تأثير تكنولوجيا الاتصال في صناعة الرأي العام

1٬042

رفاه حسن /

مع انتشار استخدام تطبيقات التواصل الاجتماعي وتنامي عدد البرامج والتطبيقات التي تقدم مثل هذه الخدمات، أصبح من الممكن لأي شخص أن يصنع قاعدته الجماهيرية الخاصة بخطوات بسيطة جداً تتمثل في إنشاء حساب على أي من هذه البرامج والبدء بتدوين آرائه وأفكاره على مختلف الأصعدة: السياسية، والثقافية، والعلمية، كما أن هناك سيلاً هائلاً من الآراء والأفكار التي تطرح على منصات التواصل الاجتماعي في غضون يوم واحد.
وعندما يتبنى عدد كبير من الأشخاص رأياً أو قضية ما ذات أهمية أو تأثير، فإنها تصبح في ساعات قليلة قضية رأي عام وموضوع الساعة الذي يأخذ حيزاً ربما أكبر من حجم الموضوع نفسه، ما منح الناس حرية أكبر في التعبير عن آرائهم ومساحة أكبر لما يسمى بالديمقراطية وحرية التعبير عن الرأي، وهذا ما رافق كثيراً من الأحداث التي حدثت في دول مختلفة حول العالم، من ضمنها الدول العربية، إذ تمكنت الشعوب من نقل صوتها وعرض مظلوميتها على العالم أجمع.
لقد ساعد ذلك في بعض الحالات بإنقاذ أرواح الناس، لكن ليس للسوشيال ميديا هذا التأثير دائماً، كما أنها كانت في كثير من الأحيان سبباً في انتشار الأخبار الكاذبة والمضلِّلة التي كان لها تأثير كبير في صناعة الرأي العام في المجتمع على المستويين المحلي والعالمي. وهنا نذكر ما حدث مع دونالد ترامب، الرئيس الأميركي المنتهية ولايته، فمنذ انطلاق الانتخابات عمد إلى استخدام قاعدته الجماهيرية على السوشيال ميديا، ولاسيما على حسابه في Twitter بطريقة خاطئة جداً، إذ عمد إلى نشر الأخبار الكاذبة والمضللة عن نتائج الانتخابات، ما دفع شركة مثل Twitter إلى التصريح بأن هذه التغريدات بعيدة عن الصحة، واضطرت في بعض الأحيان إلى حذفها. ولم تكن Twitter الوحيدة التي اتبعت هذه السياسة مع ترامب في المدة الماضية، بل تبعتها Facebook وSnapchat وكل المنصات التي كان ترامب نشطاً عليها طوال تلك الفترة، ما دفعه إلى نقل تصريحاته عبر وسائل الإعلام التقليدية؛ الصحافة والتلفاز.
لكن ترامب لم يستسلم، فما إن عادت حساباته إليه حتى عاد لاستخدامها في تأجيج الرأي العام طعناً بنتائج الانتخابات، ما أدى في النهاية إلى اقتحام مناصريه مبنى الكابيتول وإثارة الفوضى والرعب في نفوس الأميركيين، كما خلّف ذلك مقتل أربعة أشخاص من بين المقتحمين. وبالنتيجة هددت Twitter وشركات أخرى بإغلاق حسابات ترامب إلى الأبد في حال عدم حذف تغريداته التي أدت إلى إثارة الفوضى.
لقد كانت هذه الحادثة هي الأولى من نوعها، ما أثار حفيظة بعض رؤساء الدول، كانت من بينهم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي لديها تحفظات كثيرة على فكرة أن تقوم شركة بإيقاف أو إغلاق حساب الرئيس الأميركي أو غيره. وقد صرح الناطق باسم الحكومة الألمانية في مؤتمر صحفي بأنه “من الممكن التدخل في حرية التعبير، لكن وفق الحدود التي وضعها المشرِّع، وليس بقرار من إدارة شركة،” كما أكد المتحدث على أن “حرية التعبير حق جوهري له أهمية أساسية، لكن هذا لا ينفي المسؤولية التي تقع على عاتق هذه الشركات في حال انتشار المعلومات المغلوطة والمضللة والمثيرة للشغب والفتن بين المواطنين.” لكن كما ترى الحكومة الالمانية فإن قرار الإيقاف أوالتحذير بإيقاف حساب شخص بأهمية رئيس دولة هو قرار مهم يجب أن يخضع للقوانين والحدود التي يضعها المشرع.
بهذا نرى أن تكنولوجيا الاتصالات وبرامج التواصل الاجتماعي لا تختلف عن غيرها أبداً، فهي سلاح ذو حدين، إذ لا يمكن أن ننكر أهمية الصوت المسموع الذي منحته هذه المنصات لكثير من الأشخاص والقضايا المهمة، لكنها أيضاً أفسحت المجال لكل من هبَّ ودبّ في أن يصرح ويدلي برأيه ويرفع صوته الذي ربما يبعد كل البعد عن صوت الحقيقة، والأكثر إخافة هو تحويل هذه التكنولوجيا إلى سلاح مخيف وفتاك بإنشاء الجيوش الإلكترونية التي تساعد أصحاب المصالح في نشر أفكارهم ومعتقداتهم وإقناع الناس بها باستخدام أساليب الترويج التي تمكنهم من الوصول إلى المستخدم ليس مرة واحدة فقط، بل آلاف المرات في سبيل ترسيخ هذه الأفكار والمعتقدات لدى المتلقي.
ولا يفوتنا هنا أن نذكر الجماعات الإرهابية التي استخدمت وسائل التواصل الاجتماعي للترويج لأفكارهم ومعتقداتهم الإرهابية والتكفيرية بتسخير تلك الجيوش الإلكترونية لنشر تلك الأفكار السامة في المجتمع، والأمثلة على استخدام تكنولوجيا التواصل الاجتماعي استخدامات سيئة وسلبية كثيرة، لكن الاستخدامات الإيجابية كثيرة أيضاً ولا حصر لها، لكن يبقى الأمر منوطاً بالمستخدم وكيفية تعامله مع هذه التكنولوجيا.