عن النسوية وثورات تغيير السلوك الجسد ليس ملكاً مشاعاً ولا وقفاً مبتذلاً..!

457

فلسطين الجنابي /

الرجل والمرأة، وحرب شعواء ربما كانت مؤسستها ربة بيت ترعى عشرة أولاد مع ديك وأربع دجاجات وبقرة، وزوج كالحطيئة يعارك نفسه إن لم يجد من يهجوه، وفي أغلب ظني أن تلك السيدة، التي لا أعرف هل نالت حقوقها، وجعلت زوجها يغسل الصحون ذات ليلة قبل اختراع غسالة الصحون الأوتوماتيكية التي لا أدري لماذا أتجاهل وجودها في المنزل، وأفضل أن لا أضيع متعة غسل الصحون باليد، التي تخفف كثيراً من التوتر الذي يصيبني أحياناً بعد يوم طويل من العمل والجدل حول مفردة محددة استخدمتها في كتابة تقريري،
وأظن أن رئيس التحرير –المتزمت- لم تعجبه فصاحتي التي يشتكي منها الجميع، إذ من يحب امرأة تكتب في السياسة، فثورة سيدتنا الأولى من أجل يوم للراحة، تتحرر فيه من كونها عامل سخرة مؤبدة بالأشغال الشاقة، كانت أسمى مطالبها، لم تعرف كيف تحولت إلى دعوات ما كانت لتخطر على بالها، حتى أن دعوات حرية التصرف بالجسد لا تفهم حدودها، ولا حتى أنا فهمتها يوماً، ولا أدري كيف كانت ستجيب لو واجهت مثلي سؤالاً عن الحرية في التصرف بالجسد؟
أمرٌ مرهونٌ بمستوى الفهم
وكامرأة، عرفت جانباً من هذه الحرب التي لا أجد لها معنى، قد لا يروق تحليلي وجوابي، لا لامرأة، ولا حتى لرجل، فالحديث عنهما لا يمكن فصله عن الجسد، والعلاقة الجنسية، الذي سيجرنا إلى الخوض في حديث يفتح أبواباً قد نجد من الصعوبة إغلاقها بشكل محكم فيما بعد، لكنني سأطرح رأيي الخاص فقط هنا: إذن، أرى مسألة الحفاظ على الجسد أمر مرهون بمستوى الفهم، لكل من الرجل والمرأة، على حد سواء، إذ لا تقتضي ملكيتنا لأجسادنا أحقية العبث بها، وأني مع تحريم العبث بالجسد جنسياً، تماماً كاعتراضي على بيع أعضاء الجسد، كالكلية وما شابهها من مسائل تشبه اعتراضي على جعل الجسد ملكاً مشاعاً، ومبتذلاً، ووقفاً أحمقاً. إن عملية وهب الجسد تشبه تماماً اقتطاع جزء منه، وهذا الجزء قد لا يكون عينياً، يمكن تشخيصه، لكن يمكن لمسه بيسر وسهولة، سواء عند الرجل أو المرأة، وكما يقال امرأة غير سوية، فإن هناك دائماً رجلاً غير سوي ومنبوذاً.
خراب الكوكب
أما أنت يا سيدتي، واهبة الحياة والربيع، أريد أن أقول لك خففي لهجتك على الرجل، ضعي يدك في يده، وتعاونا في بناء حياة أفضل للقادمين بعدنا، الرجل ليس سبباً في خراب الكوكب، وإن كان هو قائد الحروب، ووقودها أيضاً، لكنه مسكين مثلك تماماً، لأن المنطق يقول إن وراء عذاب كل إنسان وتخلفه مجتمعاً متخلفاً، تحكمه نظم سيئة بمختلف المقاييس، ولا يفترض في الرجل تخلفه كي يفسد حياتك، لأن قياس الأمور على هذا النحو يقودنا إلى حلقة معقدة من التساؤلات عمَّن تسبب في تخلف مَن؟
ألا يفترض أن الرجل، الذي ظلم المرأة، هو رجل متخلف، وغير واعٍ، وغير عادل، وهو بالتالي نتاج لمن هو أسوأ منه؟ وهو ولادة لمرحلة سابقة خاضتْ مخاضاً عسيراً. ومؤكد أن وراء عذاب كل رجل، رجلٌ آخر، أو امرأة لم تحسن تدريبه وتوعيته.
في المحصلة، فإن الرجل والمرأة، المقهورَين اجتماعياً، هما الاثنان نتاج سلوك مجتمعي منحط، وظروف بيئية قاسية حكمتْ الاثنين، وجاءت لنا بهذا الكم من اللا مفهومية، واللا عدالة في إدارة معترك الحياة. أنا لا أعلق عذاب المرأة على الرجل، كما أني لا أعلق عذاب الرجل على المرأة، المظلومية قد تطال الاثنين، كما أن الظلم قد يكون صفة يتقاسمانها.
ثورة السلوكيات
كما أن الواقع العربي، أو العراقي على الأقل، يخوض ثورة في تغيير بعض السلوكيات التي كانت تهين المرأة والرجل على حد سواء، فعلى الرغم من المشاهد اليومية المؤلمة، لكنها -على الأقل- ليست (جندرية)، تخص جنساً دون غيره، دعونا من عقوق الوالدين وتعذيب الأبناء وزوجة الأب وزوج الأم ، هذه أعراض مرضية ستزول حتما بتعافي المجتمع، الذي يجب أن لا نغفل عن ظواهر صحية فيه.
إن الزواج من المطلقات، أو الأرامل، وهن غير عذراوات طبعاً، صار أمراً عادياً، يتساوى مع الإقبال على النساء العذراوات، ولاسيما حين يكون هذا الإقبال من رجال يخوضون أولى تجاربهم الحياتية والزوجية مع نساء سبق لهن الزواج، إنما يعد مؤشراً إيجابياً، وأن هناك حالة من الوعي، باتت تتسع رغم رداءة الظروف وضنك الحياة وشبح الموت والحرب.
لذا، لم يعد الرجل يبحث عن شرف يمزقه، بل عن شرف يستره، يبحث عن امرأة قادرة على مشاركته صعوبة الحياة والاستمرار معه في السرّاء والضرّاء، قادرة على مقاسمته رغيفه المر، المسروق من تنور الحياة، المكتظ بغربان الموت، أن يكون المرء شريفاً، أن يحترم نفسه أولاً، ويصونها، ويقدرها حق قدرها، كي يقدرها الآخرون.
ختاماً، أريد أن أذكر أن أعذب ما قرأته عن جدّينا آدم وحواء أنهما حين هبطا إلى الأرض هبطا منفصلين، ولم يغمض لحواء جفن حتى وجدت آدمها. تقول الأسطورة إنها وجدته نائماً، ومن شدة خيبتها بهذا اللقاء أنكرت أنها بحثت عنه في الليل والنهار. وربما أن أصل هذه الرواية سيدة أرادت سبباً لمهاجمة الرجل، لكنها في مضمونها حملت معنىً سامياً للحب والأمان الذي بحثت عنه حواء، التي لم يغنها عنه شيء، حتى بدا الكون قائماً على ثنائية الرجل والمرأة، وما بينهما حكاية حب عظيمة، وكل ما دونها إلى زوال.