابة بحث مقارن عن الحياة العراقية قبل عام 2003 وبعده!!
اللافت للنظر حقاً، ان هذه الشابة اجتمع لها من الجمال والرقة والأنوثة مالم يجتمع لغيرها من نساء الأرض، و.. ومحظوظةٌ وأمة راضيةٌ عنه من رأى لوليتا أو جلس معها ساعة، ولهذا أعدّ نفسي –من غير حسد- رجلاً محظوظاً بامتياز، على الرغم من إن هذا الحظ لم يحالفني إلا وأنا في السبعين وبعدخراب البصرة كما يقول المثل الشعبي، فقد شاءت المصادفة الحسنة، أن يتم اختياري مرافقاً لها طوال مدة مكوثها في بغداد، أرشدها الى الأماكن التي تود زيارتها وأذلل أمامها أية مصاعب إدارية بحيث لا تضطر الى دفع “رشوة” وينفضح أمرنا امام العالم، ونحن نريد بقاء هذا الأمر سراً من أسرار الداخل، وكنتُ في سري أقول: هذه الآية الربانية من آيات الحسن والفتنةِ أحقُ من غيرها بالمركبات المظللة وفرقةٍ عسكرية تحميها من عيون النساء وحرشة الشيوخ المراهقين!!
لوليتا.. زيادة على هذه المواصفات، إنسانة ظريفة.. مرحة.. سريعة البديهة، وتتقن العربية الفصحى ولا تتحدث الا بها على طريقة المستشرقين.. وأعترف بانني طوال المدة التي أمضيتها معها (قصّرت) بحق أسرتي وأهملتها، ناسياً طلبات بيتي واحتياجاته، و.. وأقولها بصراحة -مع احساسي بالنذالة- لم أعد أطيق العودة الى منزلي وكأنني عائد الى جبهات القتال.. وبدأت أطيل الوقوف امام المرآة أكثر مما تقف العوانس!!
كان من الطبيعي أن ينتفض الكرم العراقي الكامن في جيناتي الوراثية، ولذلك دعوتها على العشاء فرحبت بالدعوة فوراً، وشكرتني بلطف كبير، وهكذا إصطحبتها الى مطعم لا يرتاده الا كبار المقاولين و(بعض) أفراد الطبقة السياسية الذين يغامرون بمغادرة المنطقة الخضراء، وطلبت وجبة طعام أذهلتها بحيث سألتني إن كان هناك مدعوون آخرون معنا فابتسمت م متباهياً وحدثتها عن طباعنا العراقية الأصيلة في الضيافة، وفيما كنت أتذوق المقبلات، والنادل يرتب الأطباق، لم يعجبني طعم (الزلاطه) فقلت له بالعربية الفصحى، إكراماً لضيفتي التي لا تتحدث الا بها “السلطة حامضةٌ جداً ومزعجةٌ وأريد تغييرها”، وفجأة وجدت نفسي محاصراً بمجموعة من الفتيان الزعاطيط الذين تصرفوا معي برعونة وهم يسألون عن إسمي وعمري وعنواني وعملي ولماذا اخترت هذا المطعم، و.. والسبب الذي جعلني أصف (السلطة) بأنها مزعجة، ومن هي الجهة التي تدعمني لتغييرها، ثم طلبوا بطاقتي الشخصية، وفتشوا جيبوبي وجواربي وشعر رأسي –مع إنني أصلع- ولم تشفع لي هويات نقابة الصحفيين واتحاد الادباء وجمعية الرفق بالمتقاعدين، وقرروا اقتيادي للتحقيق معي بتهمة تتفاوت عقوبتها بين الموت شنقاً أو بالرصاص، ولكن لوليتا تدخلت في الوقت المناسب فالتفتوا اليها لأول مرة وهي تشرح لهم الالتباس اللغوي، وإنني لم أكن أقصد (السلطه) بمعنى الحكومة، وإنما (السَلطه) بمعنى الخيار والطماطم والجزر والخل، أي (الزلاطه) كما تسمونها في العامية، وقد لاحظت في الحال إنهم أهملوني ونسوا التهمة وإنشغلوا بالاستماع اليها منبهرين، وكلما إنتهتْ من الاجابة على سؤال، إبتكروا لها سؤالاً جديداً وهم يأكلونها بعيونهم و.. وهكذا غادرنا المطعم منزعجين بعد أنْ أفسدوا (عليّ) ليلة لا يجود العمر بها مرتين.. ولعل هذا هو السبب الذي دعاها الى قطع زيارتها قبل إنقضاء مدتها والعودة الى بلادها، لأن الصورة أصبحت واضحةً أمامها كما أخبرتني مع إنني لم أدرك كيف اتضحت الصورة عندها، ولكنني من يومها أقسمتُ أن لا أتحدث (بالعربي الفصيح) حتى مع نفسي!!