العالم بلون برتقالي لمناهضة العنف ضد المرأة
إياد عطية الخالدي /
في ظل أوضاع سياسية واقتصادية واجتماعية متعبة، عالمياً، بسبب الظروف التي أنتجتها جائحة كورونا، يشكل العنف ضد المرأة هاجساً مقلقاً لدى الأمم المتحدة والمنظمات المعنية بحقوق المرأة.
ومع حلول اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة شرع الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة بمبادرة عالمية جديدة متعددة السنوات تركز في القضاء على جميع أشكال العنف ضد النساء والفتيات أطلق عليها (مبادرة تسليط الضوء) وتستمر على مدى 16 يوماً لمناهضة العنف القائم على النوع الاجتماعي (٢٥تشرين الثاني-١٠ كانون الأول) تحت عنوان كبير هو (السلام في البيت).
لا تختلف الظروف التي تسببت بها الجائحة في العراق عن غيرها من دول العالم، إذ تؤكد الأمم المتحدة أن نسبة العنف ضد النساء من قبل المقربين منها ارتفعت في العالم كله. وتواجه النساء العراقيات عنفاً متعدد الأشكال، يبدأ بالضرب ولاينتهي بالتحقير والإهانة، والتمييز، ويصدر في الغالب من رجال مقربين إلى النساء. وبحسب منظمة حقوق الإنسان العراقية، فإن المحاكم العراقية سجلت خلال هذه السنة 3006 حالات عنف من الرجال ضد النساء، وبالمقابل 412 حالة عنف من النساء ضد الرجال. ومع أن نسبة العنف الذي تمارسه النساء ضد الرجال لايتجاوز العشرة في المئة، لكن الإعلام، ولاسيما مواقع التواصل الاجتماعي، يسلط الضوء عليه بقوة، فيما يتجاهل أن نسبة العنف ضد النساء تصل إلى ٩٠ بالمئة ولاتكاد تبرز العنف الذي صار سلوكاً اجتماعياً عادياً لا يلتفت إلى أخباره الكثير من الناس.
ركّزت حملة (اتحدوا)، التابعة للأمين العام للأمم المتحدة على إنهاء العنف ضد المرأة، التي تعد حملة متعددة السنوات تهدف إلى منع العنف ضد المرأة والفتاة والقضاء عليه، وفي التركيز على تعزيز الدعوة إلى اتخاذ إجراء عالمي لحسر ثغرات التمويل وضمان الخدمات الأساسية للناجيات من العنف خلال أزمة كوفيد 19 على الوقاية وجمع البيانات التي تحسن الخدمات الرامية لصيانة المرأة والفتاة.
قانون لوقف العنف
وانسجاماً مع المبادرة الأممية، خرجت المئات من النساء العراقيات إلى ساحة الأندلس يرفعن لافتات باللون البرتقالي (اللون الذي اختارته الأمم المتحدة لمبادرتها)، ليطالبن بوقف العنف وإقرار قانون في البرلمان لوقف العنف الأسري، وهو قانون شهد جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية العراقية حال دون إقراره بسبب تباين الآراء بشأنه، وكان اللافت غياب البرلمانيات العراقيات اللائي يفترض أن يكنّ في طليعة النساء المدافعات عن حقوقهن.
فيما أصدرت رابطة المرأة العراقية بياناً بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة دعت فيه إلى ضمان حق المرأة في الحياة والأمان والإسراع بتشريع قانون يحمي النساء من العنف والتمييز.
ولفتت الرابطة، التي تضم نساء من مختلف الشرائح والمكونات العراقية، إلى حجم المشكلة والمحنة التي تعيشها المرأة والفتاة العراقية، إذ أنها مازالت تعيش المزيد من الحيف والإجحاف، وهي تتعرض للكثير من صور العنف الأسري والمجتمعي الذي باتت مؤشراته تسجل أرقاماً مخيفة وأشكالاً أكثر رعباً وخطورة على حياة المرأة والأطفال، بل وحتى الأسرة، ما يؤدي إلى تراجع كبير وانحسار لدورها ومساهمتها في المجالات كافة ، وهو بالمقابل يؤثر سلباً على مستقبل مشاركتها المدنية والاجتماعية نتيجة الإقصاء والتهميش المتعمد لها، ويضعف دورها في البناء الاقتصادي والسياسي والثقافي والاجتماعي، ويحجم مساهمتها في عملية التغيير المنشود لبناء دولة مدنية ديمقراطية تتساوى فيها النساء والرجال في الحقوق والواجبات .
توصيات لجنة سيداو
ودعت الرابطة إلى تنفيذ توصيات (لجنة سيداو) (12) و (18) المعنية باتخاذ إجراءات تضمن المساواة التامة وإلغاء ومنع تنفيذ الأحكام التمييزية ضد المرأة، وإنهاء مظاهر العنف والاستغلال والامتهان، وتأمين العودة الآمنة للنازحات وتمكينهن من المساهمة في عمليات الإعمار والتنمية في مدنهن والحماية الخاصة للمغتصبات والملبية لاحتياجاتهن والكشف عن مصير المختطفات منهن، والتصدي لكل الممارسات الخاطئة التي تعمل على سلب حقوقهن الإنسانية مثل جرائم القتل بذريعة غسل العار وزواج القاصرات وغيرها من المظاهر التي تدفع نحو تدمير المجتمع.
تقول سكرتيرة رابطة المرأة العراقية (الدكتورة خيال الجواهري): “لقد عانت المرأة العراقية وعلى مر العقود من العنف الأسري.. هذا العنف المتعدد الأوجه جسدياً ونفسياً واقتصادياً وقانونياً، الذي يكبلها ويسلبها حقوقهاوحرياتها..ولاسيما في ظل مجتمع ذكوري يعاني من الأنانية والجهل والتطرف.
وما أكثر ما ارتفعت الأصوات من قبل المناصرين للمرأة للوقوف بوجه هذا العنف الذي يدمر مجتمعاتنا.. والذي يشكل انتهاكا فظاً لحقوق الإنسان. ”
وأشارت الجواهري : “لايمكننا في هذا الصدد أن ننسى دور رابطه المرأة العراقيه في توعيه النساء من أجل المطالبة بحقوقهن والعيش بكرامة.” ولفتت الجواهري إلى الدور الذي لعبته المرأة العراقية في العقود الأخيرة، فضلاً عن دورها الإيجابي في فضح كل صور العنف الأسري ومقاومته من خلال تنظيم الاعتصامات والاحتجاجات والتظاهرات .
وتضيف الجواهري، التي شاركت في المسيرة النسوية العراقية في ساحة الأندلس لمناهضة العنف ضد المرأة: “ما أحرانا في مثل هذه الأيام أن نشدد على المطالبة بإصدار قانون ينصف المرأة يتزامن مع اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد النساء ويضمن حقوقها وكرامتها مع توفير المناخات الصحية الملائمة للنهوض بواقعها “.
أمر مسكوت عنه!
فيما ترى (الدكتورة خديجة حسن) أن العنف الأسري ظاهرة عالمية، مثلما هو مشكلة كبيرة في المجتمع العراقي، وأنه يمثل أحد أنواع العنف المسكوت عنه بسبب العادات والتقاليد. ويشكل إقرار قانون مناهضة العنف الأسري أحد أهم المكاسب التي تحققت للمرأة والأسرة والمجتمع، وسيكون من نتائج هذا القانون إنقاذ عدد كبير من النساء والأطفال ممن يتعرضون لهذا العنف من خلال إلزام الحكومة بحماية ضحايا العنف الناجين منه عبر إنشاء مراكز الإيواء الآمنة، وعبر إصدار أوامر التقييد والعقوبات وإنشاء لجنة مشتركة بين الوزارات لمكافحة العنف الأسري، إلا أن هذا القانون بصياغته الحالية لا يخلو من المثالب والثغرات لعل أبرزها يتمثل بتفضيل التصدي للعنف من خلال لجان المصالحة بدلاً من الملاحقة القضائية، كما أن القانون قد أغفل غلق الثغرة القانونية التي تسمح للمعتدي فيما يسمى بجرائم الشرف بالحصول على عقوبات مخففة.
وتؤكد حسن أن إقرار القانون يعد خطوة في الاتجاه الصحيح لبناء مجتمع سليم معافى، لكن يبقى الأهم من إقرار القانون هو كيفية تطبيقه ونشر الوعي الاجتماعي تجاه نبذ الممارسات الاجتماعية والقيم والعادات التي تحض على العنف، وأهمية رفع وعي النساء بحقوقهن وحقوق أطفالهن المكتسبة بموجب القانون، كما أن هناك ضرورة أن تتضمن نصوص القانون إشارات وبنوداً صريحة بشأن التنسيق مع منظمات المجتمع المدني في إدارة وتدريب وتشغيل المراكز الإيوائية والآمنة والسماح بتشغيل وتوفير الحماية لمراكز الإيواء التي تديرها جهات محلية خاصة للناجيات من العنف الأسري.
وأكدت أن العنف الذي تتعرض له النساء بات أمراً لايمكن السكوت عليه، وخطراً لايمكن إغفاله أو التغاضي عنه أو حتى إهماله نتيجة للآثار التي يخلفها في تحطيم للنفس والذات الإنسانية للمرأة، وأن مواجهته ليست مستحيلة، وأهمية مكافحته ليس لحماية المرأة فقط، بل من أجل بناء أسر متعافية ومجتمعات مستقرة توّاقة إلى الحرية والأمن والسلام.
وأكدت على ضرورة مطالبة الجهات الحكومية في الإسراع بإقرار قانون الحماية من العنف الأسري مع وضع آليات للحماية والتعافي، ومتابعة تنفيذ توصيات (لجنة سيداو) بضرورة موائمة القوانين العراقية مع المواثيق الدولية، والمباشرة بإلغاء المواد والنصوص التي تكرس الانتهاكات الخطيرة لحقوق المرأة في قانون العقوبات العراقي رقم 111، وتحسين آلية الوصول إلى العدالة وتوفير الرعاية والبيئة الآمنة لهن.
مؤشرات عالية لتنامي العنف
تقول مفوضية حقوق الإنسان في العراق إن هناك ارتفاعاً ملحوظاً في نسب العنف الأسري في العراق، مشيرة إلى وقوف أسباب عدة وراء ارتفاع هذه النسبة.
وأكد عضو مفوضية حقوق الإنسان (فاضل الغرواي) في تصريحات صحفية أن المفوضية سجلت (مؤشرات عالية) في ما يخص حالات العنف الأسري في البلاد خلال هذه السنة، لافتاً إلى وصول قضايا وشكاوى إلى المحاكم تتعلق بالعنف الأسري.
الغراوي أضاف أنه “تم تسجيل 3006 حالات عنف من الرجال ضد النساء، وبالمقابل 412 حالة عنف من النساء ضد الرجال، و465 حالة عنف من الآباء ضد الأبناء، و348 حالة عنف بين الأخوة”.
ونوّه إلى وجود “أسباب اقتصادية واجتماعية ونفسية وأمنية وراء ارتفاع حالات العنف الأسري، فضلاً عن ضعف الوعي الأسري والاستخدام السيئ لمواقع التواصل الاجتماعي”.
وعن طرق استخدام العنف الأسري، أفاد الغراوي بأنها تنوعت بين استخدام آلات حادة والحرق وغيرها، مشيراً إلى أن “من بين نتائج العنف الأسري لجوء بعض المعنَّفين إلى الانتحار”.
وتنص الفقرة الرابعة من المادة 29 من الدستور العراقي على منع كل أشكال العنف والتعسف تجاه الأطفال في الأسرة والمدرسة والمجتمع، في حين تنص المادة 41/1 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل على عدم وجود جريمة إذا وقع الفعل استعمالاً لحق مقرر بمقتضى القانون: (تأديب الزوج لزوجته وتأديب الآباء والمعلمين ومن في حكمهم الأولاد القصر في حدود ما هو مقرر شرعاً أو قانوناً أو عرفاً).
ورقة انتخابية
لايضع العديد من الأفراد في المجتمع ولا مسؤوليه قضية العنف ضد المرأة كأولوية في سلم المشاكل الاقتصادية والسياسية التي تعصف بنا. كما تقول عضو رابطة المراة العراقية (كريمة الربيعي) لمجلة “الشبكة العراقة”، لذا لا يتطرق لها المجتمع ولا حتى صنّاع القرار إلا ماندر وفي المناسبات التي تحتفل بالمرأة أو عند حلول الانتخابات، إذ تعد أصوات النساء ثمينة لا يمكن التفريط بها، لذا يستغل البعض قضيتها كورقة رابحة لكسب صوتها، لكن سرعان ما تخفت المطالبات بحقوقها تحت قبة البرلمان إلا من بعض الأصوات الخجولة التي تنادي بين فترة وأخرى بإقرار القوانين التي تحميها من العنف المتزايد الذي تتعرض له في محيطها الاجتماعي الذي مازال يرى أن هذا النوع من العنف ليس جريمة تستحق العقاب .
إدانات
مطلع العام الجاري أحرقت فتاة شابة في إحدى المحافظات نفسها في منزل عائلة زوجها التي لم تمنعها من الإقدام على الفعل المروّع، كما أنها لم تسارع إلى إخماد الحريق الذي شبّ في جسدها، وتهاونت العائلة أيضاً في نقلها إلى المستشفى بالسرعة القصوى، الأمر الذي أدى إلى موتها بعد أيام من العذاب قضتها تتلوى من ألم حروقها العميقة في ردهة العناية المركزة، ما ولد ردود أفعال شعبية غاضبة على مواقع التواصل الاجتماعي تلاها ظهور مسؤولين وعدوا المدونين الغاضبين بأن الجناة لن يفلتوا من العقاب، كما صرح نواب آخرون من على شاشات القنوات الفضائية المحلية بأنهم ماضون بإقرار قانون يحمي المرأة من شتى أنواع العنف الأسري، ولم تمر فترة طويلة على قضية الفتاة المحروقة حتى طالعتنا مواقع التواصل الاجتماعي بجريمة أخرى ضحيتها سيدة وأم لأطفال صغار أقدم زوجها على قتلها لأنها لم تحضر الطعام له، وشهد المجتمع (مسؤولون ومواطنون) ردود أفعال غاضبة على هذا الحادث وأدان رواد مواقع التواصل الاجتماعي هذا العمل المشين وطالبوا بالقصاص العادل ومعاقبة الجاني بأشد انواع العقاب لمنع تكرار الاعتداءات على النساء. وعلى إثرها استشاطت المدافعات عن حقوق المرأة غضباً ضد العنف المتزايد عليهن في الآونة الأخيرة ودعون النساء إلى وقفة احتجاجية في إحدى ساحات بغداد لوقف كل أشكال العنف ضد المرأة، ولم تحضر الوقفة أية نائبة في البرلمان!
القانون العراقي
يصف المحامي (يعقوب يوسف) العنف ضد النساء بأنه من أبشع سلوكيات التعامل، وهو سلوك يتنامى في العديد من المجتمعات المتخلفة أخلاقياً وتربوياً وثقافياً، ونتيجة لذلك حظرت القوانين هذا السلوك، منها قانون الأحوال الشخصية العراقي، الذي أجاز للمرأة المتزوجة التي تتعرض للعنف من قبل زوجها إقامة دعوى تفريق للضرر ضد زوجها، استنادا إلى المادة 40 التي ورد فيها ما يلي:
لكل من الزوجين طلب التفريق عند توافر أحد الأسباب الآتية :
1- إذا أضر أحد الزوجين بالزوج الآخر أو بأولادهما ضرراً يتعذر معه استمرار الحياة الزوجية.
كما أن قانون العقوبات العراقي رقم ١١١ لعام ١٩٦٩ قد نص على تجريم استخدام العنف ضد الأشخاص ومن ضمنهم المرأة ، في المواد ٤١٢ و ٤١٣ و ٤١٤ و ٤١٥ .
الخلاصة أن هذه المواد القانونية جاءت لتكفل حماية المرأة من العنف ولتوفر لها الحصانة القانونية والاجتماعية .
أرقام تدق ناقوس الخطر
تدق الأرقام والإحصاءات التي تعلن عن عدد النساء المعنّفات في المجتمع ناقوس الخطر عن مشكلة حقيقية باتت تهدد كيان الأسرة العراقية، ولاسيما في ظل التحديات الاقتصادية والسياسية والصحية التي أثرت على مجمل حياة الفرد العراقي في الآونة الأخيرة، وكان العنف ضد المرأة يشكل عنواناً بارزاً لأكثر القضايا التي زاد عددها خلال الأشهر الماضية بعد الأعداد المتزايدة للنساء المعنّفات في عدد من المدن العراقية، فقد
توصل استبيان رسمي شمل (11) محافظة و(28) منطقة و(42) منطقة فرعية في أنحاء العراق كافة، عن أثر الأزمة الوبائية الراهنة على حوادث العنف المبنية على النوع الاجتماعي، إلى زيادة وتيرة حالات العنف المنزلي.
واعتمد الاستبيان الذي أصدرته دائرة تمكين المرأة في الأمانة العامة لمجلس الوزراء، وبمشاركة صندوق الأمم المتحدة للسكان الـUnfpa، على حوادث العنف المنزلي، والاغتصاب، والتحرُّش الجنسي بالقاصرين، والانتحار المُرتبط بإيذاء الزوج.
وصنف الاستبيان المحافظات: نينوى، ديالى، كركوك، دهوك، كأكثر المحافظات التي سجّلت أعلى الحالات الخاصة بحوادث العنف المنزلي، وهي بنسبة 94% من الحوادث التي تمّ الإبلاغ عنها خلال أزمة الوباء، بينما كانت غيرها من المحافظات بحاجة لتوفير خدمات مُتخصصة لتشخيص العنف، إذ لم يُبلّغْ فيها عن وجود حالات.
وكشف الاستبيان أنّ 98% من الناجين الذين أبلغوا عن حوادث العنف المبني على النوع الاجتماعي هم من النساء، إذ يمثل العنف المنزلي أكثر من 75%، تليها الممارسات الضارة عند نسبة 10%، ثم الزواج المُبكر عند 8%.
بينما كان التحرُّش الجنسي المعروف بمفهوم “الإساءة العاطفية”، والاستغلال الجنسي من قبل الغرباء قد بلغ نسبة 3% لكل منهما.
وأظهرت مخرجات ونتائج الاستبيان أن الإبلاغ كان عن (123) محاولة انتحار تتعلق بالعنف ضد النساء والفتيات، وأن(62) حالة حرمت فيها الأسر النساء والفتيات من الوصول إلى الحجر الصحي أو المنشآت الصحية، بسبب الأعراف الاجتماعية أو مخاوف من التعرض لمخاطر العنف الاجتماعي.
هذا بالإضافة إلى أن 94% من الفئات المُستهدفة كانت مشمولة بالنُدرة المالية وقلة الموارد، بما في ذلك نقص أو فقدان سبل العيش أو الدخل، كما أن 82% من العاملين في مجال الرعاية الصحية، و80% من اليافعات، و73% من الأمهات القصر، و61% من الأسَر التي يُنظر إليها على أنها تابعة للجماعات المُتطرّفة كانت من بين الفئات الأكثر عرضة للخطروالمعرضين لخطر العنف المبني على النوع الاجتماعي.
كما أظهرت نتائج الاستبيان ندرة وشُحاً في برامج دعم التشغيل، وسبل العيش، والمساعدة النقدية المقدمة للناجين من العنف المبني على النوع الاجتماعي من قبل 64% من المستفيدين، يلي ذلك عدم الحصول على المساعدة القانونية (بنسبة 53%) والملاذ الآمن (بنسبة 43%).
البرلمان يتعثر
وعلى الرغم من النسب المرتفعة لتنامي ظاهرة العنف ضد النساء في العراق، فإن البرلمان العراقي يتعثر في كل مرة بإقرار قانون مناهضة العنف ضد المرأة بسبب خلافات اجتماعية ودينية حول تفسيره وآلية تطبيقه، إلا أن الأمم المتحدة تضع تعريفاً واحداً للعنف الذي تعرّفه بأنه (أي عمل يُرَجح بأن يتسبب في أذى جسدي أو جنسي أو نفسي أو معاناة شديدة للمرأة. قد يحدث العنف في المنزل أو مكان العمل أو ضمن المجتمع. وهناك نوعان شائعان من أنواع العنف ضد المرأة). وتطالب الدول التي مازالت لم تضع قوانين واضحة لمناهضة العنف ضد النساء بالإسراع بإقراره للحد من مقتل العديد من السيدات نتيجة عدم وجود قوانين تحميهن في مجتمعاتهن، الأمر الذي يزيد من خطورة الأمر.
اعتراف الرجال
ويقر العديد من الرجال بالعنف المتزايد على النساء في ظل انعدام التوازن والمساواة بين الجنسين في مجتمعنا الذي ما زال يكرس ويبرر كل أشكال العنف ضد المرأة، وفي هذا الصدد يوضح الحقوقي (طارق كريم التميمي) : مازلنا ننظر إلى النساء على أنهن أقل شأناً من الرجال، وهذا أحد أسباب التعدي المستمر على حقوق المرأة، ولاسيما في الأرياف والقرى التي تكثر فيها حوادث العنف ضد النساء. إلى جانب ذلك فإن غياب قانون صريح يمنع العنف ضدهن وفّر المبرر لارتكاب جرائم صريحة واضحة المعالم راحت ضحيتها فتيات وسيدات من دون أن تكون هناك قوانين رادعة للاقتصاص من الجاني. لذا فإن على البرلمان أن يسرع في إقرار قانون مناهضة العنف ضد المرأة من دون تأخير، حتى لانترك فرصة لذوي النفوس الضعيفة بالاستمرار في معاقبة النساء وتعريض حياتهن للخطر تحت ذرائع وحجج واهية. فيما يرى (سالم كريم الفضلي)، أستاذ جامعي متقاعد، أن المجتمع تربى على عدم احترام المرأة، كما أن القوانين لم تكن صريحة في حمايتها ولم تنصفها بشكل كاف، الأمر الذي ساهم في تنامي ظاهرة العنف ضد المرأة التي ازدادت بشكل خطير في الآونة الأخيرة في مجتمعنا الذي يعاني أساساً من مشاكل اقتصادية وسياسية أثرت على تماسك الأسرة وهددت كيانها النفسي، وبات العنف فيها يتصدر المشهد كل يوم بعد توالي الجرائم الأسرية التي تطالعنا بها مواقع التواصل الاجتماعي والقنوات الفضائية التي أصبحت فيها تلك الجرائم مادة دسمة في نشراتها الإخبارية. ويؤكد الفضلي على ضرورة تربية الأجيال الجديدة في العراق على احترام المرأة، إلى جانب القوانين التي تحميها وتحفظ كرامتها الإنسانية .