آخر صنّاع السيوف عبود الجواهري منزلُهُ في الكاظمية متحفٌ لأعماله
علي ناصر الكناني – تصوير: مصطفى الجواهري/
في بيت من بيوتاتها القديمة والمعروفة في نسبها وعراقتها، وهي أسرة الجواهرية، في بيت صانع السيوف المعروف المرحوم الحاج عبود الجواهري، الذي حرص طوال حياته بمعاونة أولاده وعائلته على جمع عدد كبير من المقتنيات والموروثات التراثية الحسينية القديمة التي كانت وما تزال تستخدم في المواكب الحسينية أثناء إحياء مراسم عاشوراء في شهر محرم الحرام.
مقابض السيوف وأغمادها تكتم أسرارها!
-حين تدخل إلى القاعة الرئيسة للمتحف، تقف بانبهار وإعجاب كبيرين أمام هذا العدد الكبير من الموروثات والمقتنيات القديمة المتنوعة، وتأتي في مقدمتها مجموعة من السيوف العربية المحلّاة بنقوش جميلة ومطعمة بالذهب والفضة والأحجار الكريمة، كأنها تحمل في طياتها أسرار هذه المهنة ومهارة حرفييها وصناعها، إلى جانب معدات قتالية قديمة أخرى، كالتروس والخوذ والدروع والرايات الملونة والملابس التي كان يرتديها القادة والمقاتلون أثناء المعارك في الماضي، فضلاً عن وجود مجموعة فريدة من (اللالات) النفطية الزجاجية الملونة بشتى الأحجام والأنواع، والأباريق والسماورات النحاسية المختلفة، ناهيك عن جدران القاعتين الكبيرتين للمتحف اللتين ازدحمتا بأعداد من الصور الفوتوغرافية والوثائقية القديمة عكست في مضامينها توثيق المناسبات الدينية والأحداث والنشاطات الثقافية التي يقوم بها المجلس على مدار السنة.
شيخ بغداد والجواهرية..
حدثني ذات مرة شيخ بغداد الدكتور حسين علي محفوظ -قبيل رحيله- عن أسرة الجواهرية ومجلسها قائلاً:
“مجلس الجواهرية من أقدم المجالس في الكاظمية، إذ يعود تاريخه إلى مئات السنين مقترناً بالأسرة الجواهرية التي سكنت هذه المدينة في أعماق تاريخها, ولهذا البيت تاريخ قديم يتصل بالمناسبات الوطنية والدينية، ومنها الجهاد في ثورة العراق الكبرى عام 1920، وفي هذه البيوت (وأقصد بيت الجواهرية) توِّج الملك فيصل الأول ملكاً على العراق قبل أن يتوج رسمياً في القشلة, ثم قُلدَ السيف في الصحن الكاظمي الشريف.
المتحف الوحيد في مدينة الكاظمية..
لمعرفة المزيد من التفاصيل والمعلومات عن هذا المتحف، التقينا الابنة الكبرى للحاج عبود الجواهري السيدة سرور الجواهري (أم مصطفى) التي استطاعت بجهودها الخاصة أن تحافظ على موجوداته ومحتوياته، فحدثتنا بقولها:
أسس والدي -رحمه الله- المتحف عام 1990 في دار أخرى سبق أن كنا نسكنها قبل هذه، وتوليت أنا وإخوتي مسؤولية الإشراف على المتحف بعد رحيل الوالد إلى بارئه سبحانه.
حكاية أول سيف تقلده الملك فيصل الأول
سألت السيدة سرور أن تحدثني عن حكاية السيف الذي قُلد به الملك فيصل الأول قبيل تتويجه ملكاً رسمياً على العراق عام 1921 في القشلة -كما ذكر الدكتور محفوظ- فقالت:
-أخبرني والدي ذات مرة أن والده الحاج غلام، الذي عرف بمهارته وخبرته الطويلة في مجال الصياغة وصناعة السيوف، هو من صنع السيف الذي قُلد به الملك فيصل الأول في أحد بيوت الجواهرية بحضور السيد محمد الصدر-أول رئيس للوزراء في العراق يومذاك- ثم في الحضرة الكاظمية المقدسة. وقد سبقت ذلك مراسم تتويجه رسمياً ملكاً على العراق. مشيرة إلى أن البعض من مقتنيات متحف الجواهرية قد تجاوز عمرها الزمني أكثر من 150 عاماً.
و لقد لفت انتباهنا خلال تجوالنا في المتحف مجسَّم من مادة الجبس بالحجم الطبيعي يمثل حصان الإمام الحسين (عليه السلام)، وقد تم تجهيزه بالمستلزمات والمعدات التي كانت تستخدم أيام زمان من قبل الفرسان.
سيوف ومقتنيات نادرة.. لكنها فقدت!
السيد نجاح الجواهري -الابن الأكبر للحاج عبود- حدثنا من جانبه عن حادثة مهمة حصلت معهم في زمن النظام السابق وهي -كما يقول- فقدانهم لكثير من السيوف والدروع والرماح والمستلزمات القتالية القديمة التي لا تقدر بثمن عندما استعارتها من والدي دائرة السينما والمسرح آنذاك لاستخدامها أثناء تصوير فلم القادسية للمخرج المصري صلاح أبو سيف، على أمل إعادتها إلينا بعد الفراغ منها، لكنهم أخبرونا بأنها فقدت، ولم يجرِ تعويضنا على الرغم من المناشدات والشكاوى التي قدمناها. وبعد عام 2003 قدمنا شكوى إلى لجنة التعويضات، لكننا -أيضاً- لم نحصل على أية إجابة بهذا الصدد.
مجالس دينية وأخرى ثقافية..
وتحدث السيد مهدي عبد الصاحب الجواهري -زوج السيدة سرور- عن فعاليات المجلس ونشاطاته الأخرى بقوله:
دأب مجلس الجواهرية الثقافي والديني على إقامة مجالسه الدينية والحسينية كل يوم جمعة، وتتضمن محاضرات ودروساً دينية إلى جانب دورات في حفظ القرآن الكريم وتفسيره، ودروس فقهية وعلمية مختلفة يحاضر فيها أساتذة ومتخصصون في مجالات شتى، كذلك تُعقد جلسة ثقافية وأدبية في السبت الرابع من كل شهر بحضور عدد من الشخصيات الأدبية والثقافية والإعلامية.
ولابد من أن نشير إلى أن النحات الفنان المبدع إبراهيم النقاش كان قد وثق في واحدة من أعماله لوحة نحتية كبيرة لصانع السيوف المرحوم عبود الجواهري.
ونحن نغادر المكان، لا يسعنا إلا أن نؤكد رغبة عائلة الجواهرية في تخصيص مكان مناسب لغرض توسعة المتحف للحفاظ على موجوداته من الاندثار والضياع قبل فوات الأوان.