المسرح الحسيني بين الواقعة والتجسيد

968

رجاء الشجيري /

تثير مجمل الأعمال الإبداعية التي تجسد القضايا ذات المنحى التاريخي المهم جدلاً كبيراً عقب تقديمها أو عرضها على المشاهدين أو القراء.
فهل وجدت واقعة الطف بكل ما تحمل من مضامين ومعانٍ ورسائل إنسانية وقيم عليا في العراق من يعبر عنها مسرحياً بأسلوب فني جمالي واعٍ بموازاة الأعمال المسرحية العربية؟
أم أن الأمر اقتصر على العروض الشعبية “التشابيه” التي عرضها البسطاء من الناس وحافظوا عليها؟ الشبكة استطلعت آراء المعنيين بالمسرح ممن خاضوا غمار هذه التجربة المسرحية المهمة.

الحسين ثائراً.. والشرقاوي
كتب الصحفي والكاتب والشاعر المصري عبد الرحمن الشرقاوي مسرحية “ثأر الحسين” بجزأيها “الحسين ثائراً ” و”الحسين شهيداً”عام ١٩٦٩، وقد كان متأثراً منذ طفولته بشخصية الامام الحسين عليه السلام فجاء اهداء مسرحيته لأمه بقوله: “إلى ذكرى أمي أهدي مسرحيتيَّ (الحسين ثائراً) و(الحسين شهيداً) لقد حاولت من خلالهما أن أقدم للقارئ والمشاهد المسرحي أروع بطولة عرفها التاريخ الإنساني كله”.
وبعد سنوات من كتابة مسرحية الشرقاوي كان من الممثلين والمخرجين الذين جندوا أنفسهم لتجسيدها على المسرح الفنان كرم مطاوع .. ومن الجدير بالذكر أن المسرحية بدأت قصتها من العراق، إذ جاء الفنان كرم مطاوع مع زوجته سهير المرشدي إلى العراق، تحديداً إلى كربلاء لزيارة قبر الإمام الحسين عليه السلام ومعاينة أرض معركة الطف، وقد رافقه الفنان القدير يوسف العاني والفنان عزيز عبد الصاحب إذ صحباه بعد ذلك إلى بيت المرحوم عزي الوهاب وهو بيت تراثي، ودعا الفنان يوسف العاني القارئ لكي يقرأ عليهم المقتل بصوته وأدائه الذي أبكى الجميع فقال كرم مطاوع: والله لم يبقِ لي هذا الرجل شيئاً أخرجه. وأخذ معه الكاسيت الذي سجل فيه صوت القارئ ثم أخرجت المسرحية بعد ذلك وعرضت في مصر عرضاً يتيماً لم يُسمح له بالاستمرار.

المسرح العراقي والطف
استطلاعنا كان بحثاً عن إجابة لسؤال مفاده؛ ترى هل قدم المسرح العراقي واقعة الطف بوعي مسرحي فني؟ وإن لم تقدم إلى الآن فما الأسباب؟
الفنان المسرحي فلاح ابراهيم أجابنا بقوله: واقعة الطف واقعة إنسانية عظيمة، للأسف إلى الآن لم يتناول المسرح العراقي هذه الواقعة من حيث هي أسطورة إنسانية في القيم والمعاني والإيثار، وظلت أسيرة “التشابيه” التي يقيمها الناس البسطاء الذين ليس لهم علاقة بالفن مع ملاحظة أن هؤلاء الناس لهم تأثير مهم وكبير في تقديم واقعة الطف.. أما في المسرح، فإن كانت هناك محاولات فهي محاولات عاطفية بسيطة لم تصل إلى مستوى التناول الفكري العميق..
الفنان ميمون الخالدي أكد غياب هذه الثورة العظيمة عن المسرح العراقي بقوله:
باعتقادي الشخصي أن الطف لم تحظ بفرصة واعية حقيقية على المسرح، أتذكر مرة واحدة حاول الشباب تقديمها على مسرح النصر ولم تحقق الانتشار الجماهيري المأمول، نحن حاولنا في مبادرة مني أنا والمخرج غانم حميد مع العتبة الحسينية أن نقدم الحسين ثائراً لعبد الرحمن الشرقاوي ولكنهم لم يجيبونا إلى الآن…
اما الفنانة آلاء نجم فكان رأيها مخالفاً إذ أشادت بمهرجانات وأعمال مسرحية قدمت المسرح الحسيني أو مسرح التعزية فقالت: أعد المهرجان الحسيني أو مسرح التعزية الذي كان يقام كل عام عدا سنوات كورونا وعياً مهماً وعمقاً وجرأة في تجسيد واقعة الطف، والمسرحيات والعروض التي قدمت في المهرجان لم تقدم كما هي بل بمعالجات وطرح مسرحي.. برأيي واقعة الطف كاملة.. لا نستطيع أن نحذف منها أو نضيف إليها.. ولكن مسرحياً يمكننا أن نبث ونجسد رسائل ومضامين إنسانية عالية.. وتضيف نجم: كما أن العروض التي يقيمها عامة الناس أيام محرم من كل عام في الشارع التي تنسب إلى مسرح الشارع وهو المسرح الذي يقام في بيئته ويقدمه الناس البسطاء لا الفنانون المحترفون، لها دورها المهم أيضاً ورسائلها ولكن بشكل أبسط.

الطف بين التاريخ والمعاصرة
من الكتاب والمخرجين الذين كتبوا وقدموا واقعة الطف مسرحيا الكاتب والمخرج منير راضي الذي تحدث للشبكة عن مجمل اشتغاله في المسرح الحسيني قائلاً:
يعد النص المسرحي الحسيني أو مسرح التعزية إرثاً معرفياً وفكرياً وأخلاقياً وهو يشكل في جنباته كل أنواع شرارات الثورة الإنسانية وصورها التي تواجه الطواغيت في كل زمن وعصر، فهو يحتوي على كل مقومات الدراما، وهو شكل مسرحي درامي نبيل وله روح خاصة بها يمكن مناقشة قضايا تاريخية وربطها بالمفهوم المعاصر.
وقد تحقق طموحنا في ظهور نصوص مسرحية عراقية وعربية عن واقعة الطف التي أخذت شهرتها الدرامية ومكانتها المسرحية والتي استثمرت أحداث الواقعة بأسلوب تلقائي يسهل استلامه من المتلقي، لما تحمله هذه الملحمة من قيم إنسانية.
ويتابع قائلاً: إن المضامين الفكرية في المسرح الحسيني المعاصر هي بلا شك ذات أبعاد جمالية تجسّر العلاقة بين المتلقي والمنجز الفني المسرحي المتمثل بواقعة الطف، ولقد كنا السباقين في تقديم هذه الواقعة في عمل مسرحي كبير أسميناه (واقعة الطف) أُنجز بعد السقوط مباشرة، وقُدّم على خشبة المسرح الوطني وباقي محافظات العراق ودام عرضه بضع سنوات، ثم قُدّم خارج العراق في قم وطهران والأحواز وفي المركز الثقافي العراقي في النرويج، وبعد ذلك قدمنا أكثر من 20 عملاً مسرحياً تحت اسم المسرح الحسيني أو مسرح التعزية وما زلنا حتى الآن نعمل في هذا اللون المسرحي.
سألنا عن مهرجان سينما ومسرح التعزية الذي كان من مؤسسيه فأجابنا العبودي:
انطلق مهرجان مسرح وسينما التعزية الدولي قبل 7 سنوات وكنت صاحب فكرة التأسيس ومدير المهرجان وما أزال، وقد حظي المهرجان برعاية محافظة بغداد منذ خمس سنوات حتى الآن، وهو يُعنى بمفهوم المسرح الحسيني بكل تفاصيله التاريخية والمعاصرة وقد قدمت فيه عدة أعمال مسرحية وسينمائية، ناهيك عن مسابقة النص المسرحي وكذلك السيناريو السينمائي، إذ يُكرم الفائزون الثلاثة الأوائل بدرع المهرجان ومكافأة مالية أيضاً، وهناك فقرة تكريم الرواد المشتغلين في هذا اللون المسرحي ويقام سنوياً على خشبة المسرح الوطني بالتعاون مع وزارة الثقافة.