من زنوبيا إلى بلقيس.. نساءٌ ملكنَ العربَ قبل الإسلام
دعد ديب /
إن الاحتفاء بالآلهة الأنثى وانتشار عبادة الربّات قديماً، ذو علاقة وثيقة بالمخيال والثقافة الشعبية التي كانت سائدة في الشرق آنذاك، وقد تضافرت عوامل كثيرة في تشكيله وترسيخه في اللاوعي الجمعي لشعوب المنطقة، وليس بعيداً عنه أن الإنسان خلق على صورة الإله، ما يحمل معاني المحبة والتوافق والائتلاف.
وقد لاحظ بعض الباحثين وجود علاقة بين تقديس الربّات ومكانة المرأة في المنطقة العربية على خلاف ما عرف وساد لدى الأقوام الأخرى، ما قادنا للتفكير بوجود رابط بين النظام الأمومي، الذي عرفه التاريخ قديماً قبل اندحاره من قبل النظام البطرياركي الأبوي، حين كانت للمرأة السلطة والهيمنة في المجال الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، حتى أن الأبناء كانوا ينسبون إليها، وبين انعكاس هذا الواقع على المثيولوجيا الدينية في المنطقة التي عرفت ظاهرة عبادة الربّات، من اللات ومناة إلى عشتار وأنانا، إلهة الخصب والنماء، هذه المناخات خلقت ظروفاً مثالية لتولي النساء السلطات القيادية في المنطقة في فترة من الزمن سبقت نشوء الإسلام بعقود طوال. وضّحت الباحثة السعودية هند التريكي في كتابها (الملكات العربيات قبل الإسلام)، الصادر عن مؤسسة عبد الرحمن السديري الخيرية لعام 2008، المكانة المميزة للمرأة التي كانت في منطقة الشرق الأدنى القديم في كل من مصر وبلاد الرافدين والشام والجزيرة العربية، التي ترافقت مع المكانة الدينية التي شغلتها، فكانت الملكة الحاكمة والملكة الكاهنة أو زوجة الملك، ولاسيما ما ظهر منها في حوليات ملوك آشور، التي أكدت على وجود علاقات سياسية واقتصادية، وأحياناً تناحرية، تتراوح بين فرض الإتاوات والجزية وبين الخضوع والتمرد، وصولاً إلى إلحاق الهزيمة بمن ثار عليهم.إن وجود تلك الملكات مسألة محيرة في تاريخ يختفي فيه ذكر القائدات لقرون، ليظهر مرة أخرى ثم يعود ليختفي، فمصطلح (ملكة) كمفردة ظهر في البداية في بلاد الرافدين القديمة للإشارة إلى النساء الحاكمات، أو الربّات، وهو المصطلح الذي أطلقه الآشوريون في حولياتهم على حاكمات الجزيرة العربية أثناء الحروب والصراعات بينهم، وقد ذكرت الباحثة منهن:
الملكات في مصر: كان للمرأة دور في وراثة العرش وظهر اسمها، إلى جانب الملك، في الأعمال القيادية والحروب مثل الملكة “أعحتب الأولى” زوجة الملك “سقنن رع” وأم الملك “أحمس”، وشاركت في كفاح مصر ضد الهكسوس. ذكر ذلك على لوح حجري في معبد الكرنك، كما ظهرت الملكة “حتشبسوت”(149-1468) ق.م وكانت من أشهر ملكات مصر وأكثرهن نفوذاً، وأيضاً ظهرت آثارها في الرسوم والنقوش في معبد الكرنك.
الملكات في بلاد الرافدين
سادت في بلاد الرافدين ثقافات سومرية وأكادية وآشورية وبابلية، لكن الملكة لم تشاهد إلى جانب زوجها، برغم الهناء والدعة والرفاهية التي كانت تعيش فيها، وعرفت هناك ما سميت بـ “راهبة المعبد” ويطلق عليها “زينشات زكرم”، إذ أن الكهانة من أسمى الأعمال التي كانت تمارسها النساء في هذه المنطقة.
الملكات في بلاد الشام: تولت الملكات هناك، في غياب الملك، إدارة شؤون القصر الملكي ولم يعرف لهن نشاط آخر. كيف وصلت المرأة العربية إلى الملك والسلطة :ذُكرت ملكة سبأ في الكتب المقدسة التوراة والإنجيل والقرآن ولم تذكر باسمها أبداً، لكن مؤلفات المؤرخين المسلمين رجحت أنها الملكة بلقيس، ولكن في المرويات اليهودية ذكر اسم بلقيس كلقب تعني “عشيقة الملك،” أما الكتابات الحبشية فأوردت أسطورة عن ملكة اسمها “ماكدة” وأنها أثيوبية اتخذت من سبأ عاصمة للأحباش ويرجع نسبها إلى الملك سليمان وزوجته الملكة بلقيس، غير أن الاسم لم يرد في أي نقش سبئي، وقد ذكر المؤرخون أنها ورثت الملك عن أبيها، وهذا أحد أسباب وصول النساء إلى الحكم بشكل عام، بالإضافة لتبوئهم مهام الكهانة والمكانة الدينية وسواها.
الملكة “زبيبة”، التي وقع ذكرها في حوليات آشورية (ذكرها الملك الآشوري تجلات بليسر الثالث) على أنها “ملكة القيداريين والعرب” في الفترة ما بين 730 و740 قبل الميلاد، وكانت هذه الملكة قد حاربت ضد الآشوريين.الملكة “شمسي”: وقد ذكرت في نصوص الملك الآشوري تجلات بليسر الثالث ونصوص الملك سرجون الثاني.الملكة “يطيعا” أو”يانيعة”: ذكرت في نصوص الملك سنحاريب.
الملكة “يافا”:
ذكرت في نصوص الملك أسرحدون وحدد مكان حكمها في منطقة دحراني.
الملكة “باسلو”: ذكرت في نصوص الملك أسرحدون وحدد مكان حكمها في منطقة إبخيلو.
الملكة “تعلوخونو”: ذكرت في نصوص الملك سنحاريب ونصوص الملك آشور بانيبال، حكمت مدينة “أدوماتو” التي سماها الآشوريون بقلعة العرب، وسميت يتعلوخونو الكاهنة لأنها جمعت السلطتين الدينية والسياسية معاً.
الملكة “تبوأة”: ذكرت في نصوص الملك أسرحدون والملك آشور بانيبال وقيل أنها تربت في قصر سنحاريب الملك.
الملكة “عادية”: ذكرت في نصوص الملك آشور بانيبال، وأنها كانت زوجة للملك يوتع بن حزائيل.
الملكة زنوبيا
تعتبر الملكة زنوبيا من أشهر الملكات التي حكمت منطقة تدمر، وقد ذكرت تدمر في النصوص الآشورية القديمة وفي حوليات الملك الآشوري (تيجلات بليسير الثالث)، أما كيف وصلت إلى الحكم، فقد منح الرومان لقب إمبراطور الشرق في تدمر لـ (أذينة) لأنه وقف إلى جانبهم في قتالهم ضد الفرس وفي حروب إجلائهم عن بلاد الشام، وقد سك عملة نقدية باسمه؛ وتولى ابنه (وهب اللات) الحكم من بعد مقتله على يد ابن أخيه؛ وحكمت أمه زنوبيا بالنيابة عنه لأنه كان ما يزال صغيراً، وهذا سبب وصولها إلى عرش تدمر، وقد ورد ذكرها في النقوش السريانية وكذلك في النقوش التدمرية على أن اسمها بنت زباي.
الملكة “ماوية”: صنفت ماوية كأقوى ملكة في الشرق بعد زنوبيا، وأيضاً تولت حكم التنوخيين بعد وفاة زوجها، وقد قادت جيشها بنفسها في تمرد عارم على الحكم الروماني وهزمت الجيوش الرومانية، تعاونها في ذلك قبائل عدة وقفت إلى جانبها وحاربت تحت قيادتها.