مشروع رائد في العراق والمنطقة سمك بنكهة الياسمين وحقول رز صديقة للبيئة

647

علي غني /

لا تندهش إذا ما تناولت يوماً ما في أحد مطاعم العاصمة بغداد وجبة سمك بعطر رز الياسمين، ما عليك إلا أن تشكر أساتذة كلية علوم الهندسة الزراعية في بغداد، فهم من أدخلوا هذ المشروع المبتكر.
لكن ما يحز في القلب أن هذا الابتكار مايزال معلقاً على رفوف الكلية التي تنتظر إطلاق سراحه للمواطنين، ليتذوقوا لأول مرة في العراق سمكاً بطعم الياسمين، مودعين الطعم والنكهة التقليديين لأسماك البحيرات، فتعالوا معنا لندخل أعماق التجربة.
لماذا لا تطبق؟
قادني الدكتور (محمد شاكر محمود الخشالي)، معاون العميد في كلية علوم الهندسة الزراعية في جامعة بغداد، صاحب فكرة مشروع تربية الأسماك مع الرز في العراق، إلى موقع البحث الذي لا تتجاوز مساحته 400 متر مربع في الجادرية، الذي يقع ضمن نطاق الجامعة فسألته: ما العلاقة بين الرز والأسماك؟ فأجاب: منذ عشرين سنة وأنا أتابع البحوث المتعلقة بتطبيق تقانة تربية الأسماك في حقول الرز، وكثيراً ما سألت نفسي، لمَ لا نستخدم هذه التقانة في العراق حتى الآن، ونحن نمتلك في بلدنا مقومات نجاح هذه الطريقة؟
وصلت الفكرة.. ولكن
حملت فكرة المشروع، التي تعبت عليها سنوات وتحملت لأجلها الحر والبرد وأنا أراقب التجربة (الكلام للخشالي) إلى وزارة الزراعة، وألقيت كل ثقلي لأوصل فكرة المشروع إلى المسؤولين في الوزارة، وألقيت محاضرة بحضور وكلاء الوزارة، فاقتنعوا بالفكرة، لكن الأزمة المالية التي عصفت بالعالم في عام ٢٠١٥ حالت دون تنفيذ المشروع، فتأثرت كثيراً لأني تعبت، وكنت أحلم بتطوير وتحسين الثروة السمكية في العراق، لكنني لم أستسلم لليأس.
مشتركات عديدة..
سألتُ الدكتور الخشالي: ما المشتركات بين الرز والأسماك، فأجاب: محصول الرز ينمو في أرضٍ مغمورة بالمياه ولا تنقطع عنه المياه طوال مدة زراعته، كذلك الأسماك، فهي بطبيعتها حيوانات مائية تتخذُ من الماء وسطاً للمعيشة والنمو, وإن التـربة المفضلة لمزارع تربية الأسماك التي تُلائم نمو الرز أيضاً هي التـربة الطينية التي تمتاز بخصوبتها وغناها بالمغذيات والمواد العضوية وقدرتها على الاحتفاظ بالماء فضلاً عن صفة مشتركة أخرى هي تشابه توقيت موسم التربية والزراعة بالنسبة للأسماك والرز.
عجائب كثيرة
يواصل الخشالي حديثه قائلاً: إن فضلات الأسماك سماد مجاني مفيد جداً في زيادة خصوبة التربة لمحصول الرز وبذلك تنتفي أو تقل الحاجة للأسمدة الكيمياوية أو العضوية وتجنب آثارها السلبية من الناحيتين البيئية والاقتصادية, كما أن الحركة الدائمة للأسماك في حقل الرز تعمل على تهوية التربة وإطلاق المغذيات nutrients مثل الفسفور والنتروجين اللذين يزداد امتصاصهما من قبل نبات الرز. من جانب آخر تساعد الأسماك المربّاة في حقول الرز بالقضاء على بعض الحشرات والطحالب والديدان الضارة بمحصول الرز لأنها تمثل غذاءً للأسماك، وذلك يساعد المزارع في تقليل استخدام المبيدات الحشرية أثناء زراعته لمحصول الرز، وربما تنعدم الحاجة إليها، وهذا مفيد من الجانب البيئي والاقتصادي.
تبادل منفعة..
وبينما كنتُ أتأمل المساحة الصغيرة من الأرض التي طُبق عليها المشروع، حدثني الدكتور الخشالي قائلاً: إن علاقة تبادل المنفعة الموجودة بين محصولي السمك والرز والعوامل المشتركة بينهما تستدعي التفكير في إمكانية استغلال التربة المُشبّعة بالمياه والمزروعة بالرز في استزراع الأسماك بعد إجراء بعض التحويرات في حقل الرز على أمل أن يتم إنتاج بروتين حيواني ذي قيمة تغذوية عالية بأسعار رخيصة تسدّ حاجة نسبة كبيرة من السكان أو الفلاحين المنتفعين من هذا العمل، ولاسيما أن سعر كيلو السمك يفوق سعر كيلو الرز، وأن المساحات المستخدمة في زراعة الرز كبيرة جداً في العراق تبلغ أكثر من 100 ألف هكتار (المساحات الشلبية في العراق تقدر بـ 430 ألف دونم) ما يسهم في إنتاج كميات جيدة ومقبولة من الأسماك في موسم زراعـة الـرز.
صديق للبيئة..
الأستاذ الدكتور (كاظم ديلي حسن)، عميد الكلية، قال: إن الكلية تبنّت المشروع لأنه من المشاريع الصديقة للبيئة، وهذا توجه عالمي، لأننا سننتج غذاء صحياً بعيداً عن الملوثات، إلى جانب أن المشروع ينتج محصولين هما الرز والسمك، وهما أهم محصولين في العالم، ولاسيما في الدول النامية، وبصراحة وبكل اعتزاز(الكلام للدكتور ديلي) فإننا لا نحتاج في هذا المشروع إلى الماء لأن الرز مغمور أصلاً فيه، وإذا احتجنا للماء، فسنحتاج إلى كميات بسيطة جداً، لأننا نحفر خنادق بعرض٥٠ سنتمتراً وبعمق ٨٠ -١٠٠ سنتمتر، لننتج أسماكاً عالية الجودة، وقد تذوقها الأساتذة، فكانت شهادتهم (علامة للجودة).
إعمام المشروع..
نعود إلى صاحب فكرة مشروع تربية الأسماك في حقول الرز الدكتور محمد الخشالي، الذي أكد لي أنه يتمنى إعمام المشروع الذي أثبت نجاحه بالتجربة على محافظات العراق، وأنه على استعداد لمساعدة الفلاحين أصحاب حقول الرز وتزويدهم بجميع المعلومات التي تتعلق بتربية الأسماك مقابل مبالغ بسيطة كاستشارية تعود إلى كلية علوم الهندسة الزراعية التي تبنت فكرة المشروع.
أسماك طبيعية..
واقول لك حقيقة “حكى لي أحد المواطنين الذي يعيشون في الولايات المتحدة أن سعر كيلو سمك الكارب الشائع يبلغ خمسة دولارات، في حين أن الأسماك نفسها التي تربى في الأماكن البعيدة عن التلوث وبدون استخدام الأسمدة والمبيدات تباع بخمسة وعشرين دولاراً.”
ميزات عديدة..
الدكتور (خضير جدوع) والدكتور (صدام حاتم)، التدريسيان في قسم المحاصيل الحقلية، أوضحا لنا مميزات تربية الأسماك في حقول الرز مؤكدين، وبثقة عالية، أن حقل الرز يمثل بيئة مناسبة وملائمة لاستزراع الأسماك، كما أن هذه الطريقة آمنة من النواحي كافة، فهي صديقة للبيئة، كما أن كلفة تحوير حقل الرز عادة ما تكون بسيطة جداً لا تكاد تذكر، إذ أن المُزارع يمكنه الاحتفاظ بكثير من الخيارات في التصرف بالإنتاج السمكي، كما يسهم في زيادة إنتاج محصول الرز بشكلٍ واضح وبنسبة ١٠-١٥ بالمئة، وتسهم الأسماك المرباة في حقول الرز بالقضاء على الحشرات الضارة والطحالب والديدان الضارة، إلى جانب كون فضلاتها سماداً طبيعياً.
مقترحات..
إن تطبيق هذه التجربة سيحقق لنا زيادة الثروة السمكية وتحسين نوعيتها، وإشاعة ثقافة الصحة الطبيعية، كما أنها ستسهم في خفض أسعار الأسماك في السوق المحلية في عموم العراق، ونحن بأمسّ الحاجة إلى دعم الاقتصاد المحلي، كما أن فكرة المشروع بسيطة يمكن تطبيقها وضمان نجاحها، فضلاً عن تشغيل الأيدي العاملة. لذلك ندعو مجلس الوزراء ووزارة الزراعة إلى تبني هذا المشروع الذي يتوفر على عناصر نجاحه كلها ويكاد لا يكلف شيئاً.