المحكمة الاتحادية العليا تعيد رسم العلاقة بين أربيل وبغداد
“مجلة الشبكة” /
تصدر قرار المحكمة الاتحادية العليا ببطلان قانون النفط والغاز، الذي شرعته حكومة إقليم كردستان عام 2007، الذي أتاح لها التعاقد مع شركات أجنبية لاستخراج وبيع النفط من حقول داخل محافظات أربيل والسليمانية ودهوك، بالإضافة إلى استخراجه من مناطق محافظات نينوى وكركوك وديالى وصلاح الدين من دون العودة إلى بغداد، تصدر المشهد السياسي للبلاد، التي تواجه أزمة تشكيل الحكومة، بفعل الانسداد السياسي وانقسام حاد بين الحزبين الكرديين الاتحاد الوطني والديمقراطي بشأن منصب رئيس الجمهورية، وبين الكتلة الصدرية و”الإطار التنسيقي” بشأن الكتلة الكبرى.
الإقليم يرفض
وبينما رفضت حكومة كردستان قرار المحكمة الاتحادية العليا، فإن المراقبين يعتقدون أنه لم يعد للحكومة الاتحادية أي هامش للتفاوض مع حكومة الإقليم في موضوع استخراج النفط وتسويقه، فالقرار يلزم الحكومة الاتحادية بتنفيذ القرار، ووفقاً لحكم المحكمة الاتحادية، فإن قانون النفط والغاز في الإقليم ملغى لمخالفته النصوص الدستورية وفق المواد 110 و111 و112 و115 و130 من الدستور، إذ أنه أوجب على حكومة كردستان تسليم واردات النفط بأثر رجعي من تاريخ إبرام العقود، والسماح لوزارة النفط وديوان الرقابة المالية بالاطلاع على هذه العقود، وفي حالة الإحجام سوف تستقطع هذه الأموال من النسبة المخصصة للإقليم من الموازنة السنوية، التي كانت 17% وخفضت العام الماضي إلى 12% من إجمالي موازنــــــــةالعراق.
ووصف مجلس وزراء إقليم كردستان قرار المحكمة الاتحادية بشأن قطاع النفط والغاز في إقليم كردستان بأنه “غير دستوري وغير عادل”، بعد اجتماع ترأسه رئيس مجلس وزراء الإقليم مسرور بارزاني.
وأكد بارزاني أن إقليم كردستان سيواصل جهوده لحماية والدفاع عن الحقوق والسلطات الدستورية المنصوص عليها في الدستور العراقي.
وتصدر المحكمة قراراتها بالأغلبية، النصف زائد واحد، في القضايا العامة، أما إذا كان القرار يخص الأقاليم والحكومة الاتحادية، فيجب أن يصدر بتصويت ثلثي أعضاء المحكمة عليه، أي ستة أصوات من أصل تسعة.
أزمة مزمنة
يقول مصدر مطلع على ملف الأزمة بين المركز والإقليم إن “الخلاف مع إقليم كردستان بدأ منذ وزارة الدكتور حسين الشهرستاني، الذي كان حينها حريصاً كل الحرص على أن لا يذهب الإقليم باتجاه إبرام عقود مع الشركات العالمية بعيداً عن موافقة وعلم وزارة النفط والحكومة الاتحادية.”
وأوضـــــــــح المصدر، الذي رفض الإفصاح عن اسمه، لـ “الشبكة” أن “رفض الإقليم دفع وزارة النفط إلى إيقاف التعامل مع الشركات العاملة في الإقليم دون موافقة الحكومة الاتحادية، وفعلاً أوقف التعاون مع شركة أوكسن موبيل الأمريكية. الى جانب ذلك، استخدمت الحكومة –حينها- الموازنة وحصة الإقليم كورقة ضغط أخرى على الإقليم، إلا أن الاخير لم يستجب الى تلك الضغوط.”
وتابع أنه “في وزارة المهندس كريم لعيبي في عام 2012، رفعت دعوى احتكام في المحكمة الاتحادية، التي بتت فيها مؤخراً.” مبيناً أن الدعوى أقيمت لوجود خلاف على آليات التعامل في ملف النفط بين الحكومة الاتحادية والإقليم الذي استمر بالتعاقدات واستثمار النفط دون الرجوع الى وزارة النفط الاتحادية او الحكومة المركزية.
وبين المصدر أنه بعد عام 2014 انطلقت الشركات للتعاقد مع الإقليم باستثمار وإنتاج النفط هناك على أساس المشاركة في الإنتاج، وقد بلغ عدد الشركات النفطية المتعاقدة مع الاقليم نحو 50 شركة، وهي مستمرة في العمل، ما يعد مخالفة واضحة، لأنها عقود مشاركة دون موافقة الحكومة الاتحادية، وأن النفط والغاز هما ملك للشعب العراقي بأكمله.
وعلى هذا الأساس تجاوزت المبالغ التي استحصل عليها الإقليم منذ عام 2014 حتى الآن الـ 130 مليار دولار، بعد استقطاع حصة الإقليم، وأن هذه المبالغ تعد مستحقات للحكومة الاتحادية، وأن قرار المحكمة الاتحادية الأخير منصف لجميع أبناء الشعب العراقي، بمن فيهم الشعب الكردي.
لكن الخبير هاوري توفيق، المقرب من حومة الإقليم، يعتقد أن قرارات المحكمة الاتحادية، وإن كانت قطعية ولا يطعن فيها، وهذه الحقيقة المرة صحيحة قانونياً، لكنها سياسياً وعلى أرض الواقع، ليست باتةً وقطعيةً، لذلك فإن حكومة الإقليم تراهن على قرار سياسي للطعن بقرار المحكمة.
ولفت توفيق الى أن المحكمة سبق أن غيرت قرارها بشأن الكتلة الكبرى وعقد الجلسة الأولى، فلو كان هناك اتفاق سياسي، ستعمد المحكمة بنفسها إلى تغيير قرارها أو إبطال رأيها، والدليل على هذا هو صدور العديد من القرارات القطعية والباتة في السنوات الماضية بخصوص مسائل عدة، ثم أصدرت المحكمة فيما بعد قرارات تخالف قرارها السابق.
وأشار الى أن قانون المحكمة لم يصدر حتى الآن بموجب الدستور، ويجب أن يكون شرط الكرد للحوار والتفاوض بشأن تشكيل الحكومة هو الاتفاق على إصدار قانون المحكمة الاتحادية بحيث يكون عدد ممثلي الكرد، في فقرة تصويت الثلثين، ثلاثة قضاة يتم اختيارهم من قبل مجلس قضاء إقليم كردستان، وبهذا ستثبت حصانة الكرد في المحكمة لصالح إقليم كردستان.
المحكمة ترفع الغطاء القانوي
من جانب آخر، يؤكد مدير شركة تسويق النفط سومو الدكتور فلاح العامري، أن عدم الاتفاق على قانون النفط والغاز الاتحادي كان بسبب خلافات كان بالإمكان التوافق عليها وتجاوزها في حينها من قبل الطرفين.
وأضاف “كان يفترض تسليم مسودة قانون النفط والغاز الاتحادي، الذي أنجز من قبل لجنة فنية عالية المستوى الى لجنة قانونية أعضاؤها من الاتحادية والإقليم، بدلاً من اللجوء الى اللجان السياسية لغرض التوافق الذي لم يحصل منذ عام ٢٠٠٧ ولحد الآن.”
وأشار الى أن الإقليم لجأ الى إيجاد غطاء لعملية تسويق نفطه بسن قانون النفط والغاز لإضفاء الشرعية على العقود التي أبرمها لاحقاً مع شركات النفط والغاز العالمية، ومكن هذا القانون الإقليم في تعيين شركات قانونية استشارية أجنبية فسرت مواد الدستور الحصرية ١١٠،١١١،١١٢ وغيرها لصالح الإقليم في إدارة النفط والغاز، دون التشاور او التعاون مع المركز.
وبين العامري أن هذا أدى الى عدم معرفة مصير الإيرادات ومكان إيداعها ونسبة مساهمتها في موازنة الإقليم، ما إثار نقمة المواطنين في الإقليم وبقية أنحاء العراق، وضاعف من الضغوط على حكومة الإقليم.
تنفيذ القرار
وأكد مدير شركة سومو أن الحكومة بدأت بتنفيذ قرار المحكمة الاتحادية فوراً وبدأت بتشكيل لجنة برئاسة وزارة النفط لغرض التوصل الى آليات من شانها تطبيق قرار المحكمة الاتحادية.
وأشار إلى أن مهمة لجنة وزارة للنفط صعبة للغاية لأسباب عدة: أولها رفض الإقليم لهذا القرار والتشكيك في مضمونه وتوقيته، وربما في نهاية المطاف يعدل بعض المسؤولين عن تنفيذ إدارة الملف في الإقليم، متوقعاً أن تكون للقرار تداعيات سياسية ومالية كبيرة على الإقليم الذي يحتاج الى حلول صعبة سبق له رفضها.
وأوضح العامري أن الخيارات المتوفرة أمام الإقليم محدودة وصعبة للغاية، لكنه يمكن أن يلجا الى اتخاذ خطوات تؤجل تطبيق القانون لفترة، ولاسيما الدخول في أروقة الدعاوى وما يتطلبه ذلك من إجراءات طويلة.
أما الخيار الثاني فهو أن يقوم الإقليم بإقامة دعوى خارج العراق ضد المحكمة والحكومة الاتحادية، ويمكن أن تتبناها الشركات الاستشارية القانونية التي سبق أن فسرت المواد ١١٠-١١٧ من الدستور وأعطت الإقليم الحق في سن قانون النفط والغاز وإدارة ملفه.
أما الخيار الثالث فهو الاستجابة لتنفيذ هذا القرار والتعاون مع اللجنة الوزارية وتقديم مقترحات، او مبررات، يمكن من خلال التفاوض مع اللجنة الوزارية الاتحادية والخروج بتوصيات تتماشى مع روح القرار.
أضاف مدير شركة سومو أن هذا القرار جعل موقف الإقليم صعباً جداً من جميع النواحي، لاسيما بوجود تأييد لقرار المحكمة الاتحادية من قبل نسبة كبيرة من المواطنين في الإقليم وخارجه، إضافة الى بعض الأطراف والأحزاب الكردية وبرلمان كردستان، ولاسيما في محافظة السليمانية.
قرار لمصلحة العراقيين
وبالطبع فإن ثمة من يعتقد أن قرار المحكمة سياسي يأتي في إطار الضغط الذي يوجه ضد حزب البارتي، لكن الكاتب والمحلل السياسي، الملا بختيار، أوضح أن القرار ليس سياسياً وقال: “لو كان قرار المحكمة العليا سياسياً، فلماذا من أصل تسعة أعضاء في المحكمة صوت أربعة من التحالف الثلاثي لصالح القرار، اثنان من (السيادة)، واثنان من (الصدريين)، فيما رفض العضوان الكرديان فقط تأييده.”
ويؤكد العديد من السياسيين أن القرار جاء لصالح مواطني الإقليم، فثمة شكاوى عديدة من غياب الشفافية عن مصير إيرادات نفط الإقليم، كما أن هذا القرار يغلق الباب أمام أي سياسي يدخل هذا الملف الى مفاوضات تشكيل الحكومة على حساب مصالح المواطنين العراقيين بمن فيهم مواطنو الإقليم.
وفي هذا الصدد، أكد عضو حركة التغيير الكردية، فرمان حسن، في حديث متلفز تابعته “الشبكة” أن قرار المحكمة الاتحادية العليا بشأن نفط كردستان ملزم التطبيق للحكومة الاتحادية أيضاً، مبيناً أن إيرادات النفط والغاز في الإقليم تذهب إلى جيوب الفاسدين والأحزاب الحاكمة.
وأضاف: “ليست هناك أرقام بشأن الكميات التي تصدرها حكومة الإقليم، وأن هناك فشلاً للسياسية النفطية في الإقليم، لأن خيرها لا يعود الى المواطنين.”
الأمن الوطني
وانسجاماً مع قرار المحكمة الاتحادية العليا، أصدر المجلس الوزاري للأمن الوطني حزمة توجيهات بشأن قرار المحكمة العليا بعدم دستورية قانون النفط والغاز لحكومة إقليم كردستان.
وذكر بيان أن “المجلس استضاف وزير النفط لمناقشة قرار المحكمة الاتحادية الأخير بشأن إدارة النفط في اقليم كردستان، وقرر تكليف وزارة النفط بالتواصل والتنسيق مع حكومة إقليم كردستان والشركات والدول المعنية، لإعداد الآليات والخطوات الكفيلة بإدارة هذا الملف وفقاً لأحكام الدستور والمصلحة الوطنية العليا.”
وأضاف أن “المجــــــــــــلس الوزاري للأمن الوطني خول وزارة النفط الاستعانة بالاستشاريين والخبراء من داخل العراق وخارجه لأجل وضع خريطة طريق فنية
وزمنية بهذا الصدد.”