النعمة السوداء!

703

جمعة اللامي /

“لأن الصحراء لم تقدم منافساً إلى الرمل، غدا هدوء الصحراء وسلامتها أكبر”
(هنري ميشو)

وأضاف في ذيل حديثه: “البارحة – يا جمعة، جاء لزيارتي صديقي منذ الطفولة (مطيع المأمور) يحدثني كالعادة عن ذكريات الطفولة، ويتناول معي بعض البسكويت مع الشاي.”
بعد ذلك يسجل الصديق حواراً موجزاً مع صاحبه:
-ماذا بك يا مطيع، هل هناك شيء ما؟
-لو رأيتَ ما رأيتُ لشاقَتنّي همّي.
-وماذا رأيت؟
-جثث في كل مكان، انفجارات في كل مكان وظلمة في ظلمة.
ابتسمت وقلت:
-ألم أنهك عن مشاهدة الأخبار يا مطيع؟ ألم تخبرني أن الطبيب النفسي نصحك بهذا؟
-أقسم أن لا أشاهد هذا الدمار الذي يفطر القلب مرة ثانية.
ويختتم الكتبي مرافعته القصيرة، قائلاً: “وهذا – يا جمعة اللامي، ما حدث مع صديق العمر (مطيع المأمور). وبالمناسبة، فإن صديقي هذا حسّاس ومرهف، يحب القراءة في الماء والأشياء كثيراً، وسماع الموسيقى الكلاسيكية، والأغاني العاطفية الحزينة، ومعجب كثيراُ بمقالاتك وصداقتك مع غريب المتروك. ويتمنى لكما دوام الصداقة والمحبة.”
ولم ينسَ الكتبي، أن يترنم بمقولة لبوذا، مطلعها: “القلب مثل الحديقة …”.
وقلوب الناس، إنْ صَفَت، حدائق غناء، وخير عميم، وإرادة لا تنكسر، وعزم لن يلين، وكلمة شريفة صادقة، كما هي مقولة الشاعر الفرنسي “هنري ميشو” في الصحراء.
فكيف إذا ارتبطت الصحافة بالصحراء؟
يكتب الفرنسي (سانت بوف) عن رجل اسمه: ميشو، يعمل صحافياً حتى أطرافه. وكانت أصابعه جِدُّ سوداء بسبب حبر المطابع، وكانت زوجته تقول: “عندما يدخل ميشو إلى الحمام، يضع يديه في قفازين، خشية أن يغسلهما!”
إنه حبر الحقيقة، ومداد الألم والفرح، الذي يشتاق إلى قرطاس راسخ، ومتلقٍّ يعرف حكمة هدوء الصحراء. وتلك هي النعمة السوداء، يا صديقي!