وللأحزان بقية
رجاء خضير /
لا تنبض أيها القلب؟
ومنْ تتوقُ إلى لُقياه، غادرنا بلا وداع وتركنا نعدُ الأيام التي لا حقيقة لها، إذن هل كُنا سراباً! أم كنا نعيش بلا أرواح! أم ماذا؟ تذكر أيها القلب أن الأيام قد تعيدُ نفسها، ولكنها لا تعيد ما أخذته منا!
قالت (ر): اعترف أنني ارتكبت أخطاء لا تغتفر مع أنني في العقد الثالث من عمري! ولكن قبل أن تحكموا عليّ، تعرّفوا على قصتي ثم احكموا!
تبدأ (ر) حكايتها: لا أعرف كيف أقنعني والدي بالزواج بمن اختاره هو، والأقسى من هذا كيف قبل بشرطهِ أن أترك الدراسة، إذ كنت في المرحلة الثالثة في كلية مرموقة. لم أرفض! ولم احتج! كلُ ما فعلته تعبيراً عن رفضي أن شكوتُ أبي لعمي الكبير الذي أوضح لي رفض العائلة كلها لتصرفات أبي ولكنَّه استدرك وقال لي: تزوّجي وتخلّصي من زوجة أبيك الصفراء هذه، قبل أن تُدبر لكِ مكيدة!!
وأضافت (ر) بعد دقائق صمت: وقتها عرفتُ موقف أهل والدي جيداً، وبكيت حينها كثيراً وقلتُ مع نفسي لو كانت أمي على قيد الحياة لما حصل لي هذا، فأنا أخاف والدي كثيراً لذا تزوجت بمن اختاره لي فوجدتهُ إنساناً بسيطاً لا يملك عملاً ولا مؤهلاً علمياً ولا أي شيء، كان والده ينفق علينا إذ عشت معهم في بيت صغير مكتظ، ونصحني والدي يوم الزفاف ألّا أرفض لهم طلباً مهما كان صعباً، ومنذ اليوم الأول عرفتُ صدق نصيحة والدي لي، وتأكدتُ أنَّه يعرفهم جيداً، ولكن ما نوع الرابطة التي تربطهُ معهم! لماذا وافق على هذا الزواج برغم الفوارق بيننا؟ وما سر علاقته بما يسمى (زوجي)، إذ كانت لقاءاتهما كثيرة وبعيدة عنا؟
خطرت لي أفكار سود عن عملهما، ولكن لمنْ اتحدث عن هواجسي؟ لا أثق بأحد.
شردت (ر) قليلاً ثم أجهشت بالبكاء بعدها عادت إلى الكلام: فكرتُ أن أصارح زوجة شقيق زوجي وفعلاً حدثتها، فقاطعتني ونادت على منْ في البيت بأعلى صوتها تدعوهم لسماع ما كنتُ أقول! خفتُ كثيراً حينما رأيتهم يتحلقون حولي، أمسكتُ عن الكلام ودخلتُ غرفتي، لتبدأ ألسنتهم بذمي وسبّي لأنني ارتبت في أمر ابنهم الذي هو زوجي.
من يومها لم أنطق بحرف أمامهم جميعاً، أنجبتُ ابنتي وسط هذه الأجواء المتوترة الحزينة وولادتي لأنثى قد زادتهم حزناً ونفوراً مني، ولكن تقبّلوها لأنها حفيدتهم الأولى، لأن شقيق زوجي الكبير لم ينجب لأن امرأته عاقر، لذا زادت كراهيتها لي ولطفلتي، وتجرعتُ منها مؤامرات ومكائد كثيرة ضدي وضد ابنتي الرضيعة.
وحينما طفح بي الحزن والضعف، ولم أعد أتحمل ما أرى وما أسمع من أهل زوجي، شكوتُ الحال لوالدي وتوسلتُ به أن يخلصني مما أنا فيه فضحك بسخرية وقال: لم أصدق أنني تخلصتُ منك! ألم تعرفي الى الآن أن زوجتي لا تطيق رؤيتك!
أردفت (ر) بالقول: كنتُ أعرف ذلك جيداً، ولكن ظننت أن والدي ستثور حميته لأجلي عند سماع معاناتي: ولكن! لا أعرف بعدها ماذا تغيّر بداخلي، أصبحت شرسة وعصبية المزاج، صرتُ أردُ على منْ يسيء إليَّ وأرفض ما يطلبونه مني، تعجّب الجميع من أمري، وتحدّثوا مع زوجي بالأمر، الذي بدوره تحدّث معي ثم ضربني أمامهم حينما رددتُ عليه الإهانة التي وجهها إليّ في بداية كلامه معي، وعرف والدي بالأمر فجاء ليتبين الأمر، تحدث طويلاً معي عن المحبة والوفاء والمشاعر، فقاطعتهُ بالقول وسط ذهول الجميع: كفى يا أبي، أنت وزوجتك وزوجي وأهله جميعكم سبب ما أنا فيه الآن.
فما كان منه الا أن أسكتني بضربة قوية على فمي جعلت الدماء تسيل بغزارة، دخلتُ غرفتي وبكيت طويلاً، طلبوا مني أن أخرج فلم أرد عليهم ولم أفتح الباب.
بعد قليل وسط هدوءٍ البيت وظلامه المخيف راودتني فكرة جنونية، أن أهرب من البيت أنا وطفلتي لأذهب الى خالي في محافظة (!) جمعت قليلاً من احتياجات طفلتي وخرجت سراً من البيت لاسيما أن زوجي على موعد مع والدي لقضاء بعض الأعمال المشبوهة.
سرتُ طويلاً مبتعدة عن البيت، استأجرت سيارة أوصلتني الى الكراج الذي تنطلق منه السيارات الى المحافظة (!) كان الوقت ليلاً، لا سيارات ذاهبة الا صباحاً، إذن عليّ أن أنام أنا وطفلتي في إحدى زوايا الكراج حتى الصباح، وهذا ما حصل، في الصباح ركبتُ السيارة ووصلتُ الى بيت خالي الذي دهش حين رآني وأمطرني بالأسئلة، كيف تركت بيت زوجك؟ ووالدك ماذا سيقول عندما يعرف أنكِ هربت من بيت زوجك؟ أجبتهُ :خالي ليس لي مكان آوي اليه من الظلم الذي أعيشهُ، فكرتُ بك قبل أن يجيبني خرجت زوجته وطردتني من البيت شرّ طردةٍ بعد أن أسمعتني كلاماً بذيئاً، نظرتُ الى خالي الذي نكس رأسه نحو الأرض ولم ينطق بحرفٍ.
عند خروجي من بيت خالي اصطدمتُ بزوجي ووالدي والشر يتطاير من عينيهما، فانهالا عليّ ضرباً وسط بكاء الطفلة التي وقعت أرضاً، خرج خالي عند سماع الصراخ، وحاول تخليصي منهما دون جدوى، كان والدي يصرخ به أن لا يتدخل لأنه سيغسل عاره!
أجبته بصوت مخنوق: وماذا فعلتُ يا أبي! صرخ زوجي: وأين كنتِ طوال الليل؟
حاولت شرح ما مررتُ به ولكن بحركة خفيفة أخرج والدي سكيناً ليطعنني بها ولكن الطعنة جاءت بصدر خالي الذي حاول إيقافهِ عن طيشهِ هذا.
وفجأة اجتمع الناس حولنا وبين الصراخ ونداء استغاثة خالي، سحبتُ السكينة من صدره لأطعن بها زوجي ثم والدي وسط ذهول الجميع، وذهولي أنا،عندها فطنتُ إلى أن ابنتي الرضيعة سكتت عن البكاء، وعرفتُ أنها داستها الأقدام دون أن تنتبه، فحاولتُ قتل نفسي أيضاً ولكن مجيء الشرطة حال دون ذلك!
وها أنا انتظر الحكم، لقد توفي والدي وخالي في الحال، وزوجي يرقدُ في المستشفى بين الحياة والموت، وابنتي ماتت تحت الأقدام، وأنا خلف القضبان.
هذه حكايتي قصصتها لتكون عبرة للآباء وللفتيات وللشباب، والموعظة للمتقين.