عاشوراء في الإقليم.. استذكار قيم الإصلاح

958

ضحى مجيد /

تتباين الطقوس في محافظات العراق المختلفة في استذكار ملحمة الطف الخالدة، وذكرى استشهاد الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء، ورغم التباين يبقى الثابت أن الجميع يستلهم قيم الشجاعة والبطولة والتضحية من الحسين عليه السلام، في مواجهة الطغاة والفساد.
الشعائر الحسينية ومنذ اليوم الأول لشهر محرم الحرام، تسود المشهد العراقي من أقصاه إلى أقصاه، وربما الطقوس في محافظة أربيل بشمال العراق ليست بالكثافة نفسها كما في محافظات الوسط والجنوب العراقي لكن الشعائر الحسينية حاضرة ولو على نحو خجول هذا العام في ظل قيود جائحة كورونا، بل تحولت واقعة الطف إلى نقطة التقاء لدى الجميع وإلى سراج ينير دروب الحرية.
وتشهد أربيل طقوساً عاشورائية رغم ظروف الجائحة، وقد خصصت سلطات إقليم كردستان العراق مناطق محددة لممارسة الطقوس بكل حرية طوال أيام شهر محرم وتستمر حتى الزيارة الاربعينية.
المجالس الحسينية في أربيل تتضمن طقوساً عدة أبرزها سرد القصص والقصائد التي تروي قصة استشهاد الإمام الحسين عليه السلام فضلاً عن طهي الرز والقيمة والهريسة وغيرها من الأكلات، وتوزيعها بين الناس في عاشوراء بمشاركة مئات الناس من مختلف المذاهب والأديان بروح تنبذ العنف والطائفية.
التقينا السيد سعد أحمد الاعرجي ممثل المرجعية الدينية في أربيل للحديث عن الشعائر الحسينية في الإقليم، يقول الاعرجي: إن المجالس الحسينية في أربيل تبدأ في أول يوم من محرم حتى التاسع منه، وتتضمن محاضرات دينية تتعلق بأبعاد واقعة الطف وما نتج عنها والقيم المستلهمة منها فضلاً عن قصائد تتحدث عن المناسبة، مشيراً إلى وجود موافقات رسمية من وزارة الاوقاف في الإقليم لتسهيل إحياء هذه الشعائر الحسينية التي تجرى في ظل وجود مواكب خدمة داخل المكان تقدم الطعام والماء والشاي بداعي الثواب والأجر. وفي سؤالنا عن حجم الحضور في المجالس الحسينية في الإقليم يؤكد الاعرجي أن هناك عدداً كبيراً من المسلمين الذين يحيون شعائر عاشوراء ممن جاؤوا من محافظات العراق الاخرى وسكنوا في أربيل، وهم يساهمون على نحو فاعل في إحياء هذه المناسبة، كما شهدت الأعوام السابقة حضور مسؤولين في الإقليم ليلة العاشر من محرم وشخصيات مجتمعية أخرى، وعادة ما تكون لهم كلمات بالمناسبة، ولكن هذا العام والعام الماضي لم تستحصل الموافقات بسبب جائحة كورونا وتفشي الوباء في الإقليم إذ منعت التجمعات بشكل عام وليس المجالس الحسينية على نحو الخصوص، مؤكداً أن أغلب المشاركين في العزاء الحسيني هم من الشيعة الساكنين في الإقليم، أما عن مدى تأثير هذه الشعائر على الآخرين فقال الاعرجي: علينا أن نعلم أن الإمام الحسين عليه السلام ليس للشيعة فقط ولا للمسلمين فقط بل إن الإمام الحسين هو لكل الإنسانية، والجميع يأخذ من أحداث كربلاء الدروس والعبر، ولهذا نجد عظماء الشخصيات قد تحدثوا عن الحسين عليه السلام وكيف استفادوا من كربلاء في حياتهم أمثال غاندي وغيره، فإقامة الشعائر الحسينية إنما هو لبيان مظلومية أهل البيت عليهم السلام والتأكيد على أهمية حرية التعبير والفكر والمعتقد، وتوفير الحياة الحرة الكريمة لكل إنسان، فالحسين عليه السلام مشروع إصلاحي لمختلف جوانب الحياة.
سألنا السيد الأعرجي عن مطالبهم من السلطات في الإقليم بخصوص المجالس الحسينية، فأجاب: أهم طلب يمكن أن نتقدم به إلى حكومة الإقليم تخصيص مكان ثابت للمجالس الحسينية وباقي الشعائر أسوة بمحافظة السليمانية، حيث توجد فيها حسينية الإمام الحكيم ونتمنى أن يكون هناك مكان خاص وثابت لإحياء هذه الشعائر وان توفر الحكومة ذلك.
ومن أجل الوقوف أكثر على إحياء الشعائر الحسينية في أربيل التقينا بالحاج “كاروان بابان، ٥١ عاما، رئيس هيئة المواكب الحسينية في أربيل” وسألناه عن كيفية التنسيق بين المواكب الحسينية والمناسبات الدينية المتعلقة بأهل البيت الأطهار عليهم السلام، فأجاب: نقيم سنوياً عدداً من المجالس الحسينية والاحتفالات الدينية على سبيل المثال وفيات الأئمة الاطهار، ولادات النبي الأكرم والأئمة عليهم السلام، فضلاً عن مشاركتنا الطوائف الأخرى في الإقليم مناسباتهم وطقوسهم الدينية، ولكن للاسف الشديد وبسبب تفشي وباء كورونا توقفنا عن نشاطاتنا العامة كافة، واقتصر عملنا على الجانب الانساني فقط.
ويوضح بابان أن إقامة أي برامج أو شعائر دينية لا يمكن أن يتم إلا بعد التنسيق مع الجهات المعنية والحصول على الموافقات الرسمية الأصولية، وهنا لابد من الاشارة إلى دور وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في تخصيص المواقع للمجالس الحسينية إضافة إلى الجهات المعنية في تأمين الجانب الأمني وغيرها من الأمور اللوجستية.
وفي سؤال عن الدعم المقدم للمجالس الحسينية في كردستان العراق ردّ بابان: نتلقى دعماً مباشراً من الامانتين العامتين للعتبتين الحسينية والعباسية المقدستين، مؤكداً أن الهيئة الحسينية تنظم وفق السياقات المتبعة سنوياً موكباً للمشاركة في الزيارة المليونية الأربعينية قبل يوم الأربعين بأسبوع، ومن ثم نعود إلى أربيل قبل الأربعين لنباشر في طبخ القيمة النجفية ليلة الأربعين ونوزعها في الصباح.
المواطن سالم عباس،٤٠ عاماً، يشارك طوعياً في خدمة المجالس الحسينية بأربيل في كل عام، يقول إنه وأسرته يطبخون الهريسة في ليلة العاشر من محرم وفي الصباح يوزعونها بين الجيران في منطقة كنجان ستي، وفي سؤال عن أجواء عاشوراء في الإقليم يقول السيد سالم عباس إنه يشعر بالأجواء الحسينية أثناء مشاركته في المواكب ودخول المحاضرات الدينية في المجالس الحسينية، مشيراً إلى أنها تعطي الدروس والعبر فضلاً عن معانٍ روحانية مستدامة مستوحاة من إحياء ذكرى واقعة الطف.
أجواء روحانية ومجالس عاشورائية تأتي وسط دعوات الجميع إلى الله تعالى بأن ينعم بالأمن والأمان على العراق، وإفشاء المحبة والتعاون والألفة والابتعاد عن الكراهية وتعزيز التعايش السلمي للأديان كافة، واحترام المعتقدات واتخاذ الإصلاح منهجاً في الحياة تأسياً بالإمام الحسين عليه السلام وثورته الإصلاحية الخالدة.