بانتظار محاكمة الزوج والابن، زوجة أتعبتها الظروف
رجاء خضير /
ليس كل منْ يخطئ هو سيئ قد تكون كبوة يفوقُ منها مع الزمن.. لكن كبوة من في قصة السيدة (ه….) كبيرة ولا تعرف كيف سيفوق منها زوجها وابنها، ونعود معها إلى البداية..
تزوجت (هـ….) فور تخرجها من الجامعة من شاب يعمل في شركة خاصة، او هكذا قدم نفسه، لم تكن تعرفه إنما (خطبة) أهل، وأحبته كثيرا حين اكتشف أن عائقاً صحياً يمنعها من الحمل ولم يعبّر عن انزعاجه ولم يتذمر، إنّما فعل المستحيل لأجلها، فهي تحب الأطفال كثيرا، وبعد سنوات من العلاج والانتظار، حدثت المعجزة وأكدت الطبيبة أنَّها حامل بتوأم.. كان (ب….) سعيداً مثلها بهذا الحدث السعيد ويهتم بها حتى جاءت ساعة الولادة وأدخلت صالة العمليات وكان الجميع؛ أهلها وأهل زوجها والاقرباء الذين حضروا إلى المستشفى، سعداء معها.
تقول (هـ…):
حين أفقت من التخدير، علمت أن العملية فوق الكبرى (القيصرية) أخذت وقتا أكثر من المعتاد، لكنني لحظة احتضنت بها ولديّ (ع…) و(س..) نسيت الألم ونسيت كذلك أن أسأل عن سبب طول وقت العملية.. وبعد أيام من مغادرتي المستشفى، بدأت أشعر أن زوجي يخفي عني أمراً ما! لكن فرحتي بالصغيرين لم تترك لي مجالا لسؤالهـ. وكنت سعيدة بوجود أمي وأم زوجي معنا في البيت، اللتين استمرتا بالتواجد بالتناوب لمساعدتي بالاعتناء بالصغيرين حتى كبرا قليلا وتعلمت كيف أعتني بهما وأربيهما وحدي.
أصبح الصغيران بعد نحو سنتين محط إعجاب ودعاء الجميع، ولاحظنا أن (ع..) أكثر نشاطا وأكبر حجما من (س..) الذي كان (حمال) شقيقه أثناء الحمل..وفي يوم بدا به (ب…) هادئا ومرتاح البال، سألته (هـ…) عن الأمر الذي يخفيه عنها، لكنه حاول أن يتهرّب من الجواب ومع إصرارها على معرفة السر، علمت بأنها لن تنجب مرة أخرى، “كان لا بدّ من إزالة الرحم لتتمكني من العيش بصحة”، صدمها السر الذي كشف عنه وبكت، لكنه خفف عنها قائلا: “لدينا ولدان رائعان ولنحمد الله على نعمته، لقد كان سبحانه كريما معنا”.
وتضيف (هـ…):
تقبَّلتُ الأمر وعزمتُ أن أعتني بهما كثيراً، وكان أسعد أيامي حين أصبحا في الصف الأول الابتدائي، وكان جليا، مع مرور الأشهر، أن (ع..) يتمتع بذكاء خارق بينما (س..) خامل ومع مرور سنوات التعليم الابتدائي، بدأ المدرسون يشكون من عدم استيعاب (س..) للدروس وبأن حالته تتفاقم بسرعة ونُصِحتُ بمراجعة طبيب لأنَّه صبي غير سويّ وصرخت بوجهه، كيف تجرؤ أن تصف ابني هكذا..
لكن حالة (س..) أصبحت واضحة حتى داخل البيت حين تحاول (هـ…) أن توجه الولدين أو تشرح لهما الدروس، فقال لها (ب…) إن لا مناص من مراجعة الطبيب.. وفي خضم انشغالها مع حالة (س..) لم تنتبه إلى أن زوجها (ب…) يصرف أضعاف ما تطلبه منهـ.. المهم، أخذ الوالدان (س..) إلى الطبيب وبعد فحوصات وتحليلات، قال لهما بأنه يعاني من مرض معقّد يتعلق بالغدد، وإذ عبّرت (هـ…) عن يأسها وحزنها، قال لهما الطبيب في آخر زيارة له بأن هناك علاجاً لحالته المرضية في الخارج، ولكنَّه يتطلب الكثير من الأموال والوقت..”وقررنا السفر وتركنا (ع..) عند أمي” تقول (هـ…) وتضيف، ‘كان العلاج مكلفا جدا فضلا عن قلقي على (ع…) وبعد شهرين، طلبت من زوجي العودة وساستمر لوحدي في متابعة حالة (س..) الذي أصبح يستجيب إلى العلاج.
وعاد (ب..) وكان يتصل بها يوميا ليطمئن على حالتها وابنه واستمر يرسل اليها بالأموال اللازمة للعلاج.. وبعد نحو شهرين، توقف عن الاتصال بها لكنَّه استمر بإرسال تكاليف العلاج، وبدأت (هـ…) تتصل بأهلها وأهله وشعرت أن هناك أمراً ما يخفونه عنها وكانت كلما تلح في السؤال، يتهربون منها أو يتذرعون بانقطاع الاتصال.. وبعد أسابيع من الحيرة والقلق، فاجأها (ب…) باتصال هاتفي وأخبرها بأن الشركة التي كان يعمل بها استغنوا عن خدماته مما اضطر إلى الانتقال إلى محافظة أخرى بعد أن وجد عملا (شريك) مع صديق له وأن راتبه وأرباحه كثيرة. وحين طالبته بالتحدث إلى (ع..)، قال إنَّه ليس في البيت إنما مع أصدقائهـ..
تقول (هـ…):
انتابني قلق كبير على زوجي وابني وأصبح هذا القلق تعبا إضافيا على التعب اليومي في متابعة علاج ابني الآخر، وقررت أن أسأل والدتي عما جرى وكيف يعيش زوجي وابني في محافظة أخرى لوحدهما، وهددتها اذا لم تخبرني بالحقيقة سأعود وابني قبل أن يكمل علاجه إلى الوطن..
وخشيت الام أن تنفذ (هـ…) تهديدها لا سيما أن (س..) قد قطع شوطا كبيرا في العلاج ولم يتبق أمامه الا القليل ليستعيد صحته كاملة ويصبح صبيا سويا، فأبلغت (هـ…) بالحقيقة الصادمة وقالت لها: “تدور شائعات بأن زوجك وابنك (ع) الذي ترك الدراسة يعملان بتهريب الآثار وأشياء أخرى، قد تكون مخدرات..”
أغلقت (هـ…) وبدأ الحزن والقلق يسيطران عليّ مما دفع ابنها (س..) أن يعتقد بأنّ صحته ليست جيدة، فأبلغته بأنَّه يفتقد أباه وشقيقه وصحته في تحسن. وكانت تشعر وكأنها في مفترق طرق؛ هل ترجع لتحاول إنقاذ زوجها وابنها (ع..) او تستمر في علاج (س..) وقررت العودة واتصلت بوالدتها لتبلغها بقرارها، فقالت لها أن تهتم بصحة ابنها والانتهاء من علاجه، وأضافت “هناك الكثير حول نشاط زوجك وابنك غير القانوني، تابعي علاج (س..) فإن فقدتي (ع..) لسبب ما، في الأقل سيبقى معك (س..).. ومرت عليها الأسابيع المتبقية من العلاج ثقيلة جدا ومن ثم وافق طبيب (س..) على عودته مع أخذ كمية من الادوية والاستمرار بالاتصال به لغاية انتهاء أدويتهـ.
وعادت (هـ..) مع (س..) وذهبت فورا من المطار مع والدتها إلى أهل زوجها الذين أخبروها بالتفاصيل عما ارتكبها زوجها من جرائم وأنَّه ورّط (ع..) الصبي معه في توزيع المخدرات واكتشفت أن والدتها تعرف أيضا هذه التفاصيل وقالت لها: “هذه قدرة الله، شافى ابنك المريض ليعوضك عن السليم الذي كان زوجك سببا في أن تفقديه”.
في اليوم التالي لعودتها، تركت (س..) مع والدتها وذهبت إلى المحافظة التي بها زوجها وابنها (ع..) ومعها المعلومات والعناوين التي حصلت عليها من أهلها وأهله والمعارف والاصدقاء الذين نصحوها بعدم الذهاب كي لا يورطها معهـ.. لكنها أصرت على الذهاب والبحث عنهما.. وبعد أيام، توصلت إلى من يعرفهما وأبلغها بأنَّ عليها الذهاب إلى مركز الشرطة للبحث عنهما بعد أن سمعت منه الكثير عما ارتكبه زوجها.
وتكمل (هـ…):
حاولت أن أبدو ثابتة وذهبتُ إلى المركز لاتفاجأ بما سمعتهُ من الضابط بأن زوجي قد تم ترحيله إلى محافظتنا لوجود قضايا ضده هناك أيضا ومن ثم تقديمه إلى المحاكمة وابني (ع…) قد تم إيداعه في إصلاحية الأحداث وفي محافظتنا أيضا.
غادرت (هـ..) المركز والمحافظة راجعة إلى محافظتهم وهي تفكر طوال الطريق كيف ستواجه زوجها وبماذا سيدافع عن نفسه وكيف ستسامحه عما فعله بابنهما (ع..) ودفعه إلى الجريمة معه وكيف تمكن أن يخبئ عنها وعن أهله وأهلها نشاطاته الإجرامية سواء حين خطبها أو في سنوات الزواج التي عاشا فيها معا؟ ولماذا وكيف أصبح مجرما وتسبّب في أن يفقد ابنه (ع..) مستقبله؟
أفكار كثيرة وأحزان أكثر تنتاب (هـ..) وهي تنتظر محاكمة زوجها التي أخرتها ظروف كورونا الذي وعدها أن يتوب ويعود اليها مهما كانت العقوبة التي سينالها وأصبحت تهتم بدرسة ابنها (س..) وتزور ابنها الآخر (ع..) وتحثه على العودة إلى الدراسة.. وتأمل أن تكون في حكايتها عبرة للآخرين فالمال ليس كل شيء..