خفض الرواتب ورفع قيمة الدولار.. إصلاحات مالية أم عقوبات؟

668

ريا عاصي – تصوير: صباح الامارة /

الكل يسأل عن الباذنجان في السوق، ويستذكر وقفته الكبرى للعراقيين في سنوات الحصار، الكل يتمنى ألّا يتعالى الباذنجان ويرفع سعره، فهو من تفانى في خدمة المائدة العراقية بين قلي وشوي وتطبيق وتخليل.. وحتى مربّى!
وبالرغم من أن الباذنجان يشترى ويُباع بالدينار العراقي، إلا أن حامله وناقله وآكله يستهلك كل المواد بالدولار على الرغم من أن جيبه لا يحوي إلا الدينار.
عودة الحصار والفقر
في الأيام الأخيرة من عام 2020 أطلق العراقيون العنان لمخيلتهم للقادم بعد أن أعلنت وزارة المالية رفع سعر صرف الدولار من 1230 إلى 1470 ديناراً مقابل الدولار الواحد، وتلك لعمري طفرة كبيرة بعد أن كان سعر الصرف قد استقر في السنوات العشر الأخيرات بين 1220 إلى 1230 ديناراً، وبدأ الجميع إعلان حالة التأهب للقابل من الأيام، فقد ارتفعت أسعار البضائع المستوردة سريعة التلف، وخزنت وأعيدت للمخازن البضائع التي تحتمل التخزين، وذلك خوفاً من الديون التي ستتراكم بسبب سعر الصرف.
أولى البضائع التي أعلنت أسعارها الجديدة هي الخضار، إذ ارتفعت بنسبة تتراوح بين 20 إلى 30 % من قيمتها التي كانت عليها قبل أيام قلائل.
يقول السيد مهدي- بائع خضراوات خمسيني – في منطقة الكرادة: “حصل الارتفاع في الخضراوات والفواكه المستوردة بصورة سريعة بحجة فرق سعر الصرف، لكن الخضراوات المحلية بدأت ترتفع بشكل طفيف بالرغم من أن التعامل بالأساس بالعملة المحلية، لكن بعض سائقي الحمل بدأوا برفع أجرة النقل بحجة ارتفاع أسعار بقية البضائع كالسكائر والبنزين.”
وأضاف: “العتب على الحكومة التي لم تعطِنا مهلة، بل سارعت برفع الصرف بشكل كبير وليس تدريجياً، وذلك ما أربك الجميع، فلو كانوا قد أبلغونا قبل مدة لكُنّا تابعنا مع المزارعين لإيجاد طرق وحلول بديلة لا ترفع أسعار البضائع بصورة عشوائية، إذ نجد فروقات كبيرة بين محافظة وأخرى، إما بحجة النقل أو غلاء المعيشة، ونحن أصحاب المحال سنتضرر بانخفاض إقبال الناس على الشراء.”
بعض تجار الجملة رفضوا بيع بضاعتهم مقابل الدينار العراقي، آخذين في الحسبان أن الدينار غير مستقر وأعلنوا عن تسلمهم المبالغ بالدولار فقط لا غير!
أحد تجار الزيوت المستوردة للعراق، فضّل التعبير عن اسمه بالحروف الأولى (ع.ح) يقول: “تعاملاتي مع تجار الخارج بالدولار وبالأقساط، وتعاملاتي مع تجار الداخل من المحافظات بالدينار وبالآجل، خسارتي هي فرق سعر الصرف الذي سأدفعه في الدفعة الثانية، فالفرق 150 ديناراً عراقياً عن كل مئة دولار، لذلك أوقفت البيع حالياً لأعرف كم سيكون سعر الصرف أو على كم سيستقر.”

تجّار العملة والسعر الجديد
البنك المركزي العراقي بدأ الأحد المصادف 20 كانون الأول الفائت بالتعامل بسعر الصرف الجديد البالغ 1470 ديناراً بالرغم من أن اليوم الذي سبقه كان سعر الصرف في البنك المركزي 1190 ديناراً.
تجّار العملة أعلنوا رفضهم التسعيرة الجديدة في الأسبوعين الأولين لسعر الصرف الجديد وطرحوا سعراً آخر هو 1300 دينار بعد أن كانوا يتعاملون بسعر 1230 ديناراً، أما البنك المركزي العراقي فلم يتجاوز بيعه للعملة النقدية سوى عشرين مليون دولار لليوم الواحد بعد أن كان يبيع مئتي مليون دولار، أما بورصة الأوراق النقدية فبدت قلقة ومترنحة ترتفع أسعارها رويداً رويداً على عكس ما كانت عليه قبل تغيير سعر الصرف.
“مجلة الشبكة” زارت ثلاثة محال صيرفة متراصة كان أصحابها يجلسون عند أبوابها، وقد رفضوا إعطاء أسمائهم الصريحة، أحدهم كان شاباً ثلاثينياً قال: “البنك المركزي له أناسه من الباعة والسماسرة، هؤلاء أحسوا بالغبن فرفضوا الانصياع لسعر الصرف الجديد ما جعلهم لا يسحبون عملة من البنك المركزي، بالمقابل نحن لم تردنا عملة جديدة فأبقينا سعر الصرف حسب إقفالنا لآخر يوم، في الأسبوعين الأولين.”
البائع الثاني، وهو ستيني، قال: “كان لدينا أمل في مجلس النواب بعد أن أبدت اللجنة المالية والاقتصادية اعتراضها الصريح وطالبت بمواجهة وزير المالية ومحافظ البنك المركزي، إلا أنهم بعد تلك المواجهة اتضح أن القرار سياسي ولا يمكن تغييره حتى من مجلس النواب، لذا اذعنّا للسعر الجديد.”
ثم أردف قائلاً: “الدولة تحاول بكل السبل توفير الرواتب التي أصبحت عبئاً على كاهلها، لذا جمعت كل السيولة المحلية من السوق لتسدّ عجزها بين التضخم والفساد.”
قاطعهم الأخير، وهو ستيني أيضاً: “الخاسرُ الوحيد هو المواطن الذي لا يمتلك إلا قوت يومه وراتبه.”

اقتصاديون عراقيون
” مجلة الشبكة” استطلعت رأي الاقتصادي العراقي (رامي جواد) الذي أوضح سبب قلة مبيعات البنك المركزي: “انخفضت مبيعات البنك المركزي إلى أدنى مستوياتها منذ سنوات بعد قراره الأخير رفع سعر صرف الدولار، يرجع هذا الانخفاض لأسباب عدة، منها الصدمة (الطبيعية) للتجار نتيجة الخوف من عزوف المستهلكين عن شراء البضائع أو عودة السعر القديم، ووفرة العملة الصعبة لدى التجار ومكاتب الصيرفة والمواطنين، إذ سبق للبنك بيع كميات كبيرة قبل قرار رفع السعر ووصلت المبيعات النقدية اليومية في الداخل بمعدل 20 مليون دولار.”
وأضاف: “أصدر مجلس القضاء الأعلى قبل أسبوع بياناً أوضح فيه اتخاذ الإجراءات القانونية بحق 13 مصرفاً ممن يشترون الدولار عبر نافذة البنك المركزي دون وجود تصاريح كمركية تثبت دخول البضائع إلى العراق وتقديمهم وثائق مزورة بخصوص ذلك، ما سبّب عزوف تلك المصارف حالياً عن شراء الدولار من البنك المركزي بسبب الإجراءات القضائية.”
وحين سؤالنا له عن عدم ارتفاع سعر الصرف في مكاتب الصيرفة قال: “يحاول كثير من المضاربين عرض الدولار بسعر أرخص من السعر الرسمي في محاولة لإثارة الرأي العام وإشاعة أخبار بأن مجلس النواب سيصدر قراراً بالعودة إلى السعر القديم، في حين أن اللجنة المالية البرلمانية أصدرت بياناً أوضحت فيه (أن رفع السعر شأن حكومي ومن صلاحيات الحكومة حصراً)، وقد يستخدم بعض المضاربين تلك الأخبار لغرض سحب الدولار من المواطنين بأسعار منخفضة.”

تغير سعر الصرف والراتب
كم خسر الموظف العراقي من راتبه بعد إجراءات تغيير سعر العملة والضرائب الجديدة؟ سؤال توجهنا به إلى الباحث الاقتصادي (منار العبيدي) فأجاب قائلاً: “لأن معدل الرواتب في العراق يبلغ 948 ألف دينار، حسب جدول الرواتب وأعداد الموظفين، فسيُعتمد راتب بقيمة مليون دينار كمقياس لمدى التأثير الحاصل في راتب الموظف، المليون دينار سابقاً كانت تساوي، حسب سعر السوق، 813 دولاراً على اعتماد سعر صرف 1230 ديناراً، بعد التغييرات سيتم استقطاع مبلغ قدره 50 ألف دينار كضريبة إضافية، لذا يساوي الراتب حسب سعر السوق بالدولار 646 دولاراً على اعتماد سعر صرف 1470 ديناراً، أي أن قيمة الراتب انخفضت بمقدار 167 دولاراً، وهو مانسبته 20.1٪ من الراتب السابق، وعليه فإن ما يعادل الخمس قد استقطع من راتب الموظف، وبعبارة أخرى فإنه يمكن التوضيح بأن الموظف سيتقاضى ما يعادل عشرة رواتب من قيمة راتبه القديم في السنة الواحدة بدلاً من 12 راتباً.”
من جانبه، صرح محافظ البنك المركزي (مصطفى غالب مخيف) لشبكة الإعلام العراقي بتاريخ 20 كانون الأول 2020 قائلاً: “البنك الدولي كان قد طلب من العراق عام 2014 رفع سعر صرف الدولار إلى 1500 دينار، وموقف العراق من احتياطي العملة الصعبة ما زال جيداً.” وطالب وزارة المالية بـ”تعزيز العائدات الجمركية والإسراع بأتمتة عمل الجمارك والمنافذ الحدودية لتعظيم إيرادات الدولة.”