العراقيون يحتفلون معاً بالميلاد المجيد ويتطلعون إلى عام أمن وسلام
رجاء الشجيري – تصوير: بلال الحسناوي /
أعياد رأس السنة وطقوس الميلاد وأجواء الاحتفالات، كانت ومازالت مشتركة بين المسيحيين والمسلمين الذين دأبوا على أن يتشاركوا الفرح في مناسباتهم. فقد برهن المجتمع العراقي، رغم كل الظروف، على أنه أرض خصبة للمحبة والتآصر المجتمعي في ما بين الأديان والطوائف جميعاً.
ونحن نودع سنة عصيبة بكل أحداثها وعلى أبواب استقبال عام جديد يضج بالأمنيات والأحلام والدعاء بالخير للآتي ضمن طقوس أعياد الميلاد المجيد.
“مجلة الشبكة” كانت مع هذه الأعياد واللحمة الوطنية والنسيج الحقيقي بين المسيحيين والمسلمين.
شاهد مهم
من بين الشواهد المهمة مكانياً وزمانياً واجتماعياً، التي تؤكد المحبة واللحمة بين المسيحيين والمسلمين، كنيسة اللاتين التي تقابل جامع الخلفاء في شارع الجمهورية قرب سوق الشورجة في بغداد ولا يفصلهما سوى الشارع.
كنيسة اللاتين
يعود تأريخ كنيسة اللاتين في العراق إلى القرن السابع عشر عندما وصل الآباء الكرمليون إلى بلاد فارس ومنها دخلوا بلاد ما بين النهرين، وقد استمر بناؤها من عام ١٨٦٦ حتى ١٨٧١، وافتتحت بعد خمس سنوات باسم (كنيسة القديس يوسف)، وكانت تمثل الكاتدرائية اللاتينية في بغداد. في 1917، أثناء الحرب العالمية الأولى، عندما كانت بلاد ما بين النهرين ما تزال تحت الحكم العثماني، استولت القوات العثمانية على كنيسة القديس يوسف اللاتينية وأُحرِق جزء منها وتحولت إلى مستشفى، ثم أعيد ترميمها عام ١٩٢٠.
كنيسة القديس يوسف اللاتينية، تعدّ شاخصاً أثرياً مهماً، وهي عبارة عن مبنى على شكل صليب له قبّة نصف كروية رائعة مع أسطوانة دائرية ونوافذ على مستوى جناح الكنيسة يبلغ ارتفاعها 32 متراً، يعلوها فانوس مثمَّن الشكل يعتلي قمّته صليب. يوجد فيها قبر الأب أنستاس ماري الكرملي ومقابر الآباء الكرمليين ومدافن الأخوات الدومينيكيات المعروفات بـ(راهبات التقدمة). وعن بعد نستطيع رؤية الكنيسة بوضوح كمنارة في الحي. لكن حالها الآن لا يسر، مع كل ما حولها من خراب وفوضى وإزعاج من عشوائية البسطيات والأسواق المحيطة بها فضلاً عن بنايتها المتصدعة.
جامع الخلفاء
أما جامع الخلفاء فهو أحد الجوامع الثلاثة الكبرى في الدولة العباسية، بناه الخليفة المكتفي بالله (القرن العاشر الميلادي) ويقع في شارع الجمهورية قرب سوق الغزل في الشورجة، وقد هدم وجدد بنيانه في فترة هولاكو. يحتوي على مئذنة أثرية بنيت قبل سبعة قرون هي واحدة من أجمل الآثار المعمارية الشاخصة في بغداد منذ عهد الخلافة العباسية. في القرن الماضي قام المعماري محمد مكية بإعادة تصميم وتشييد الجامع بشكل يشبه إلى حد ما التصميم الأصلي للجامع القديم، والمنارة حتى عشرينيات القرن الماضي كانت أعلى بناء في بغداد بارتفاع يبلغ ٣٥ متراً وجارتها كنيسة اللاتين بارتفاع ٣٢ متراً، وهذه المنارة في جامع الخلفاء تحدت أحوال الزمن وفيضانات دجلة والهزات الأرضية لتقف شامخة حتى يومنا هذا.
الأب أنستاس الكرملي والشيخ جلال الحنفي
اقترنت حياة الأب أنستاس بالكنيسة، فميلاده يقارب تاريخ بنائها، وقد كان ضليعاً في اللغة العربية ومدرساً لها. وكان الكرملي من بين أكثر المدافعين عن منارة جامع الخلفاء عندما أرادوا هدمها عام ١٩١٨بحجة ميلانها المستمر. الكرملي نفسه استخدم صورة للكنيسة ومنارة جامع الخلفاء معاً دلالة على التآخي الروحي والوحدة المجتمعية العراقية، فقد كان يسمع صوت ترتيل القرآن الكريم من دير الكرمليين إذ كان يحب سماع تلاوة القرآن. كان الأب صاحب مجلس أدبي كبير في هذا المَعلم إذ كان يعقده للمناقشة والحوار، وكان يسمى “مجلس الجمعة” في دير الآباء الكرمليين في محلة سوق الغزل ببغداد، وكان يتردد عليه أساطين اللغة العربية وعلماؤها وأعيان البلد على اختلاف مللهم ونحلهم، من بينهم الشيخ جلال الحنفي إمام جامع الخلفاء. كان الحنفي البغدادي ضليعاً أيضاً في التراث البغدادي وجوانب الحياة الاجتماعية والفلكلور والمقامات والأدب والشعر واللغة، كذلك كان يجيد اللغة الصينية.
شجرة الميلاد
تحدث الأب الخوري (طيماثيوس القس إيشا) راعي كنيسة القديسة شموني وأولادها السبعة في حي الآثوريين في الدورة لـ “الشبكة” عن طقوس الأعياد إذ قال :
هناك أعياد كثيرة ومتنوعة خاصة بنا نحن المسيحيين، منها الأعياد الرئيسة كعيد الرش “النروسرديل” وعيد الصليب “ايدته صليوا” وغيرها من الأعياد الثانوية، وفي هذه الأيام جاءت ولادة سيدنا المسيح -له المجد- ورأس السنة الميلادية اذ نقوم بفعاليات اجتماعية وكنسية، وهي تختلف حسب كل نوع من هذه الأعياد.
يضيف: اجتماعياً تُعدّ العوائل المأكولات والمعجنات والحلويات والأكلات العراقية الشهيرة، وتقام حفلات مصغرة في البيوت في الأحياء البغدادية ويتم فيها تزاور الأقارب والمعارف والجيران والأصدقاء بهذه المناسبة، أما في النوادي الآثورية والكلدانية والسريانية فتقام حفلات كبرى يحضرها نخبة من ألمع نجوم الغناء، وتحضرها العائلات وتقام فيها الدبكات الفلكلورية والمسابقات، من أشهرها مسابقة اختيار ملكة جمال هذا العام، أما في الكنيسة فتقام الصلاة والقداديس بحسب أوقاتها في التقاويم محتفلين بالذكرى.. أمنياتي بعام خير ومحبة وسلام للجميع.
عامر حمزة، كاتب عربي يجيد اللغة الآثورية، حدثنا قائلاً: اللحمة الوطنية والإنسانية والاجتماعية والدينية بين المسيحيين والمسلمين كانت قوية دوماً، إذ كانوا يتشاركون المناسبات الخاصة الدينية والاجتماعية فيما بينهم، وكان المسيحيون يحتفلون في الأحياء البغدادية مثل كراج الأمانة، والغدير، وبغداد الجديدة، والدورة حي الآثوريين، وتل محمد، والمنصور، والكرادة، ولديهم جميعاً ذكريات من الأعياد المشتركة بين المسيحيين والمسلمين، في الاحتفالات وإيقاد الشموع، وأعيادهم انتقلت من الطقس الكنسي إلى الحياة الاجتماعية، فالحفلات تقام في رأس السنة وفي كل يوم خميس تتخللها الرقصات الجماعية والمسابقات، وكان في المقابل أيضاً حين يتشارك المسيحيون مع المسلمين مناسباتهم الدينية والاجتماعية، فيطبخون “الهريسة” ويوزعون “خبز العباس” ويتبادلون الزيارات والتهاني فيما بينهم. يضيف حمزة: المسلمون أخذوا من المسيحيين شجرة الميلاد التي يزينون بها بيوتهم وشوارعهم وأعياد الكرسمس، كذلك الألعاب النارية التي كانت تطلق في الأحياء التي يحتفل بها المسيحيون والتي كانت تنطلق في رأس السنة الميلادية
قراءة فلكية للعام الجديد
بعد مرارة ومطبّات عام صعب، جاءت توقعات الفلكي علي البكري للعام الجديد التي يقول فيها: سنة 2021 سنة الهيمنة الاقتصادية على العالم، عالم مرتبط بالتكنولوجيا الرقمية وشراسة المنافسين ستسقط السياسة أمام غول الاقتصاد والمال، تساقط رؤساء وزعماء واضمحلال دورهم ورحيلهم وانتهاء أدوارهم، الشركات الكبرى ستقوم بما يلزم نيابة عنهم، انهيار قيم الإنسانية مقابل غول المال والاقتصاد، علينا أن نستعد لقيم جديدة لعالم تحكمه الكلفة الاقتصادية والمالية، وسنعيش القصة نفسها مع حرب التكنولوجيا للسنوات المقبلة، ليس تشاؤماً بل لكي نستعد بالعلم والتمسك بالدين والإرث الثقافي كي يمكننا المقاومة والبقاء، والله أعلم.
تطلعات
يتطلع العراقيون إلى عام سعيد ينسيهم مرارة العام الفائت، عام الأزمات وعام الجائحة، الحافل بروائح الأدوية والعدوى والمعاناة والغياب وطعم الحزن.
لهذا فإن أماني الأمن والاستقرار كانت أغلى الأماني عندهم.. فهل تبقى أماني العراقيين معلقة بين الأرض والسماء، أم أن هذا العام سيشهد تحقق الأمنيات على الأرض؟
حسين كاظم (بقال) يقول: أمنياتي كثيرة، غير أن الأمنية التي أتمنى أن تتحقق هي والسلام والاستقرار، فلا سعادة للإنسان إلا بسعادة أهله جميعا، والعراقيون يستحقون أن ينعموا بالأمن والسلام بعد أن عانوا الأمرّين في الأعوام السابقة، فقد أتعبهم فيروس كورونا وخسروا كثيراً من الأحبة، وقبله كانت حرب داعش والقتل والانفجارات التي ذهب ضحيتها الأبرياء من النساء والأطفال والشيوخ. ندعو الله أن يمن على شعبنا بالأمن والاستقرار.
أحمد ناصر (موظف في وزارة المالية ) يقول: أتوقع أن تكون الأوضاع العامة في البلاد أكثر استقراراً، وتفاؤلي بذلك كبير وإن كان يشوبه قليل من التشاؤم، أتمنى أن يزول في هذا العام الجديد وأن تنتهي إلى الأبد جائحة كورنا التي خسرنا بسبها كثيراً من الأحبة بعد الإعلان عن اكتشاف اللقاحات وأن يعيش كل العراقيين في وطنهم أخوة متحابين بود وسلام.
أمنيات مؤجلة
حميد جاسم (طالب في كلية الآداب) يقول: أمنياتي وتوقعاتي مؤجلة لحين حل الأزمة السياسية والاقتصادية التي تعصف بالبلاد، فكل الأمنيات والتوقعات مرهونة باستقرار الوضع العام في العراق، وهذا ما نأمل أن تحققه القوى السياسية ويسعى إليه البرلمان المقبل إذا تم الاتفاق بين أعضائه وتجاوزوا المصالح الشخصية أو الفئوية أو الخاصة بهذا الحزب أو ذاك، وأن تحقيق مصلحة العراق وأبنائه قبل أي اعتبار آخر. أما هناء جواد (موظفة) فتقول: كل ما أتمناه أن يعيش أبناء هذا الوطن بجميع أطيافه في أمان وسلام وألّا يعكر صفوهم أي شيء وأن يحمل لهم العام الجديد الخيرات والمسرات وأن يغادر الحزن والخوف بيوت العراقيين الى الأبد.
نور عادل (طالبة في كلية الهندسة) تتمنى أن تتحقق جميع الأماني الخاصة والعامة، ولاسيما فيما يتعلق بالأمن والاستقرار في البلاد، وأن يكون عام خير وسعادة على الجميع من أجل بناء عراق ديمقراطي موحد ينعم به أبناء الشعب كافة.
أبواب السماء
يقول غيث أمير (موظف): على صعيد أحوال البلد لا أتوقع أي شيء جديد، وسيبقى الحال كما هو عليه في ظل أزمة كورونا والأزمة الاقتصادية، لأننا حتى الآن لم نلمس أي تغيير أو حتى بصيص أمل. لكنه استدرك: بالطبع أتمنى الازدهار لبلدي وأن يحل الأمن والاستقرار وأن ينعم به العراقيون، كما أتمنى أن تحل جميع المعوقات التي نواجهها وأن تحقق أمنيات كل فرد عراقي على هذه الأرض، أؤمن أن الله لن ينسى شعبنا وأن دعوات الناس ستصل أبواب السماء.