عيد ميلاد نصف سكان العراق 1-7 تاريخ سحري أم حل بيروقراطي

862

د.حسن عبد راضي /

في الأول من تموز/ يوليو من كل عام تحل ذكرى عيد ميلاد نصف سكان العراق تقريباً، وهي حالة قد تبدو غريبة لأشقائنا العرب وأصدقائنا الأجانب، إذ يصعب تصديق أن كل هؤلاء الناس ولدوا في سنوات مختلفة لكن في ذلك اليوم نفسه؟ بينما يتقاسم نصف السكان الآخرون سائر أيام السنة على نحو طبيعي.
وعند تأمل الأمر واستقراء تاريخ العراق المعاصر، لا سيما في أواخر أيام الدولة العثمانية ثم بداية تشكل الدولة العراقية مطلع عشرينيات القرن الماضي، فسنجد جملة من الأسباب تقف وراء هذه الظاهرة، ليس من بينها أي سبب بايولوجي، أي لا يمكن تفسير الأمر تفسيراً علمياً بالاعتقاد أن نسب الحمل في أشهر معينة تزداد فتنتج زيادة في الولادات في أشهر الصيف، وتحديداً في الأول من تموز، فذلك أمر لا يستقيم وأي منطق علمي، وبالعودة إلى الأسباب الحقيقية لذلك، فمنها أن الأمية كانت فاشية في الناس، لا سيما في المناطق الزراعية التي كل سكانها من الفلاحين، وكان الفقر يسود تلك المجتمعات التي كانت تعيش الكفاف في ظل نظام إقطاعي ظالم، ولهذا لم تُسجّل تواريخ ولادات الأطفال في الأغلب الأعم، لأن الأسرة غير معنية أولاً، ولديها من شؤون العيش ومطاردة لقمة الخبز ما يشغلها وينكّد عليها عيشها، ولأن الوالدين في الأسرة نفسها لا يجيدان القراءة والكتابة حتماً، ولا توجد مراكز تسجيل ولادات ووفيات كما هي اليوم، ومعظم الأطفال يولدون في المنازل على أيدي “جدات” تعلمن مهنة التوليد والقِبالة من أمهاتهن أو جداتهن، وهكذا.
وفي هذا السياق التقينا السيد محمد بداي، منتسب دفاع مدني متقاعد، من مواليد 1/7/1955 في محافظة ميسان، فحدثنا قائلاً: كان والدي فلاحاً وكانت والدتي ربة بيت، وكلاهما “من أهل الله” لا يعرفان القراءة ولا الكتابة، وكانت العادة حين يولد طفل أن يؤرخ له أهله أما بحادثة قريبة وقعت في ذلك الوقت، أو بوفاة أحد الأعمام أو الأخوال، أو أحد شيوخ العشيرة، وإذا لم يحدث أي حادث، حزيناً كان أم سعيداً، فإنهم يقولون حينها مثلاً: إنه ولد في شهر “كصيّر” من دون تحديد اليوم ولا السنة طبعاً، وهكذا، ثم إذا اضطرتهم الحياة إلى تسجيل أبنائهم في السجل المدني وصار لزاماً عليهم استخراج وثائق ثبوتية، لم يستطيعوا أن يخبروا موظف التسجيل المدني بتاريخ ولادة كل طفل، فكان الموظف يختار أوسط أيام السنة لكي يكون أقرب إلى الصواب في تحديد التاريخ،.. يضحك بداي ثم يضيف: إن تاريخ 1/7 مثل نقطة السنتر في ملعب كرة القدم.. حيثما وقفت فأنت أقرب إليها من أي نقطة أخرى.
وترى الحاجة فاطمة أم حسين، ربة بيت، خريجة محو الأمية، مواليد 1/7/1951، أن مسألة اليوم والشهر ليست ذات أهمية، بل المهم هو تحديد السنة على نحو دقيق، تقول إنها سُجلت في الجنسية الدفترية في حينها من مواليد سنة 1951، لكن هذا غلط، لأنها ولدت قبل الفيضان بأشهر، وقد أخبروها أن الفيضان كان في عام 1954، وترى أنها ظُلمت بهذا التاريخ الذي “كبّرها” أكثر من عمرها الحقيقي!.
أما حميد جفات، العسكري المتقاعد برتبة ريس عرفاء، من مواليد الناصرية، في 1/7/1949 فيقول إن هذه التواريخ كانت تسجل جُزافاً، من غير تحقق أو تدقيق لا من الأهل أو الشخص المعني بالأمر، ولا من الجهة الحكومية المسؤولة عن التسجيل، ويرى أنهم كانوا يسجلون تواريخ ميلاد الناس “بما ينطق لسانهم” بل الأدهى من ذلك – يروي لنا جفات- أنه تطوع إلى الخدمة العسكرية بجنسية ابن عمه في حين أنه لم يكن قد بلغ السن القانونية للعسكرية، ويقول إن هذا الأمر كان شائعاً جداً لا سيما بين أبناء العشائر والفلاحين، فقد كان الرجل منهم إذا فكر في الانخراط في الخدمة “الإجبارية” كما كانت تسمى حينها، ولم تكن لديه جنسية، أو لم يكن عمره يسمح بذلك، فإنه يلجأ إلى أحد من أقربائه فيأخذ جنسيته ويسجل نفسه في الجيش أو الشرطة بتلك الجنسية وبما فيها من معلومات الاسم والعمر وغير ذلك. سألناه: هل معنى ذلك أن حميد جفات هو اسم ابن عمك وليس اسمك؟ فأجاب نعم اسمي الحقيقي ناصر هلال، لكني اضطررتً للاحتفاظ باسم حميد جفات وتزوجت وأنجبتُ أطفالاً حملوا هذا الاسم.
ستار شاتي، معلم من مواليد مدينة الثورة في 1/7/1964يقول: التقدير الاعتباطي ليوم ميلاد الطفل لم يرتبط حصراً ببيئة المحافظات الجنوبية والمجتمع الفلاحي، لقد كان شائعاً في المدن أيضاً، أنا ولدتُ في بغداد ومع ذلك تاريخ ميلادي في هوية الأحوال المدنية هو 1/7، لقد ولدت على يد قابلة وليس في مستشفى، لا يوجد بيان ولادة ولا هم يحزنون، ولذلك حين اصطحبني والدي إلى دائرة النفوس وعمري يومها قرابة خمس سنوات، لم يستطع أن يتذكر متى ولدت، ما يذكره فقط هو أنني جئت إلى الدنيا بعد “هوسة الحرس القومي” ببضعة أشهر، وهكذا لم يجد موظف النفوس سوى أن يضمني إلى قائمة مشاهير 1/7، يقولها ضاحكاً.
العميد عماد عدنان أنور مدير شؤون الأحوال المدنية في وزارة الداخلية تحدث لمجلة الشبكة عن هذا الموضوع قائلاً: في ما يتعلق بمواليد 1/7 من المواطنين في المحافظات كافة، فإن المسألة بدأت مع تعداد عام 1957، فمعظم الناس لم يكونوا يعرفون تواريخ ولاداتهم ولا ولادات أولادهم وبناتهم على وجه الدقة، فكانوا يخبرون “العدّادين” بالسنة فقط، وهكذا ظل حقلا اليوم والشهر فارغين، ثم حين بدأت مديرية الجنسية العامة في إصدار دفاتر الجنسية استلزم الأمر ذكر اليوم والشهر في تلك الوثيقة الرسمية، واستقر الرأي على المتوسط الحسابي للتاريخ بأن يكون يوم 1/7 هو اليوم الذي يدوّن في جنسيات المواطنين الذين خلت وثائقهم وتعدادهم السكاني من ذكر اليوم والشهر. ويضيف العميد عماد: واشترط في ذلك عدم تعارض تواريخ الولادات في العائلة الواحدة، ولكن لا بأس أن يكون تاريخ ولادة الأخوة 1/7 لكن في سنوات متفرقة.