عوائل تسطو على حقوق بناتها
هند الصفار /
قبل وفاته بأعوام عدة، قسم والدي البيت ووزعه بين الأولاد، واستثنى البنات اللواتي تزوجن جميعهن، وحتى أنا استثناني من القسمة على الرغم من أني لم أتزوج وأعمل لأعيل الأسرة منذ اكثر من 25 عاما.”
تروي خديجة قصة يعيشها عدد لا يستهان به من النساء اللاتي يتعرضن للحرمان من حق الإرث، لأن غالبية الآباء اعتادوا على ترك إرثهم حصراً بالذكور…
تقول خديجة “إن والدها (رحمه الله) كتب جزءاً من البيت باسم أخي الصغير، بيع وشراء، وأخي متزوج ولديه أطفال، ولا يعمل عملاً دائمياً، ولايقرأ ولايكتب، ولايريد أن يطور نفسه، ولايريد أن يتعلم مهنة تنفعه، ويعتمد -مع عائلته- على راتبي، حتى البيت الذي أعطاه إياه والدي كان خربة، هدمه وبناه وأنا تكفلت ببنائه، ورفض أخي مراراً تسجيل جزء من البيت باسمي، ضمانا لكبر سني”
بتنهيدة حاولت أخفاءها، تشعر خديجة بالخيبة بعد أن باتت عرضة لابتزاز الأخ الذي يريد منها تسليم راتبها إليه شهرياً وهي تستجيب لأنها مجبرة على ذلك، فأخوها وعائلته يعتبرون أنفسهم أنهم قد أسدوا إليها معروفاً بالسكن معهم.
بمرارة تضيف خديجة أنهم ينكرون حتى ما فعلته لهم “وحتى اهتمامي بأولادهم ومتابعة دروسهم،” تؤكد خديجة أن ليس الابتزاز ما يؤلمها وحده، بل هذا الجحود والنكران.
لا يسألون عني
تختلف هموم أفراح عن هموم خديجة، فالقصة تتكرر بوجوه مختلفة. تقول أفراح: “أنا أعيش مع أختي الكبيرة، المريضة، في طابق أرضي من بيت أهلي، وبقية أخواتي وإخوتي متزوجون.. وأخي الكبير يسكن في شقة منعزلة في الطابق الأول، لكنه يأخذ مني أجور الكهرباء، وأنا أدفع أجور الإنترنيت أيضاً، وكلما احتاج لشيء يطلبه مني بالرغم من أنه لايسأل عنا، وزوجته وأولاده لايعرفوننا، الا عندما يحتاجون شيئاً منا، او خدمة يريدون أن نسديها لهم.”
وتضيف: “حتى بقية إخواني المتزوجين لايكلفون أنفسهم بالسؤال عنا في حالة مرضنا، لكني دائما حاضرة في مناسباتهم.”
لاتخفي أفراح ألمها من إهمال إخوانها، وتؤكد أنها تعبت كثيراً ومرضت ولم تعد مفاصلها تعينها على الحركة والعمل الذي تعتاش منه.
لا عطف ولاحنان
قصة قد تختلف قليلاً، فهي تقاعدت قبل سنتين، وكانت مصابة بمرض عضال نجحت في معالجته، وقد كلفها كل ما تملك، وهي غير متزوجة، ولا يقبل أخوها أن تستقل مع ابن اختها في منزل قريب إلى أختها رغم عدم كفاية الراتب التقاعدي لمصروفات علاجها ومعيشتها، فعرض عليها السكن معه بعدما كانت تنتقل بين بيوت أخواتها وأخيها، وتدفع وتشارك في مصاريف بيوتهم، حتى أنها لم تستطع أن تجمع مبلغا يعينها. تضيف آمال:”أخبرني أخي أنه يمكنني العيش معه في الطابق العلوي، وعندما ذهبت طلب مني مبلغاً للإيجار، إضافة الى طلبات أخرى.” ثم تقول:”لو أني أحس –ولو قليلاً- بحنانهم وعطفهم علي، لما انزعجت، إلا أنهم يعتبرونني مصدر تمويل فقط.”
يرفضون زواجي
وهناك من يرفض أهلها تزويجها، لأنها معيلتهم حتى يتقدم بها السن فتصبح حظوظ زواجها قليلة.. هذا ما أكدته سناء، في حديثها، إذ قالت: “أنا أعيل أبي وأمي وإخوتي، الذين ليس لديهم عمل ثابت، ووالدي يرفض من يتقدم لخطبتي بحجج واهية، إذ يقول: لماذا تتزوجين وتصرفين على الغريب؟ نحن أولى بذلك، وأحيانا يطلب من الخاطب أن يسمح لي بالعمل، وأن يتعهد بأن يقبل أن أعطي أهلي كامل راتبي، وهذا ما يرفضه الخاطبون واهلهم طبعا.”
تردف بالقول:”لا أستطيع الوقوف ضد إرادة أبي، فهو رجل كبير ومريض، وكل إنسان يأخذ نصيبه من هذه الدنيا، وأنا رضيت بنصيبي. ”
كيان مستقل
عرضنا هذه الحالات أمام الشيخ علي الربيعي، أستاذ في الحوزة العلمية في النجف الاشرف، الذي قال: “إن البنت البالغ الرشيدة هي ولية نفسها، ولها كيان مستقل وذمة مالية، محرمة التصرف من قبل الآخرين إلا إذا وافقت هي وبإرادتها. فهي غير مسؤولة عن إعالة العائلة او العمل لكسب العيش إلا إذا اضطرت لذلك وبإرادتها أيضاً. ولا ولاية لشخص على البنت البالغة الرشيدة إلا لوالدها وجدها، وفي مسألة الزواج فقط.. هذا حكم شرعي.”
ويوضح الشيخ الربيعي:”إن المساعدة في مصروف البيت او الأعمال البيتية تبقى مسالة أخلاقية وعرفاً اجتماعياً لتمشية أمور الحياة، فالحياة تعاون، والمؤمنون يسند بعضهم بعضاً، لا أن يتسلط ويظلم بعضهم بعضاً. والرسول (صلى الله عليه وآله) قد أوصى بالنساء خيراً وبأية صفة قربى كانت.
وتابع الشيخ الربيعي: “إن أية مشكلة يمكن أن تحل اجتماعياً وأخلاقياً، فلا حكم لمسلم على مسلم إلا بما أمر الله، وليس بما يأمر الناس.” ويضيف: “وإن كانت لا ولاية للأخ على أخته –مثلاً- فهذا لا يعني أنه يقبل أن يراها تتصرف بطريقة لا تليق بالمرأة المسلمة المؤدبة المهذبة، ومع هذا فإن عليه النصح والإرشاد والتعامل بالتي هي أحسن، فإن لم يصل الى حل فيبقى الأمر بما يراه مناسباً لحل المعضلة، أما الضرب لأتفه الأسباب، او اختلاق أسباب للظلم، فهذا لا يرضي الله ولا يمت إلى الإسلام بصلة”.
فيما يؤكد العميد غالب العطية، مدير الشرطة المجتمعية، أن الشرطة المجتمعية تواجه مثل هذه الحالات كثيراً وتصنفها ضمن العنف الأسري المتعمد.
أضاف: “إن ملاكتنا تعاملت بكل مهنية مع مثل هذه الحالات، إذ يتم التدخل المباشر، او من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، مع الأسرة ومحاولة حل الإشكالات وبيان خطورة تزمت الأهل في هذا الموضوع الذي يمكن أن يؤدي الى عواقب وخيمة لا تحمد عقباها.”
وأشار الى دور الشرطة المجتمعية في الوصول الى حلول للعديد منها، “إلا بعض الحالات التي تقف أمام تزمت الأهل وإصرارهم على موقفهم، ما يدفع البنت للرضوخ، إن حكمت عقلها، او الهرب من ظلم الأهل لها، إما الى بيت أقربائها، او الى مكان لا يعثر أحد عليها.”
وناشد العميد غالب العطية جميع الأهالي الى ضرورة التعامل بالحسنى مع بناتهم واحتضانهن بكل مودة ورحمة كي تعيش الأسرة بسلام ولا تدفع ببناتها للهروب، ما يعود سلبا على سمعة الأسرة وحياة أفرادها جميعا.