هل خرجت مهنة الطب عن مسارها الإنساني؟

500

سرمد رزوقي /

تصنف مهنة الطب على أنها من أهم المهن التي تحمل الرسالة الإنسانية بين جميع المهن الأخرى، وأن على عاتق حاملها تقع أثقل صفة عرفتها البشرية، ألا وهي الأمانة التي يجب أن تصان بالصورة الصحيحة، لأنها تتعامل مع حياة الناس بمختلف أجناسهم وأطيافهم وطبقاتهم.
وما بين وجود أطباء يحملون القيم الإنسانية العليا، وآخرين يتخذون من المهنة تجارة مربحة على حساب المواطن، تختلف وجهات النظر بين هذا وذاك، فضلاً عن ممارسات أخرى كرفع أسعار المعاينة (الكشفية) في العيادات الخاصة وأجور التحليلات والسونار والأشعة خارج الضوابط التي وضعتها الجهات المعنية، وغيرها من المتطلبات التي يحتاجها التشخيص الطبي للحالة، وأيضاً طبيعة اختلاف تعامل الطبيب عندما يكون في المستشفى العام أو في عيادته الخاصة، واتفاق بعض الأطباء مع صيدليات ومختبرات دون غيرها.
كل ذلك يشير إلى وجود فجوات كثيرة في مجتمعنا على مدى السنين. وللوقوف على حقيقة ما يجري، نعرض بعض الحالات التي واجهت المراجعين ونستمع أيضاً لرأي الجهة المختصة المسؤولة عن المتابعة والإشراف على عمل الطبيب، وهي نقابة الأطباء العراقيين.

اختلاف التشخيص الدقيق بين طبيب وآخر
(أحمد أمجد) اصطحب والده الذي كان يشكو من ألم في بطنه (في المعدة) إلى عيادة أحد الأطباء، وبعد إجراء الكشف عليه، قرر الطبيب أن يخضعه إلى الفحص بالناظور، لكن المفاجأة التي لم أكن أتوقعها أن الطبيب أصر على أن تكون من خلال فتحة المخرج.
وبعد مناقشات طويلة، طلبت منه مهلة لبضعة أيام لمناقشة الموضوع مع أفراد العائلة للوصول إلى نتيجة. وعندما عقدنا الاجتماع العائلي، لم نتوصل إلى قناعة بكلام الطبيب فقررنا أن نعرض أبي على طبيب آخر. وبعد فحصه من قبل طبيب متخصص واطلاعه على التقارير والتحاليل وجميع الفحوصات التي أجراها مسبقاً، كتب له وصفة علاج، ما إن أخذها حتى تماثل للشفاء ويتمتع الآن بصحة جيدة.

اتفاقات ترهق كاهل المواطن
المواطنة ( ن . ع )، تبلغ من العمر 25 عاماً رفضت ذكر اسمها، تقول: أعاني من مشاكل في الغدة الدرقية، فراجعت طبيباً اختصاصياً، وبعد الفحص كتب لي حبوب (نيوميركازول) الخاصة بمعالجة الغدة الدرقية، فضلاً عن أنواع من علاجات أخرى، صرفت العلاج من صيدلية غير التي أشار علي الطبيب بها، وعندما رجعت للطبيب قال لي إن هذا العلاج خطأ وهو غير المكتوب في الوصفة، فاضطررت لإرجاع العلاج وصرفه من الصيدلية التابعة للمجمع الذي يعمل فيه، لكن سعر العلاج قد تضاعف، وكانت حالتي تستوجب الإسراع بتناول العلاج وعدم الانشغال بقضية تبعية الصيدلية وما إلى ذلك.

تلاعب بوصفة العلاج
يقول المواطن (حامد عباس): راجعت طبيباً متخصصاً بعلاج المفاصل التي تعاني منها ابنتي، وبعد إجراء الكشف وبعض الفحوصات وصف لها قائمة علاج طويلة، من ثم عدت بها للمنزل لأمر ضروري، وصرفت العلاج من صيدلية في منطقة سكني، لكن الصيدلاني فاجأني بأن أغلب العلاجات مكررة بأسماء مختلفة ولا يجوز استخدامها في آن واحد، فحجب الأدوية المكررة بحيث أصبح مبلغ الوصفة مناسباً جداً، وبعد يومين ذهبت للصيدلية التي يتعامل معها الطبيب وسألتهم عن تكلفة الوصفة بالكامل فقالوا إنها تبلغ مئة وثمانين ألف دينار، وهذا المبلغ يعادل ضعفي سعر شراء الوصفة!

تهرب
أجرت مجلة “الشبكة العراقية” اتصالات مع عدد من الأطباء، لكن بعضهم كانوا يتهربون من إبداء وجهات نظرهم الرسمية ورفضوا نشرها، وآخرون لم يجيبوا عليها أو يردوا على اتصالاتنا، البعض رمى الكرة في ملعب الآخر، كما لم تفلح محاولاتنا في الاتصال بعدد من أعضاء لجنة الصحة النيابية للرد على أسئلتنا بخصوص الموضوع.

عقوبات رادعة للمخالفين
عرضنا تلك الحالات وقضايا كثيرة أخرى على نقابة الأطباء حيث أكد الدكتور (جاسم مطشر العزاوي)، نقيب الأطباء العراقيين، أن أجور المعاينة، أو كما تعرف بـ (الكشفية) تعتمد بشكل أساسي أولاً على عدد سنيّ الدراسة وسنيّ الممارسة ، إذ أن هذين الأمرين ضروريان جداً لإعطاء تصور عن قدرة الطبيب ومهارته وخبرته في تشخيص ومعالجة المريض، فالطبيب الذي لديه عشر سنوات خدمة وحاصل على أعلى شهادة في حقل الطب، الذي يسمى (طبيباً استشارياً) تتراوح أجور معاينته بين الخمسة وعشرين ألفاً إلى الأربعين ألف دينار، وفي النية تخفيضها إلى خمسة وثلاثين ألفاً، وهذه الأرقام هي التي اقترحتها النقابة وتم الاتفاق عليها والتي يتوجب على كل الأطباء أن يلتزموا بها ولا يجوز لأي من الزملاء أن يضيف ديناراً واحداً على الكشفية خارج الحدود المقررة.
وعن مخالفات بعض الأطباء وتزايد الشكاوى عنهم بالجشع وغيره، قال نقيب الأطباء إن الحالات التي نسمع عنها في الشارع وفي الاعلام الإعلام والصحافة والأصدقاء بوجود حالات يخالف الطبيب فيها ضوابط مهنته، بالرغم من أن البعض يريد الإساءة لمهنة الطب والأطباء لأغراض لا حصر لها، ففنحن في النقابة نتعامل معها بالدليل والبرهان، وعندما تثبت حالة ضد أحد الأطباء فلا نتوانى بتطبيق القانون مطلقاً.
وعن الدور الرقابي في الإشراف والمتابعة للنقابة، يوضح الدكتور العزاوي أن دور النقابة في الحقيقة يعتمد في الدرجة الأساس على متابعة المواطن التي هي فوق كل اعتبار، لأننا نمتلك مع المواطن شراكة رقابية حقيقية، كما أننا نستمع إلى كل الشكاوى والمقترحات التي يقدمها لكي نقف على حقيقة ما يجري، فضلاً عن الفرق التفتيشية التابعة للنقابة والأساليب والآليات التي تتبعها، مشيراً إلى أن تلك الفرق تنقسم إلى لجان متخصصة: القسم الأول منها لجان تفتيشية دائمة تتابع عمل العيادات بشكل مستمر وتكون اختياراتها عشوائية في جميع أنحاء المحافظات، ترفع تقاريرها بشأن ذلك بشكل دوري. أما القسم الثاني فهي لجان متخصصة بمتابعة أية شكوى ترفع إلينا وتقوم بالتحقيق الفوري للوقوف على الحقائق، فضلاً عن وجود لجنة انضباط عملها متابعة أية شكوى تخص الأخلاق المهنية أو الأخطاء الطبية، وهي منتخبة وسلطتها مطلقة لا يتدخل في عملها إلا القضاء، وعقوباتها تكون إدارية تبدأ بالتنبيه أو الإنذار والغرامة وتصل إلى غلق العيادة من ستة أشهر إلى سنتين أو غلقها بصورة دائمية، ولا يستطيع أي كان تغيير قرارها إلا المحكمة الإدارية العليا، كما أن لديها فقرة أنها في بعض الحالات يمكن أن تعدل عن قرارها بعد أن يقدم الزميل استرحاماً وتعهداً بأنه لن يكرر الخطأ، ويكون تعديل القرار شرطياً، أي مع وقف التنفيذ، ويبقى الزميل لفترة من الزمن تحت المراقبة والمشاهدة، مبيناً أن عشرات من الحالات التي تم إثباتها طالت أصحابها عقوبات مختلفة، سواء أكانت من خلال الشكاوى أو من التفتيش المفاجئ، مؤكداً أن الأشهر الأخيرة شهدت عقوبات بإغلاق ثلاث عيادات لأطباء مارسوا أعمالاً تخالف تعليمات وتوجيهات منظمة الصحة العالمية فيما يخص معالجة المصابين بفايروس كورونا المستجد.
كما أشار السيد النقيب إلى قضية الاتفاقات بين الطبيب والصيدلي أو صاحب المختبر أو السونار أو الناظور .. الخ، بأن هذه الممارسات مرفوضة ونعمل على كشفها بالتعاون مع المواطن بشرط وجود الأدلة القطعية وإن ثبت ذلك فقد تصل العقوبة إلى غلق عيادة الطبيب.