العنف ضد المرأة في ميسان.. حرب خفية بين التشريعات والأعــراف

375

نصير الشيخ /

من الصعوبة بمكان تحقيق مسح شامل لواقع المرأة العراقية، وحضورها وغيابها في جميع الميادين، ثم الخروج بنتائج تغير من واقعها. ففي الوقت الذي نشاهدها عاملة مستلبة الحقوق في معامل الطابوق، أو متسولة في تقاطعات الشوارع، نراها جلياً في الوجه الثاني للعملة طالبة جامعية بأبهى حلتها، أو موظفة أنيقة تحلو لها الحياة…!!
وبالعودة لقراءة المشهد العراقي وحضور المرأة فيه، نراه مرهوناً جدلياً بعاملي “السياسي والاقتصادي” ومن ثم إسقاطاتهما على البنية المجتمعية لتحديد دورها فيه.
ولايزال واقع المرأة مريراً في بعض وجوههِ بسبب تراكم المشاكل وفقدانها المقومات الأساسية للحياة، من السكن الملائم والرعاية الصحية والعمل والتعليم، فضلاً عن تعرضها للاضطهاد جراء العنف الطائفي والتهجير القسري.. تضاف الى ذلك عوامل استجدت في ترسيخ الحالة القهرية للمرأة العراقية، أبرزها العنف والتعنيف الأسري والبطالة والترمل والطلاق والعنوسة وزواج الإكراه والزواج المبكر وزواج القاصرات.
جانب مهم من العنف يأتي باتهام المرأة بـ “الانحراف”، أي خروجها عن سيرِ نظم العائلة، وتخطي خطوطها الحمر..!! ومن ثم يصبح ذلك مساساً بالقيم الاجتماعية وصولاً إلى طرحها “تداولياً” كحكاياتٍ تشكل تحدياً للسلطة المجتمعية ونواتها “العائلة”، ولاسيما أن هذه “الانحرافات” تقع في واقع متشدد، وبحسب التراتبين الثقافي والحضري لطبيعة كل شريحة من شرائحه المجتمعية.
انتهاك لحقوق الإنسان
تعتقد المحامية أسماء الدوري “أن العنف ضد المرأة كسلوك موجّه ضدها، صادر من الرجل او من المجتمع، القصد منه إذلالها او تحقيرها والنيل من مكانتها الاجتماعية والإنسانية، وينتج عنه أذى مادي أو معنوي أو نفسي للمرأة، او إعاقة ممارسة حقوقها داخل مجتمعها. إن أسباب العنف ضد المرأة كثيرة، منها التفكك الأسري، وضعف المستوى الاقتصادي للرجل وشعوره بالعجز عن تلبية كل مطالب واحتياجات الأسرة، وخروج المرأة إلى العمل لمواجهة ظروف الحياة، وغيرته الشديدة عليها، وتجاهل دورها في المجتمع ونظرته إليها.. ووو..الخ.
وعليه، يعدّ العنف ضد المرأة واحداً من أكثر انتهاكات حقوق الإنسان انتشاراً وتدميراً في عالمنا اليوم بسبب ظاهرة الإفلات من العقاب، ويتمثل العنف في أشكال جسدية ونفسية، وبالتالي فإن هذا يشكل حاجزاً أمام سبيل تحقيق المساواة والتنمية والسلام.
في حين تبقى المطالبات، من قبل الجهات التشريعية والأنظمة الوضعية والمنظمات الدولية، على تأكيدها حق المرأة ورفض القيود المفروضة عليها، التي هي نتاج العادات والتقاليد البالية، ومن ثم الإبقاء ـ بحسب المطالبات المدنيةــ على قانون الأحوال الشخصية المرقم (188) لسنة (1959) الذي يتماشى مع روح الشريعة الإسلامية السمحاء، وعلى ما جاء من أحكام شرعية تناغم الحضارة والعصر الحديث الذي نعيش فيه والحقوق التي حققتها المرأة على الصعيد الدولي.”
لا إفراط ولا تفريط
ويبدو أن عملية الشد والجذب في هذه الموضوعة قائمة بين طرفين كل منهما ينظر إلى واقع حاله، فهناك المدافع عن حقوق المرأة وتنفيذ بنودها وتشريعاتها، وعلى الطرف الآخر هناك من يتمترس خلف قناعاته التي تنظر إلى المرأة كائناً مقيداً معرضاً على الدوام للاعتداء والتعنيف نفسياً وجسدياً وإلى الضرب والاضطهاد.
ويرى الشيخ عدنان الغنامي أن “في كل شيء بالحياة علينا العمل بمبدأ (لا إفراط ولا تفريط) وأن إعطاء الحرية المطلقة لشبابنا وشاباتنا يعني أنهم –حتماً- ستتلاقفهم الأهواء..!! أما اذا أعطيناهم الحرية في إطاريها الشرعي والقانوني، فإنهم –حتماً- سيكونونِ منتجين مجتمعياً،” راسماً لكل من الشاب والشابة دوره الحقيقي على خطى المستقبل.
من هنا تبدو التحديات كبيرة لهذه الظاهرة وحضورها المرّ في الشارع العراقي، وبما يلمسه المتابع لها من تأثيراتها الجانبية ومديات وقوعها في البنية المجتمعية، وأن هذا “الفعل القهري” وجد تبعاً للمستوى الثقافي وفهم تطبيق القوانين الصادرة عن المنظمات الدولية. في حين يرى آخرون أن “ضرب” المرأة او الفتاة هو حق طبيعي ومحاولة جادة لـ “تأديبها” للعدول عن أي تصرفٍ غريب أو مشين، وبالتالي فإن “الضرب والتعنيف” هما الدواءان الناجعان لمنع انحراف المياه عن مجاريها.
معالجات مناسبة
فيما تقول حنان محمد، مديرة قسم تمكين المرأة في محافظة ميسان، “إن للمرأة حضوراً متميزاً في كل مفاصل الحياة، كفله الدستور والتشريعات والقوانين، وعملت على تطبيق بنوده المنظمات الإنسانية لرسم صورة واضحة المعالم للمرأة، ونسعى هنا الى وضع المعالجات المناسبة للحد من ظاهرة العنف ضد المرأة والوصول الى المسببات الفاعلة للانحرافات الحاصلة، بالتعاون مع الجهات المختصة كالشرطة المجتمعية. وضمن خططنا في تعزيز دور المرأة، واستناداً الى قرارات الجهات العليا التي تشير الى (وقاية وحماية المرأة بصورة عامة) نحتاج الى دعم مالي لتنفيذ برامج عدة، اقتصادياً وثقافياً، بما يمكن المرأة من تحقيق حضورها على أحسن وجه، فالحقوق والواجبات يمهدان الطريق الذي يجب أن تمشي عليه المرأة في حياتها، فهما يضمنان لها حياة أسرية كريمة، وحرية مشروطة ومنتجة تتحقق فيها إرادتها وتطلعها نحو غد أفضل، وبما يتساوق مع القيم المجتمعية ويتناغم مع العادات والتقاليد الاجتماعية في سعي لعدم تسليع المرأة وغمط حقوقها وتقييد تصرفاتها، ذلك أن التشريعات ببنودها قد فصّلت ما يضمن حقوقها وطنياً ودولياً.”
أنظمة وقوانين
من جهته، يؤكد الحقوقي أحمد ستوري، مدير شعبة الإعلام في مكتب المفوضية العليا لحقوق الإنسان في ميسان، أحقية المرأة في حياة كريمة قائلا: “المرأة العراقية بحاجة الى وضع أنظمة وقوانين تكفل حقوقها، وإلغاء وتعديل كل القوانين التي تمس المرأة لضمان تلك الحقوق، ومواءمة هذه التشريعات مع الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي وقّع عليها العراق، وبالأخص اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) ووضع برامج للقضاء على الظواهر الاجتماعية التي تعاني منها المرأة، ولاسيما تلك المتعلقة بالجهل والمرض والفقر والعوز، وتمكين المرأة في الحصول على فرص العمل وتطوير مهاراتها وتوسيع مشاركتها في التمثيل السياسي وصنع القرار.”