كيف تساعدنا الفلسفة في الحياة؟
دمشق/ دعد ديب
قد يكون البحث عن السعادة والسلام النفسي هاجس البشر جميعاً في أية بقعة من البسيطة, مع اختلاف في طريقة الفهم وتفسير الأسباب التي توصل المرء إلى حالة الراحة والتوازن والاستقرار، الأمر الذي يختلف من شخص إلى آخر, ولاسيما في حالات اشتداد الأزمات النفسية والعزلة والقلق والإحباط التي تطبق على الإنسان ومحاولاته الحثيثة في تلمس طرق النجاة وتزايد حاجته إلى مرشد أو هادٍ يقوده إلى بر الأمان.
من هنا كان لبعض التداعيات من أنماط الفلسفة البعيدة عن التجريد والتعقيد والأسئلة الكبرى حول معنى الوجود ومغزى الشر وطبيعة الإله والأسئلة ذات الطبيعة الاختصاصية، تلك التي فتحت باباً جديداً لقضايا الإنسان المباشرة ومتطلباته الآنية، لاسيما لمن يبحث عن بساطة العيش والراحة الذاتية، فالإنسان يهتم بالفلسفة من أجل إدراك ذاته وحاجاته النفسية والجسدية والروحية بعيداً عن الأسوار الأكاديمية، ولاسيما ما عرف منها بفلسفة الحياة.
يعتبر الفيلسوف اليوناني العظيم سقراط أن “سر السعادة، كما ترى، لا يتم في السعي إلى المزيد، ولكن في تنمية القدرة على التمتع بالأقل!” فالإنسان يحكمه تناقضان في الإحساس الذي يقود قناعته بين عشوائية الكون وبين عدالته، الأول يولد إحساساً بالخوف والقلق، وهذا الإحساس لن يفيدنا في حل أية مشكلة، فالقلق من حدوث الشيء أسوأ من حدوثه حقيقة. يقول لوكيوس سينيكا :”عدد الأشياء التي تخيفنا يفوق عدد الأشياء التي تستطيع تحطيمنا، نحن نعاني في الخيال أكثر مما نعاني في الواقع، إذ أننا واقعون في الغالب تحت وطأة المبالغة في الأزمة والحزن وتوقعهما.”
والأمر الثاني هو الأمان والطمأنينة نتيجة القناعة بعدالة السماء، والحقيقة أنه لا يمكن الركون -بشكل مطلق- لأي من هاتين المسألتين، فالألم والسعادة يقتسمان الحياة ولا نستطيع تجنب أحدهما، لأن الإحجام عن مسببات الألم والمعاناة يقودنا إلى الحرمان من كثير من المتع كذلك، ومن لم يعرف الألم لم يعرف باب السعادة، لذلك من الأصلح أن نقتنع بعدم وجود كمال شيء، وبالتالي نتصالح مع أنفسنا ونتقبل الحل الوسط بين ما يتحقق من الأماني والأحلام، وما نصبو إليه ونفشل في بلوغه، وفي هذا المضمار برزت تيارات عدة تحاول إيجاد هذا التوافق بين الفرد والمحيط سنختار من جوانبها ما يتعلق بحياة الإنسان دون التوغل في قضاياها الفكرية الأخرى.
الفلسفة الوجودية
اتخذت من الإنسان الفرد موضوعها الأساسي في إعلاء دوره، فهو من يعطي الحياة معناها الأولي بعيداً عن المجتمع والدين، فكل فرد في الحياة له الحق في اختيار حياته وأهدافه من خلال التجربة البشرية الحية بحرية تامة، وفي اختيار أفكاره وعقائده بطريقة يسعى الإنسان فيها إلى أن يكون نفسه، أي من صنع ذاته وما يريد، وقد ركزت الوجودية على الأمور الجوهرية مثل مركزية الفرد في الخطاب الوجودي، والثاني أسبقية الوجود على الماهية وذاتية الفرد، أي حريته وحقه في الاختيار، بالتالي كان الابتعاد عن الأفكار اللاهوتية التي تعيق حقه في الاختيار وتسعى إلى صياغة وعي الإنسان بشكل مسبق، ومن أهم أعلامها: سورين كيركجارد-جان بول سارتر-ألبير كامو-سيمون دي بوفوار.
الفلسفة الرواقية
وهي المدرسة التي أسسها زينون الرواقي، وتتميز الفلسفة الرواقية في ثلاثة حقول من المعارف: الفيزياء والمنطق والأخلاقيات، مع توفر الاتصال والتفاعل فيما بين العلوم جميعها، ومن أتباعها الفيلسوف الرواقي أبكتيتوس الذي قال “إن معين السعادة هو النفس لا الأشياء الخارجية، بالإضافة إلى التحلي بالفضيلة والأخلاق ولجم الأهواء واختيار الحياة المستنيرة من أجل أن يحظى المرء بالسلام الداخلي.” وبالتالي تعويد النفس على السيطرة على نوبات الغضب والقدرة على التحكم بالسلوك والتصرفات، والأهم منها أن يحيل أهدافه إلى أهداف داخلية خاصة به، وبالتالي لن يلقي مسؤولية عدم تحققها إلا على نفسه، وبهذا يتصالح مع ذاته، فتصورات الإنسان عن المحيط الذي يعيش فيه هي التي تسبب له القلق والتوتر، فإذا تعلم السيطرة والتحكم بتصوراته الخاصة لم يعد ثمة ما يتعبه مهما حدث في الخارج، ودعا إلى الانسجام مع الطبيعة، بمعنى السير في ركابها، لا أن يعمل ضدها.
الأبيقورية
نظام فلسفي أوجده أبيقور اليوناني، وأهم مقولاته “البحث عن المتعة لتحقيق السعادة،” وهذه المتعة قد تأتي من المعرفة والصداقة والحب، إضافة للملذات الأخرى، لكن أهم شيء هو الاعتدال فيها، لأن كل إسراف يؤدي إلى فقدان المتعة وبالتالي فقدان الراحة والهناء المتولدتين عنها، فاللذة -في اعتبارهم- هي الأمر الأكثر أخلاقية لأنها تضمن توازن الحالة النفسية في إحساس الفرد.
هناك في حالات إشباع رغبات المرء متع ثابتة وأخرى متحركة المتحركة ما قبل إشباع الرغبة، أي الطريق إليها، أما المتع الثابتة فهي المتعة المتحققة من إشباع الرغبة.
إن ابتذال مفهوم السعادة في عالم صار فيه البشر أرقاماً استهلاكيّة في آلة التوحش المصنّع، في عالم التسليع المقزز، عالم المسوخ التي تعبر هذه السوق الكبيرة، جعل البحث عن استعادة السعادة الحقيقية واستعادة ذات الإنسان الخلاقة الناتجة عن تفاعله مع أسباب وجوده، مهمة ملحة أمام المد الجارف للتفاهة والاستهلاك.
الفلسفة التطبيقية العملانية
وهي ذلك الحقل من الفلسفة الذي يعطي أهمية كبيرة للوجود الحي للإنسان بعيداً عن الإغراق في التجريد، والبعد عن تعقيد الدراسات الأكاديمية إلى حلقات التفلسف التبسيطية ومنتديات الفلسفة المحلية في أماكن العمل والمؤسسات والمكاتب والمرافق العامة، في العام 2002 أطلق الفيلسوف الفرنسي ميشال أونفراي، مبادرته لإنشاء جامعة “كاين الشعبية” للمساهمة في إخراج الفلسفة من أسوارها الأكاديمية، لتكون متاحة للجميع، ما يؤهل الإنسان العادي إلى التبصر في مشاكله وهمومه، فكل منا يوجد في داخله فيلسوف يحتاج طريقة ما لإماطة اللثام عنه، لذا نجح في خلق فلسفة موازية للفلسفة الرسمية متاحة للجميع بلا استثناء، وأيضاً ما تحدث عنه الفيلسوف جيرد أخنباخ في الجانب التطبيقي من الفلسفة، الذي يمكن الاعتماد عليه في العلاجات النفسية، لما اصطلح على تسميته بخبرة الحياة، أي معاينة الحياة التي يعيشها الإنسان بجسده وعقله ونفسه ويستنطق حيثياتها بالمراجعة والتحليل ليصل إلى حلول عبر التفكير المتوازن والرصين، وصولاً إلى التمكن من فن الحياة الذي يهدف إلى سعادة المرء وتحقيق المتعة، فخبرة الحياة تفيد في حلول وفهم وإعطاء معنى حقيقي لحياة الإنسان، أما ممارسة فن الحياة فهي عملية السعي والتطبيق إلى السعادة والراحة بعد فهم الذات بشكل حياتي عبر الواقع الملموس، فالفلسفة التطبيقية هي فرع من الفلسفة يعتمد الأدوات الفلسفية لمعالجة مشاكل وقضايا غير فلسفية لما نستنتجه بما هو ذو علاقة بالإنسان وحياته.
بالتالي نلاحظ أن التيارات التي اهتمت بقضايا الإنسان هي الأقرب لذائقته ووعيه، وقد تتباين درجة تأثر وتأثير كل منها على الكائنات البشرية، لكنها خطوات باتجاه حل مشاكلها والتفكير بالسلامة النفسية التي تشكل مفاتيح للراحة والسعادة والحياة المتوازنة التي يستطيع كل كائن تقديم أفضل ماعنده لمجتمعه ولنفسه.