المزاج المتقلّب.. مصدر قلق للأسرة والاستقرار العائلي
فكرة الطائي /
ارتفعت الأصوات في بيت جارتي سعاد، الضيوف في بيتي استغربوا هذه الحالة، فقد كان الصوت يأتي واضحا محمّلا بالتفاصيل الخاصة للحياة الاسرية، وتبادل اللوم بين الزوج والزوجة، من ناحيتي لم استغرب ذلك وإنما وجدت الأمر طبيعيا بالنسبة لهم، إذ لا يمر أسبوع من الأسابيع الا ونسمع تلك الأصوات اللائمة الممزوجة بالصراخ والعويل وقد تفاجئني صديقتي بين لحظة وأخرى بدخولها البيت شاكية ظلم وعنف وعدم تفهم زوجها وعدم استجابته لما تريد وأمور أخرى كثيرة.
للبيوت أسرارها
لا أريد أن أبرر أمام ضيوفي ولا أريد أن اتدخل في شأن خاص انطلاقا من “للبيوت أسرارها ” وعلينا أن نكون حذرين في مناقشة ما نعاني أو نشكو منه أو نفكر به أو ما نخطّط له مستقبلا وإن اختلفنا علينا أن نكون أكثر تحكما بأعصابنا وانفعالاتنا وأن لا نفقد السيطرة ونذهب إلى المطبخ لتحطيم الأواني والصحون من باب تفريغ شحنات الغضب.
مزاجية الزوج أو الزوجة أو الاثنين معا قضية تثير القلق في العائلة وتكدر صفوها وتعقد المشاكل ولا تسعى إلى حلها، وفي ظل المتغيرات للحياة اليومية الوظيفية والاجتماعية والاقتصادية تأثير مباشر على تغير المزاج وتقلبه من حال إلى حال، ولكي نقف على آراء أهل العلم والمعرفة بتفاصيل هذه الحالات والابتعاد عن تجاربنا الشخصية، ذهبت إلى جامعة بغداد وعرضت الموضوع على عدد من أساتذة علم النفس والاجتماع للوقوف على الأسباب والنتائج والمعالجات.
الاستقرار النفسي
يفرز الاستاذ المساعد الدكتور “علي تركي فاضل – أستاذ الصحة النفسية في كلية الآداب – جامعة بغداد” بين نوعين من المزاج الشخصي، إذ يقول: “هناك مزاج عام وراثي ينتقل إلى الشخص من الوالدين وآخر “مود” هو المزاج المتغيّر جراء الضغوطات والصعوبات او المشاكل التي تعترض الانسان في حياته اليومية وتنعكس سلبا على حياته الاسرية، حتى طبيعة ونوعية الغذاء تؤثر في مزاج الانسان وتقلبه من حال إلى أخرى ويصعب التعامل معه أو السيطرة أو تنظيم وتجاوز هذه الحالة”.
* هل تؤثر الغيرة في مزاج الزوج؟
– بالتأكيد تؤثر الغيرة وتقلب وتعكّر المزاج لأنَّ موضوعها شائك ومتداخل مع حالات نفسية واجتماعية كثيرة، ونحن العراقيين لا نفرّق بين الشك والغيرة، وفقدان الثقة بالآخر مبعثه الشك الذي يؤثر تأثيرا مباشرا في الحالة المزاجية.
الاختلاف البيئي
عرضت أمام الدكتور علي موضوعة الاختلاف البيئي بين الزوجين وهل يؤثر هذا الاختلاف في طبيعة العلاقة الزوجية وإثارة المشاكل انطلاقا من تجربة خاصة عايشتها لسنوات مع جارتي سعاد التي تزوجت رجلا من بيئة اجتماعية مختلفة، فقد جاءت من بيئة ذات تعليم عالٍ وتزوجت رجلا يقرأ ويكتب ولا يعرف من أسرار الحياة سوى البسيط منها الذي توفره له مهنة النجارة التي يعرف تفاصيلها، هي لديها علاقات اجتماعية مختلفة في وسط ثقافي مختلف عن الوسط المهني الذي يعمل به، إذ قال بهذا الخصوص: “إن الاختلاف البيئي معضلة كبيرة اذا لم يحدث التقارب والانسجام لردم الهوة بينهما، فالزوج يؤمن بأفكار وعادات وتقاليد ومحددات بيئية تربّى عليها والزوجة أيضا تؤمن بأشياء أخرى تربّت عليها وكل منهما يرى ما تربّى عليه هو الصحيح، إذ إن عدم التوافق يؤدي إلى خلق مشاكل في الحياة الاسرية”.
المرأة أكثر مزاجية
يرى الدكتور “علي” أن “المرأة أكثر مزاجية من الرجل”، وذلك لأنَّها إنسانة “صبورة ومهيمنة في البيت” ولها القدرة الكبيرة في تحمل وتجاوز الضغوطات العاطفية والنفسية والاقتصادية والاجتماعية وحتى الجسمية” في تغير الهرمونات “جراء الزمن التي تؤثر في المزاج العام .
المزاج المتقلّب
يقول الدكتور ثائر أحمد العمار “باحث وأكاديمي في قسم الاجتماع – كلية الآداب – جامعة بغداد” إنَّ المزاج المتقلب “لا يرتبط بجنس محدّد سواء كان ذكرا أم إنثى وعلى اختلاف أعمارهم، إذ إن للبيئة المحيطة بالرجل الاثر البالغ في صحته النفسية ومزاجه العام، مما يؤدي لتغيرات هرمونية، فكيميائية الجسد تتسبب في تغيرات للعواطف والمشاعر التي يمر بها الرجل مثل هرمون التستوستيرون الذي يعد ذا أثر بالغ في تغير المزاج وهو يتأثر بالضغوط سواء كانت مادية أو معنوية وبالعمل أو خارجه، وفي مجتمع كالمجتمع العراقي غالبا ما يعيب على الرجل التعبير عن مشاعره بالحزن او الفرح مما يؤدي لظهور الرواسب عند الانسان وكبت المشاعر بحسب ما يقول العالم (باريتو)، إذ تظهر بشكل مزاج سيئ نتيجة إخفائها أو التعبير عنها مما يغيّر سلوكيات الرجل تجاه الآخر، إذ يوصم زيد من الناس بأنّه مزاجي حاد الطباع أو شخص قليل التفاعل فضلا عن ارتباط البعض بالابراج، فيكون انعكاسا لتلك الابراج ومترجما لما يراه في برجه ويستشعره ويؤديه كما يؤدي الممثل دوره على خشبة المسرح وتأخذ الظروف الاسرية الدور الكبير في تلك التقلبات المزاجية، فالاسرة هي مصدر الطاقة الحقيقية التي تشحن الرجل بالطاقة الايجابية والحيوية وتغير مزاجه إيجابيا وتؤثر رتابة البيئة في العمل أو المنزل أيضا في مزاجية الرجل وتدفعه لعقد مقارنات مع الآخر. حتى أن البعض ينسى النعم التي لديه ويتوق لما بين يدي غيره ما يولّد دافع الغيرة التي تقلّب مزاجية الرجل عندما يتعرّض لضغط كبير”.
الرجل المزاجي
يقول الدكتور “هلال عبد السادة حيدر العيكلي” من جامعة بغداد – كلية الآداب: “من أجل معرفة المزاج المتقلب عند الرجل لا بد من العودة إلى طبيعة الرجل وطبيعة الحال أنا هنا اتكلم عن الرجل العراقي هناك فوارق عديدة بين الرجل الشرقي والرجل الغربي منها على سبيل المثال أن الرجل الشرقي يتمتع بسلطة الهيمنة الذكورية التي يمارسها في المجتمع العراقي، كما أن تلك الهيمنة التي وهبتها له الثقافة جعلت منه سيدا على الأسرة وقائدا لها، وهذا بطبيعة الحال يؤثر في مزاج الرجل المتقلب؛ فنجده دائما لا يقبل النقاش ويعتقد دائما أنّه هو صاحب الرأي السديد حتى وإن كان على خطأ، وهذا ليس تعميما بل نجد رجلا يتقبّل النقاش ويصل إلى أفضل الحلول والأخذ برأي أفراد الأسرة في الأمور العائلية”.
* ماهي أسباب هذه المزاجية ؟
– هناك العديد من الاسباب التي تؤدي بالرجل إلى أن يكون مزاجه متقلبا منها الجانب النفسي، فعندما يكون الرجل بعيدا عن التوترات النفسية سوف يكون ذا مزاج معتدل، كما أن لضغوطات العمل ومتاعب الحياة دوراً في تغير مزاج الرجل، للجانب الاقتصادي والتوافق مع الشريك (الزوجة) أهمية كبرى، أفراد الأسرة والأبناء ومتطلباتهم مؤثر فاعل في تغير المزاج ولا نستقبل الرجل أثناء دخوله البيت بسيل من الطلبات او الأسئلة، وإنما تترك كل تلك الأشياء إلى ما بعد أخذ الرجل قسطاً من الراحة وبالتالي يمكن أن يكون مستعدا لتنفيذ كل ما تريد الأسرة او الزوجة، وهناك عوامل أخرى منها المرض والاعاقة والبطالة ومعاناة وهموم العمل تتحكّم في مزاج الرجل، من نتائج تلك التقلبات المزاجية تفكك الأسرة، إجهاد الرجل والتأثير في صحته، القلق والتفكير في الأمور التافهة، ابتعاد الأسرة عن الجو الهادئ، توتر العلاقات بين الزوجين والاولاد وهناك نتائج كثيرة أخرى وعلى الزوجة والأسرة معرفة مزاج الرجل والابتعاد عن كل ما يؤثر في مزاجه، ومراعاة الجانب النفسي وضغوطات العمل عند الحوار والنقاش في الأمور العائلية، ومساعدة الرجل في إنجاز الأعمال الخاصة بالأسرة، مثلا أن يقوم الأولاد البالغون في إنجاز بعض الأعمال بعد الاتفاق مع الأب أو تقوم الزوجة برفع المؤثرات الأخرى التي تسهم في إجهاد الرجل”.