مراجيح العيد.. هزمتها تكنولوجيا الألعاب

592

ضحى مجيد /

تركت الجائحة آثارها على تفاصيل حياتنا ومن بينها طقوس الأعياد والمناسبات، فاختفى بفعل الخوف من تفشي الفيروس كثير من العادات الجميلة التي ارتبطت في ذاكرة الناس بتلك المناسبات، ومن بينها الألعاب والملاهي الشعبية أو “المراجيح”.
كثيرة هي الحكايات والقصص عن ملاهي الأطفال التي كانت قبل عقود من الزمن تسمى مراجيح العيد، وكانت تقتصر على ملاهٍ بدائية وبسيطة تنتشر في ساحات فارغة داخل الأحياء والأزقة السكنية، ومع دوران عجلة التكنولوجيا باتت تلك الألعاب غير قادرة على المنافسة مع مدن الألعاب المتطورة الموجودة في أغلب المدن. وعززت جائحة كوفيد 19 نزعة الأطفال الى الألعاب التكنولوجية التي حققت أرباحا هائلة خلال الحظر، لكن تلك الألعاب ما زالت حاضرة تداعب ذاكرتنا، بجمالها وبراءتها.
يحاول (حسين محسن ابو ياسر، 60 عاماً) وهو صاحب ملاهي أطفال شعبية في أحد أزقة بغداد تشجيع ولديه ياسر وثامر على ديمومة مهنته بملاهي الأطفال التي تسمى شعبياً (المراجيح)، تلك المهنة التي تحاصرها التكنولوجيا والتطور بألعاب جديدة تجذب الأطفال والكبار على السواء.
يمتلك ابو ياسر عددا من الأراجيح منذ أكثر من عشرين عاماً، ويستغل ساحة كبيرة قرب بيته لنصب ألعاب مختلفة منها الأراجيح ودولاب الهواء وسواها من الألعاب الشعبية البسيطة التي يزداد الإقبال عليها في أيام العيد.
ويستذكر أبو ياسر أيام العيد في طفولته وكيف كانت هذه الألعاب المتنوعة تملأ ساحات المناطق الشعبية ويتزاحم على لعبها الأطفال.
ويعتقد أبو ياسر بحزن أن لا مستقبل للألعاب الشعبية وهو يحاول عبثاً إقناع أحفاده بممارسة الألعاب البسيطة كونها أكثر أماناً للأطفال من غيرها من الألعاب الحديثة التي تسبّب الخوف للكبار والصغار على السواء، لكنهم يحاولون إقناعي بأن الألعاب الالكترونية باتت مسيطرة على المشهد، ولا أحد يميل الى الألعاب القديمة في ظل وجود ألعاب متطورة. يقول أبو ياسر: الفرح كان يغمرنا في الماضي عندما كنا نرى أطفال منطقتنا يلهون بالألعاب المتاحة لهم ربما لأنها كانت أول الخيارات لهم لقربها من منازلهم، وكان الاقبال عليها كبيراً في المناسبات على الرغم من وجود مناطق سياحية كجزيرة بغداد ومدينة الألعاب القديمة قرب نصب الشهيد أو ما تُعرف اليوم بمدينة السندباد، لكن مع ذلك ما زال هناك إقبال على هذه الملاهي البسيطة في المناطق الشعبية، لكنه أقل مما كان عليه في الماضي.
ساحة محمد الاسود
ويقول ماجد سعيد أبو عمر (موظف متقاعد، 65 عاما) يسكن في مدينة أربيل لكنه في الأصل من أهالي منطقة بغداد الجديدة: إن الألعاب كانت تنتشر في ساحات كثيرة في منطقة بغداد الجديدة ومنها ساحة تحمل اسم محمد الاسود، كانت هذه الساحة تمتلئ بالألعاب البدائية والبسيطة في المناسبات، وكان بعض الناس يؤجرون الخيول لركوبها في جولة قصيرة مقابل مبلغ بسيط، وكنت كسائر أهل المنطقة أصطحب أولادي الصغار ونذهب للترفيه عنهم في هذه الملاهي الشعبية، وبينما نتبادل التهاني مع الجيران كان الأولاد يمرحون ويلهون بالألعاب وربما كان الاقبال عليها كبيراً لقربها من بيوت أهل المنطقة فضلاً عن الأثمان الزهيدة لركوب الأطفال في هذه الألعاب.
ألعاب جميلة وآمنة
ولاء جعفر، 35 عاماً، (موظفة في شركة طيران) تسكن في أربيل حالياً وهي أم لطفلة واحدة اسمها رزان، تقول: إن الذكريات في ملاهي الأطفال جميلة وكثيرة بالرغم من بساطتها فهي آمنة ومتاحة للأطفال، إذ يمكنهم الاستمتاع بها بسهولة. وتفيد ولاء بأنها وأسرتها الصغيرة يذهبون الى هذه المتنزهات مستغلين أيام العطل لا سيما يوم الجمعة للترويح عن النفس وترفيه الأطفال، ولعل ما يميز ألعاب اليوم في هذه المتنزهات وجود ألعاب في هيئة بالونات، وهي على الأرجح مصنوعة من المطاط، وهي أكثر أمانا للأطفال مما كانت عليه في السابق. وتأمل أم رزان أن تتوفر متنزهات أكثر تحتوي على ألعاب الأطفال لاستيعاب الزخم الذي يحصل عليها في أيام المناسبات والأعياد.
تأثير الجائحة
زيد علي 40 عاماً، موظف في متنزه تفاحة العائلي ببغداد، يقول: إن جائحة كورونا أثرت تاثيراً كبيراً في عملنا، وتضاءل الإقبال على مدن الملاهي عما كان عليه في السابق جرّاء القيود الوقائية، وأردف قائلاً: هيأنا عدداً من الألعاب المتنوعة والمختلفة، منها ما هو متطور لترغيب الأطفال بها للترفيه عنهم، وكثير من الأسر كانت تأتي إلينا صحبة أطفالها طوال السنوات المنصرمة، أما الأجور فهناك مبالغ يحددها المشرفون على المشروع كونه متنزهاً أهلياً ويحتاج تشغيله وإدامته الى نفقات كثيرة أيضاً.
مخاطر الألعاب الالكترونية
الدكتورة سوزان عامر باحثة متخصّصة في علم النفس، من سكنة بغداد، تقول: إن وجود ملاهي الأطفال البسيطة وتوفيرها بالمجان للأسر سيساعد الأطفال في الخروج ‪من قوقعة الألعاب الالكترونية التي اجتاحت البيوت نتيجة أسباب كثيرة.
‪وترى سوزان أن الألعاب الشعبية تزيد قدرات الأطفال العقلية وحبهم للجماعة، كما أن الألعاب ‬في الماضي يكون الجهد فيها بدنياً وأكثر أمناً من حيث فكرة اللعبة، وأحياناً يكون فيها اللعب بروح الفريق والتعاون، وكانت تنتهي بمجرد شعور الأطفال بالتعب البدني أو عند مغيب الشمس، لكن الألعاب الإلكترونية ليس لها وقت محدد، وهي تقوض التواصل الأسري.‬