حقدها دفعها الى ارتكاب جريمة مروعة
رجاء خضير /
كان (م….) يناجي نفسه بالكلمات التي وضعتها في المقدمة وهو ينتظرني، ولم أحاول مقاطعته حتى انتهى وانتبه إلى وجودي. بدا شابا وسيما رغم الحزن العميق الواضح في عينيه وتقاطيع وجهه، عمره ٢٩ سنة وينتظر أن تنال شقيقته وابنة عمه قصاصهما العادل.
كان (م….) يناجي نفسه بالكلمات التي وضعتها في المقدمة وهو ينتظرني، ولم أحاول مقاطعته حتى انتهى وانتبه إلى وجودي. بدا شابا وسيما رغم الحزن العميق الواضح في عينيه وتقاطيع وجهه، عمره ٢٩ سنة وينتظر أن تنال شقيقته وابنة عمه قصاصهما العادل.
أحب (م..) زميلته (ص…) التي كانت تدرس معه في كلية الآداب، في قسم قريب من قسمه، ولم يفاتحها بشعوره تجاهها، وفِي بداية المرحلة النهائية، تجرأ وسألها إن كانت مرتبطة، وأسعده جوابها بالنفي ليبلغها بحبه وبأنه يريد الارتباط بها بعد التخرج، وجاوبته بابتسامة وبأنَّها كانت تنتظر هذا اليوم فهي تحبُّه أيضا. وأصبحا منذ ذلك اليوم لا يفترقان الا أثناء المحاضرات. وبعد أيام من التخرج، فاتح والدته للذهاب إلى خطبتها بارّاً بوعده لها. “وابنة عمك التي باسمك منذ ولادتكما، ماذا سيقول أبوك وأنا لأهلها؟”، قالت له والدته، فضحك (م…) وقال لها: “يا أمي هذه العهود والاتفاقات قد أكل عليها الدهرُ وشرب، وهي عادات لا تصلح لزمننا، ارجوك يا أمي”.
لكن كل نقاشاته مع والديه كانت سقيمة وتدخل خاله وأقرباء آخرون محاولين إقناع والديه باختياره الفتاة التي يريد الارتباط بها وأبلغوهما بأنَّ ارتباط (م…) رغما عنه بابنة عمه سيحول حياتهما إلى جحيم، ووافق الوالدان على مضض بشرط أن لا يتم الزواج قبل أن يجد عملاً وأن تسكن العروس معهم، في بيت أهله. وافق (م..) على الشروط وتمت الخطوبة ووافق أهل (ص..) على شروط والديه رغم أنَّها كانت الابنة الوحيدة والمدلّلة جدّاً لوالدين مهندسين وفرا لها حياة مرفهة.
بعد الخطوبة بأشهر معدودة، وجد (م…) عملا في شركة استيراد خاصّة وتم الزواج وجاءت (ص…) للعيش مع أهله وجعل تواضعها وبساطتها وحبها لزوجها واحترامها لأهله أن يحبها الجميع عدا شقيقته (ع..) التي تكبره بسنتين والتي لم تتزوج بسبب عصبيتها وحبّها للقيل والقال كما أنَّها لم تتمكّن من إكمال دراستها بسبب كسلها، ويبدو أن عدم تقدم أي شخص، غريب أو قريب، لخطبتها قد دفعها إلى افتعال المشاكل بين الاخوة وبين والديها، وبدأت تستخدم قواها الشريرة هذه ضد (ص..) العروس الشابة التي يحبها الجميع، وحين سألها (م…) عن سبب كرهها الواضح لزوجته، جاوبته “الحب من الله وهذه قسمتها، لم يجعلني الله أحبها”!
ويكمل (م..) قصته قائلا: “شكوتُ أمر شقيقتي لأمي التي حدثتني طويلاً عن معاناة أختي لإحساسها بأنها غير محبوبة واقنعتني أمي أن نتعامل معها بحب وحنان وحتما ستتغير يوما”.. وأصبح (م….وزوجته ص….) يعاملان (ع..) بمحبة كبيرة ويغفران لها ما ترتكبه ضد (ص..) واستمرار الاعيبها للإيقاع بها مما اضطر (م…) أن يراقبها بدون علمها كي يحمي زوجته الطيبة وكان يخبر والدته بكل التفاصيل لتطالبه بدورها بالصبر.
في يوم وهو يتهيأ للذهاب إلى عمله، سمع صدفة أن شقيقته (ع…) تتحدّث إلى ابنة عمه التي أرادوها زوجة له، وفهم من خلال المحادثة أن الخطط التي تنفذها ضد زوجته إنما هي (ابنة عمه) من ترسمه لها. وأسرع إلى والدته لتسمع باذنيها ما يجري ضد زوجته.. بينما دخل إلى غرفته وطلب من (ص…) جمع ملابسهما وأغراضهما بسرعة وسيذهبان للعيش مع أهلها ريثما يؤجر بيتا قريبا منهم. حاولت (ص) أن تعرف سبب هذه السرعة في اتخاذ هكذا قرار “لم أقل لها شيئاً خشية عليها وعلى الجنين الذي يتحرك في أحشائها”. على أي حال، قد تكون خمنت بأن تصرفات شقيقته السبب، ولم يبلغ (م…) أي شخص في العائلة، حتى والده، بسبب قراره احتراما لوالدته التي طالبته بالسكوت وعدم الحديث عما سمعا في تلك المحادثة.
يضيف (م…): ” لم تطل إقامتنا عند أهلها، وسرعان ما استأجرنا مشتملا قريبا من بيتهم وتنفّسنا الصعداء، فقد تخلصنا من الدسائس والكلمات الجارحة.. لكنني كنت دائما قلقا عليها حين أذهب إلى عملي, وحينما أعود أقبلها وأشكرها لأنها التزمت بتعليماتي بعدم فتح الباب لأي طارق حتى وإن كان أقرب الناس وكلما سألتني عن سبب خوفي وقلقي ومنعي إياها من زيارة أهلي، كنت اتهرب من الجواب احتراما لكلمة أمي”.
وبقلق كبير، سافر (م…) إلى إحدى المحافظات بطلب من صاحب الشركة التي يعمل بعد أن فشل في إقناعه بعدم الذهاب، وأودع زوجته، كما يقول، أمانة عند أهلها مع رجاء بأن لا يسمحوا لها بالذهاب إلى بيتهما لوحدها، وبعد استماعه إلى التعليمات، سأله والدها إن كان هناك أي خطر يهدّد حياة ابنته، ولم يجبه سوى بابتسامة قلقة بدورها.
لاحظ زميله في المكتب الذي سافر معه للانتهاء من أعمال الشركة، قلقه جعله يسأله عما به، فحدثه (م…) بالقصة وسبب قلقه عليها بعد ما سمعه في تلك المحادثة، مما دفع صديقه إلى الضغط عليه ليعود فورا وإبلاغ (ص..) وأهلها ليحذروا شقيقته وابنة عمه. اقتنع (م…) برأي زميله وقرّر العودة في الصباح التالي لكن مخابرة من والدته جعلته يؤجل القرار، إذ أبلغته بأن شقيقته وابنة عمه قررتا السفر إلى تركيا، أفرحه الخبر وطلب من والدته أن تمنح شقيقته مبلغا من المال هدية منه سيرده اليها حين عودته ..
يكمل (م…): “لم يدر بخلدي أن هذا المبلغ سيكون ثمناً لأداة الجريمة ضد زوجتي”.. فقد ذهبتا للاختباء، بينما الجميع توقعوا أنهما سافرتا بالفعل وهكذا توقع (م..) أيضا الذي كان يتصل على مدار الساعة بزوجته للاطمئنان عليها.. وبعد سفر شقيقته وابنة عمه الافتراضي، اتصل (م..) بزوجته وأبلغها بأنَّه سيكون في البيت غداً.
استأذنت (ص..) بالذهاب إلى بيتها لتنظيفه وتهيئة الأطعمة لزوجها وأبلغتها والدتها بأنها ستلحق به فور أن تنتهي من الطبخ. و(ص..) في بيتها، دق الباب وسارعت إلى فتحه متوقعة أن القادم والدتها، لكنّها تفاجأت بـ(ع…) وابنة عمها، دعتهما إلى الدخول ورحبت بهما، وهي في المطبخ لتحضير الشاي لهما، فلم يبلغها زوجها بكمية الشر الذي تحملانه ضدها.. إذ هجمتا عليها في المطبخ، مسكت ابنة العم يديها لتمنعها من الدفاع عن نفسها وصوبت شقيقته المسدس إلى رأسها.. وسمع (م..) أثناء التحقيقات اعترافاتهما، إذ قالت شقيقته بأنّ نوبة هيستيرية انتابتها لتفرغ كل الرصاصات في أنحاء جسد زوجته وقتلها مع جنينها. وبعد أن نفذتا جريمتهما، غادرتا البيت وجاءت الأم واستغربت لأن الباب مفتوح، لكنّها ما إن دخلت البيت اكتشفت الجريمة واتصل الأهل به، عاد (م…) فوراً واتهم دون تردد شقيقته وابنة عمه اللتين تم التوصل إلى مكان اختبائهما من خلال متابعة إشارات هاتف (ع..)..
“نعم أنا نادم لأنّني لم أحذر زوجتي وأهلها ونادم لأني بدل أن أقنع والدتي بخطورة خططهما وبنفسيتهما الشريرة، أطعتها بعدم إبلاغ الآخرين وزوجتي”، يقول (م..) ويضيف أن والدته ندمت أيضا، ولات ساعة مندم..
تم تحويل (ع…) إلى الطبيب للتأكد من قواها العقلية، بينما ابنة عمه لم تظهر أي دلائل تشير إلى خلل عقلي وعبّرت عن حقدها على (ص..) وأصرّت بأنها ليست نادمة..
ينهي (م….) حديثه قائلا: “خسرت زوجتي الحبيبة وابني الذي لم يرَ الدنيا, وأنا لستُ نادماً على أقسى العقوبات التي ستتخذ بحق اختي وابنة عمي, اللتين اعترفتا بكل شيء وأنا أيضاً استحق العقاب لسكوتي وإخفائي حقيقة مكر شقيقتي والحقد الشرير لابنة عمي”…