مقام السيدة زينب (ع) في القاهرة..مركز اشعاع روحي

695

اسراء خليفة /

في وسط القاهرة، حيث مقام السيدة زينب، حفيدة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، نشأ واحد من أعرق الأحياء في القاهرة. وقد سمي الحي باسم السيدة زينب (ع) تكريماً لمنزلتها الرفيعة. والسيدة زينب هي بطلة كربلاء وابنة الإمام علي، وأمها فاطمة الزهراء عليهم السلام أجمعين. ووفقاً لبعض الروايات فإنها جاءت إلى القاهرة منفية من دمشق واتخذت هذا المكان مقراً لإقامتها.
وبعد وفاتها تحول المكان إلى مزار يؤمه المسلمون في مصر والدول الإسلامية، ويقيم فيه مريدوها وأتباع آل بيت النبوة، ولاسيما المتصوفة، في مجالسهم ومناسباتهم وطقوسهم الدينية، حيث نفحات السيدة زينب الكبرى عليها السلام.
يشتمل المقام على قبتين صغيرتين وتعلوه منارة، ويتكون من ضريح على شكل غرفة زجاجية دفن فيها عالمان جليلان هما (عبد الرحمن العيدروس) و(محمد العتريس)، اللذين ينتهي نسبهما إلى الإمام الحسين عليه السلام، وقد أوصيا بدفنهما إلى جانب مقام السيدة زينب بعد أن عاشا إلى جانبه.
أهمية روحية وتاريخية
قبالة المقام الشريف يقع (بيت السناري) التاريخي، وهناك تحدث مساعد رئيس الحي (مصطفى مراد) عن الأهمية التأريخية والدينية لمقام السيد زينب عليها السلام، ويرى مصطفى وجود مقام السيدة زينب في قلب القاهرة أمراً مهماً للمصريين، فحول المقام الشريف نشأ حي السيدة الجليلة زينب بنت الإمام علي وأخت الحسن والحسين عليهم السلام أجمعين، وهو من أعرق الأحياء في مصر.
على مقربة من المقام الشريف تقع بعض أهم الأماكن الأثرية والتاريخية، منها مسجد أحمد بن طولون ومسجد زين العابدين (ع) ومتحف الأندلس وبيت السناري ومسجد السلطان الحنفي والشيخ صالح. يتميز حي السيدة زينب عليها السلام بالمطاعم الشعبية التي تجذب كثيراً من المشاهير لارتيادها، ولاسيما عند وجبة السحور في شهر رمضان. كما توجد فيها منطقة (قلعة الكبش)، وهي من المناطق الشعبية المشهورة في الحي، ومن هذا الحي العريق خرج كثيرٌ من العلماء والأدباء والمشاهير كما برز فيه فنانون ونجوم كعادل إمام ونور الشريف.
يقول مصطفى مراد إن تاريخ بناء المسجد غير معروف، لكن جرى تجديده في زمن الدولة العثمانية عام ١٥٧٠م في عهد علي باشا، وكان لها مسجد صغير في أحد الأفرع الصغيرة. وعلى الرغم من أن المصريين لا يجزمون أن السيدة زينب عليها السلام مدفونة في هذا المقام، إلا أن المقام ظل على الدوام يحظى بقدسية ومكانة روحية لمحبي آل البيت، بل إن بعض المصريين يعتقد أن هذا هو المقام الوحيد للسبدة زينب عليها السلام.
وأشار معاون رئيس الحي إلى تاثير جائحة كورونا على توافد الزوار للمقام، فوفقاً للتعليمات الصحية فإن المقام الشريف لا يفتح إلا وقت الصلاة ويقفل مرة أخرى ولا يسمح للزائرين بدخول المقام لكن يسمح لعدد محدود منهم بأداء فريضة الصلاة، كما منعت كل الفعاليات مثل الموالد وغيرها، أما الزائرون الأجانب فإنهم يؤدون مراسم الزيارة خارج أسوار المقام الشريف وهو جزء من الإجراءات الاحترازية الشديدة بسب جائحة كورونا.
نفحات إيمانية
على مقربة من باب المقام الشريف يجلس أحد مريدي السيدة زينب وآل البيت عليهم السلام وهو (الشيخ علي فريحي يوسف حسن الجعفري) الذي قدِم من أسوان منذ سنين طويلة ويمضي حياته هنا في المقام الشريف ينهل من نفحات المقام المقدس وروحانياته. ويرفض الشيخ أي رأي يقول إن هناك مقاماً ثانياً للسيدة زينب (ع) في أي مكان غير القاهرة. ويؤمن أن مقام السيدة زينب في مصر ويستشهد بالتاريخ على قوله، فبعد أن نفيت السيدة زينب عليها السلام من دمشق طلبت أن تعيش في مصر حيث استقبلها والي مصر وأهل مصر استقبالاً رائعاً وغمروها بالمحبة والتكريم، وتبركوا بنسبها الشريف.
وبعد الحفاوة التي لقيتها السيدة زينب ومن معها، دعت دعوتها الشهيرة لأهل مصر فقالت: “أهل مصر، نصرتمونا نصركم الله، وآويتمونا آواكم الله، وأعنتمونا أعانكم الله، وجعل لكم من كل مصيبة مخرجاً ومن كل ضيق فرجاً.” ويضيف أن السيدة استقرت في أرض مصر ووهبها والي مصر آنذاك قصره كله للإقامة فيه، لكنها اكتفت بغرفة واحدة فقط في القصر، وأقامت هذه السيدة الشريفة في هذه الغرفة وجعلتها مكاناً لتعبدها وزهدها، وتحولت هذه الغرفة بعد وفاتها إلى مقامها الآن، فتسمى هذه الغرفة مقام السيدة زينب.
وبحسب روايات يستند إليها الشيخ الجعفري فإن السيدة زينب أوصت قبل وفاتها بأن يتحول باقي القصر إلى مسجد، فكان لها ذلك، وتحول قصر الوالي إلى مسجد السيدة زينب وهذا هو التاريخ الذي يعتقد به أغلب المصريين، وأنا منهم، ولا يمكن أن يكون مقامها في مكان آخر.
حضور عراقي
ويعد مقام السيدة زينب عليها السلام واحداً من أهم الوجهات التي يحرص العراقيون على زيارتها، ولا عجب فإن العراقيين يسعون إلى التقرب من آل بيت النبي ونيل شفاعاتهم ويعدون زيارة أضرحتهم ومقاماتهم واجباً لابد من أدائه إذ تنتعش قلوب الزائرين بنفحات الإيمان والسكينة من مراقدهم ومقاماتهم المقدسة.
وحول المقام الشريف وقريباً منه يمكنك رؤية العائلات العراقية يؤدون زيارة المقام الشريف الطاهر ويقيمون الصلاة ويطلبون الشفاعة والبركة من السيدة زينب عليها السلام. تقول (أم علي)، وهي سيدة عراقية مقيمة في القاهرة، إنها معتادة على زيارة مقام السيدة زينب وقد اعتادت أن تناجي السيدة زينب وتشكو لها همّها وترجو شفاعتها عند الله.
وقد حظي المقام بتبجيل المصريين الذين ينادون السيدة زينب بـ(الطاهرة) و(أم اليتامى) و(أم العواجز)، أما المتصوفة منهم فقد ارتبطوا بعادات وطقوس يؤدونها في المسجد، ففي شهر رجب من كل عام يقيمون ميلاد السيدة زينب في احتفال يسمونه (المولد)، فيزينون المنطقة وحرم المسجد، ويوزعون الهدايا والحلويات بين الناس في شوارع المنطقة، وينشرون الخيم في كل مكان لإيواء مرتادي الطرق الصوفية الذي يأتون من كل مكان في مصر، تاركين أهليهم حباً بالسيدة زينب وآل البيت، وطمعاً في بركتها وفي أن تخفف عنهم هذه الزيارة بعض همومهم كما يأتون ليفوا بنذر معين، فيوزعون الهدايا بين الفقراء والدراويش.
وفي زيارتك لمقام السيدة زينب (ع) في وسط القاهرة، وسواء أكانت مدفونة هنا أم لا، فإنك تشعر بنفحات روحية تمدك براحة نفسية وشوق كبير لرؤية أبناء رسول الله (ص) وآل بيته الأشراف الأطهار، وحين تنتهي الزيارة تجد نفسك مشوقاً للزيارة مرة أخرى.