للإرهاق أسبابه وحلوله

608

أنسام الشالجي /

يعتقد بعض الناس أنني لا أتعب ولا اشعر بالإرهاق لأنني مدربة طاقة، أقيم ورشات عمل لكسب الطاقة الإيجابية، وفي الواقع أنا، أيضاً، أحس بالتعب والإرهاق، لكنني أعرف أيضاً كيف أواجه هذا الإحساس..
كافايين
فكرة هذا الموضوع بدأت مني، بعد ليلة عانيت فيها من الأرق، استيقظت من النوم مرهقة تماماً ولا أستطيع أن أحرك ذراعيّ، لم أحاول أن افسر حالتي بإصابتي بمرض ما أو بتعب نفسي، بل عرفت السبب، ففي اليوم السابق شربت كثيراً من القهوة رغم معرفتي أن الكافايين الموجود فيها سيسبب الأرق، وذلك يعني يوماً فيه كثير من الإرهاق وعدم القدرة على إنجاز حتى الأعمال البيتية والطبخ.. طبعاً ليست القهوة، دائماً، السبب لهذا الإحساس الذي يستمر أحياناً.. أعلنت عن ورشة عمل عن الإرهاق وأسبابه وكيفية التخلص منه..
الورشة
كان عدد المشاركين ٢٥ بينهم ٢٠ امرأة، وهذا أمر طبيعي، فالمرأة أكثر عرضة للإحساس بالإرهاق في حياتها اليومية من الرجل، بسبب مسؤولياتها التي تشعرها بأن ساعات اليوم الاربع والعشرين غير كافية للانتهاء من مهامها.. هذه المرة، كانت الورشة حضورية مع الالتزام التام بالإجراءات الصحية، لأن موضوعها يحتاج إلى مناقشة تفاعلية وجهاً لوجه وليس عن بُعد كما في الورشات والندوات السابقة..
حذار
اختار المشاركون الرجال أن يكونوا مجموعة عمل وحدهم، ووافقتهم على رأيهم بأن أسباب إحساسهم بالإرهاق تختلف عن الأسباب التي تدفع بالنساء إلى الإحساس نفسه.. الورشة استغرقت يومين بخمس مجموعات. في اليوم الأول، ناقش أعضاء كل مجموعة الأسباب التي يعتقدون أنها تسبب لهم الإرهاق، وفي اليوم الثاني ناقشنا جميعا كيفية التخلص من هذا الإحساس الذي يدفعنا إلى التعب النفسي ويشكل سبباً مهما للإصابة بالأمراض العضوية المتعبة ومن بينها قرحة المعدة..
الأسباب
كان لمجموعة الرجال سبب واحد تقريباً وهو التفكير بالاحتفاظ على واردهم اليومي أو الشهري وكيفية تعظيمه في ظل الظروف المعاشية الصعبة، لاسيما أنهم جميعا كانوا من العاملين في القطاع الخاص.. أما الأسباب التي أشارت إليها النساء فكانت مختلفة، ومن بينها أعمال البيت التي لا تنتهي، عدم تفهم الزوج لمتاعبها، والشك، والمشاجرة وغيرها..
خوف مما قد يحدث
قال المهندس المدني (محمد، اسم مستعار، كما الاسماء الاخرى في الموضوع، ٣٢ سنة، متزوج وأب لطفلتين) إنه يعمل في شركة مقاولات وكان راتبه جيداً قبل الظروف التي فرضتها جائحة كورونا، ويرهقه الإحساس بأنه سيفقد عمله ولن يتمكن من توفير احتياجات أسرته، لاسيما أنه يسكن داراً مستأجرة.. وقد اقترحت زوجته أن تساعده، وهي خريجة إعدادية بأن تفتح صفحة على الفيسبوك لبيع المأكولات التي تتفنن بطبخها، وقد أرقته الفكرة، وبدأ يرى نفسه (غير قادر) على تلبية متطلبات أسرته.. وبما أن كل الذين في مجموعته، عدا واحد، يعانون من المشكلة نفسها، فإنهم ناقشوه وكأنهم يناقشون أنفسهم بأن مشاركة الزوجة، أو الأخت لغير المتزوجين، في تحمل أعباء المتطلبات المادية للأسرة في هذه الظروف ليست تقليلاً من شأن أحد، بل من مبدأ (اليد الواحدة لا تصفق) وحين تزول هذه الظروف الصعبة، فإنه سيقدم لها الشكر ويطالبها بالراحة وربما تتحسن حالته المادية ويقدم لها هدية ممتازة..
خيانة
الوحيد في مجموعة الرجال الذي كان سببه مختلفاً هو المحاسب (محمود، ٣٧ سنة، متزوج حديثاً) وهو انه كان متعدد العلاقات قبل الزواج ويخشى أن يخون زوجته التي ستطالبه بالطلاق! وكان الحل في السؤال التالي هل فكر بامرأة أخرى منذ زواجه الذي مر عليه ثمانية شهور؟ وكان جوابه بالنفي، والمعروف أن السنة الاولى من الزواج صعبة امام الجميع، وما دام لم يفكر بامرأة أخرى حتى الآن، فسيستمر كما هو ويحافظ على علاقته الزوجية بأمان، والفكرة التي تؤرقه وتسبب له الإرهاق ليست الا وهماً يستطيع أن يتخلص منها بعدم التفكير به..
وحدة
اما المشاركات، فكانت أسبابهن وكما أسلفت مختلفة.. (سهى، طبيبة، ٤٠ سنة، غير متزوجة) رفضت الزواج لأنها كانت طالبة بورد للتخصص ثم انشغلت بنجاحها في عيادتها وعملها الصباحي في المستشفى، ولم ترهقها وحدتها الا بعد وفاة والدتها.. وسألناها إن كانت تعيش وحدها؟ أجابت: إن شقيقتها الصغرى وصغارها الثلاثة يعيشون معها بسبب عمل زوجها (عسكري) الذي يخدم في محافظة أخرى، وهي تخشى أن ينقل زوج أختها إلى بغداد وتبقى وحيدة.. نصحناها ألّا تفكر في ما لم يحدث وأن تعيش كما كانت وأن تغير رأيها في الزواج، وإن كانت لا تريد الزواج، فإن الحياة ممكنة جداً لاسيما أنها ناجحة في عملها وعليها أن تقبل ما اختارته منذ البداية، وقطعا أن أختها أو أخاها سيوافقان أن يعيش أحد أبنائهم معها..
إجازة
السبب الذي يؤرق (وداد، ربة بيت، ٤٥ سنة، متزوجة وأم لطالبين في المرحلة الجامعية) أنها تفكر دائماً أنها قد تكون قصرت في واجباتها تجاه زوجها وابنيها وعمتها (والدة زوجها) لذلك تتعب نفسها في أعمال البيت وتضحي دائماً ليشعر الآخرون بأقصى راحة، وهذا الأرق بدأ يرهقها مع تقدمها في العمر.. وكان السؤال إن كان زوجها أو ابناها أو عمتها سبق أن عاتبوها أو اشتكوا من تصرفاتها؟ قالت على العكس إنهم باستمرار يطالبونها بأن تمنح نفسها بعض الراحة.. وكان الحل أن تمنح نفسها إجازة من أعمال البيت وتجرب.. وبالفعل اتصلت بعد أسبوع من انتهاء الورشة وقالت إن عمتها اضطلعت بالطبخ وأن ابنيها وزوجها اهتموا بأنفسهم ونجحوا.. وقالت إنها لم تنم منذ سنوات كما نامت بلا أرق واستيقظت بلا إحساس بالإرهاق.
وأخيراً
الموضوع لا يتحمل الإشارة إلى الأسباب كافة، كل من يتعبه الإرهاق، ليكتب مشاغله اليومية على ورقة ويبدأ كما يريد بدون أن يضغط على نفسه، التردد والخوف من حدوث أمر ما طاقة سلبية تحول اليوم كله الى إرهاق، بينما التعامل مع كل شيء بروية يمنح الكثير من الطاقة الإيجابية..