الصين والهند وكينيا أكبر منتجيه الشاي.. ذلك المشروب الساحر

381

ترجمة: آلاء فائق عن موقع والد أطلس

منذ اكتشافه لأول مرة في الصين عام 2737 قبل الميلاد، أصبح الشاي أحد أكثر المشروبات شعبية في جميع أنحاء العالم. إذ أن غالبية دول العالم تزرع الشاي اليوم، وبشكل أساسي دول آسيا وإفريقيا، مع ذلك يتم إنتاجه تجارياً في أكثر من 60 دولة.
يبدو، من قبيل المصادفة السعيدة -على الأقل- كما تقول القصة الصينية، أن الإمبراطور الصيني شين نونغ هو الذي اكتشف الشاي لأول مرة، فقد تذوق قدحاً منه عندما كان هو وجنوده يهمون بالاسترخاء تحت ظل شجرة، فتساقط العديد من أوراقها عليهم لحظة هبوب الرياح، وتزامن سقوط الأوراق مع انشغال الجنود بغلي ماء ساخن في إناء معدني، فتساقط قسم من أوراق الشجرة فيه، وبدوره صب الإمبراطور القليل منه في قدح وشرب منه ، فراق له كثيراً، ومن حينها أصبح هذا المشروب حقيقة واقعة.
تحظى أنواع متعددة من الشاي بشعبية واسعة في جميع أنحاء العالم.
وتنتج الصين أكبر قدر منه في العالم، أما الهند فتنتج 1.2 مليون طن، يبقى أكثر من نصفه داخل البلاد ليستهلكه مواطنوها. كما تنتج كينيا 432 طناً من الشاي، ما يجعلها واحدة من أكثر الدول المنتجة للشاي وأكبر مصدر للشاي الأسود.
قدح الشاي الدافئ
الماء هو أساس الحياة لكل البشر، مهما كان الشكل الذي قد يتخذه، فهو مشروب ضروري تحتاجه جميع الكائنات الحية للبقاء على قيد الحياة. انطلاقاً من هذه الضرورة ورغبة البشرية الجوهرية بالتحسين والابتكار، توصل البشر إلى مجموعة متنوعة من الطرق المختلفة للحصول على الماء، من المشروبات الغازية الى القهوة. وبينما تعمل جميعها على أساس سائل، فإنها يمكن أن تختلف اختلافاً كبيراً في مذاقها ومحتواها، ولا يوجد مكان أكثر انتشاراً لهذا الاختلاف سوى في عالم الشاي.
الشاي، هذا المشروب السحري الدافئ، الذي ولد من رحم جنوب شرق آسيا، هو لاعب رئيس في الوظائف الاجتماعية والقيمة الاقتصادية، وتشتهر العديد من البلدان بنكهات متميزة لأجود أصنافه، وتتمتع العديد منها بمعدلات إنتاج عالية.
يحتل الشاي جانباً مهماً من جوانب الحياة الاجتماعية في العديد من دول العالم، فذروة مراسم الزواج لا يمكن أن تتوج في بعض الدول دون إقامة حفلة شاي وهي (حفلة رسمية تقدم للعريس والعروسة، يكرم من خلالها العروسان وعائلتاهما).
مرسوم غلي ماء الشرب يقود إلى نشأة الشاي
تنتج الصين أكثر من مليوني طن من الشاي، ما يجعلها أكبر منتج في العالم. ويعتبر الشاي جزءاً أساسياً من النسيج الاجتماعي للشعب الصيني، كما يلعب دوراً رئيساً مهماً في التنمية الاقتصادية والحياة اليومية. نشأ الشاي من بطون الحضارة الصينية وتحديداً في عام 2737 قبل الميلاد، لحظة ارتشاف الإمبراطور شين نونغ الماء المغلي الذي سقطت فيه أوراق الشجرة بالصدفة، ولو لم يكن للإمبراطور اهتمام واسع بالعلوم، ولولا إصداره مرسوماً يقضي بضرورة غلي كل مياه الشرب لأسباب صحية، لما عرفنا هذا المشروب الساحر. إن شغف شين نونغ بالعلم جعله ينتظر نتيجة سقوط الأوراق في الماء الساخن وتحولها إلى اللون البني وارتشافه منها لينطلق الشاي منذ تلك اللحظة إلى العالم.
قوافل طريق الحرير أوصلت الشاي إلى الهند
تأتي الهند في المرتبة الثانية بقائمة إنتاج الشاي بمعدل يصل إلى 1.2 مليون طن، وأسهمت قوافل طريق الحرير التي سافرت من الصين إلى أوروبا في السنوات الطوال الماضية في تقديم الشاي إلى الهند لأول مرة. وعلى الرغم من هذا الارتباط المبكر، إلا أن البريطانيين قدموا المشروبات رسمياً للثقافة الهندية، التي بدأت بالازدهار منذ ذلك الحين. مناخ الهند مثالي لزراعة النباتات، وتفتخر الهند بجودة إنتاج الشاي، أسوة بالصين، وكان البريطانيون عازمين على الإطاحة باحتكار الصين لإنتاج الشاي من خلال زراعته في مستعمرتهم الثمينة، الهند.
وكما هو الحال في الصين، يعتبر الشاي جزءاً مهماً من حياة الهند اليومية. سوق الشاي في الهند ضخم جداً، وفقاً لانتشار عشرات الآلاف من حدائق الشاي في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك الأصناف المشهورة مثل (دارجيلنغ) و(آسام). يستهلك سكان الهند أكثر من نصف الشاي المنتج داخلها، ما يجعل مليار فرد بالهند شغوفين فعلياً باحتسائه.
للشاي أهمية ثقافية في اليابان
لو توجهنا إلى المحيط الهادئ، تحديداً إلى اليابان، سنجد أنها تنتج نحو 89 ألف طن من الشاي الأخضر، غالباً في مناطق شيزوكا، وكاجوشيما، وأوجي. الشاي له أهمية ثقافية هائلة في اليابان، فهو مشروبهم الأكثر شعبية وهو أساسي في أغلب احتفالاتهم الشعبية.
أدخل الرهبان البوذيون الشاي الى جزر اليابان منذ القرن السادس. وسرعان ما أصبح الشاي متوافقاً مع الاحتفالات الدينية، ولاسيما عندما قدمه الإمبراطور الياباني شومو إلى 100 راهب، ويُعتقد أن بذور الشاي وصلت لأول مرة إلى اليابان في عامي 805 و 806 ، حين لفتت صناعة الشاي المزدهرة انتباه الإمبراطور الـ52 (ساغا)، خلال فترة حكمه الممتدة بين 809 -823.
أكثر صادرات اليابان شعبية اليوم للعالم هي من الشاي الأخضر، كاسانشا وماتشا، لكن معظم ما يتم إنتاجه داخل اليابان يتم استهلاكه محلياً.
كينيا وقربها من خط الاستواء
تتمتع كينيا بإجمالي إنتاج يصل إلى 432 ألف طن، ورغم أن معظم الناس لا يتصورون أن كينيا لها اهتمام بالشاي، إلا أنها في الواقع أكبر مصدر للشاي الأسود في العالم، وهناك أكثر من 500 ألف مزارع كيني صغير يزرعون الشاي في البلاد، إذ سهل قرب موقعها من خط الاستواء تعرض غالبية أراضيها لأشعة الشمس، ما مهد لظروف مثلى لنمو مختلف أنواع النباتات، ومنها الشاي. غرس مزارعو كينيا بذور أول شجيرة شاي في أوائل القرن العشرين وكانت عنصراً أساسياً لأنتاج الشاي في بلادهم.
سيريلانكا مصدر الشاي السيلاني
سريلانكا هي رابع أكبر دولة منتجة للشاي، إذ تنتج 340 ألف طن منه.
فهي واحدة من أكبر مصدري الشاي الأرثودكسي، وهي معروفة بشكل خاص بإنتاج شاي سيلان، وقد أطلق المستعمرون هذه التسمية عليه. كانت البلاد تنتج أصلاً كميات هائلة من القهوة، لكنها تحولت إلى الشاي بعد أن قضت الآفات الزراعية على معظم محاصيل القهوة. الآن، الشاي هو العملة الأجنبية الرئيسة للبلاد مع البلدان الأخرى، إذ يمثل إنتاج الشاي 2 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.
تهريب شجيرات الشاي من الهند إلى إيران
إيران، التي تقع في حوض المحيط الهندي، نجدها مهتمة بزراعة الشاي، ولو توجهنا تحديداً إلى منطقة بحر قزوين في جيلان، سنجد مساحات زراعية شاسعة، لكن ايران تنتج أقل بقليل من 84 ألف طن.
ظهر الشاي لأول مرة كمشروب في تلك المنطقة في القرن الـ15، وبفضل التجارة النشطة على طول طريق الحرير الشهير، سرعان ما أصبح الشاي مشروباً شعبياً في إيران. زراعة محصول الشاي لم تبدأ في البلاد حتى العام 1899 حين قام الأمير محمد ميرزا بتهريب شجيرات الشاي من الهند إلى مدينة لاهيجان حيث بدأ في زراعة المحصول، مع إنشاء أول مصنع شاي حديث في العام 1934.
الشاي.. نشاط تأملي في فيتنام
تعد فيتنام من بين الخمس دول الأولى إنتاجاً للشاي في العالم، ويصل إجمالي إنتاجها إلى214 ألف طن. الشاي متأصل بعمق في الثقافة الفيتنامية، تحديداً منذ آلاف السنين. وعادة ما يقدم بطرق غير رسمية مع القليل من الطقوس التي قد تمارسها الدول الأخرى كذلك. ينظر الفيتناميون أيضاً إلى الشاي على أنه نشاط تأملي، ومنبه يجب شربه أثناء ممارسة الأنشطة العلمية.
وعلى الرغم من أن الشاي كان يشكل جزءاً من الثقافة الفيتنامية على مدى سنوات عديدة، غير أن البلاد بدأت في إنتاجه في ثمانينيات القرن التاسع عشر عندما أنشأ المستعمرون الفرنسيون مزارع الشاي شمال غرب هانوي. عادة ما يفضل محتسو الشاي الفيتناميون الشاي البسيط مع الحد الأدنى من النكهات.
يأتي الشاي الأخضر كأكثر أنواع الشاي شعبية في فيتنام، وشاي (اللوتس) هو أيضاً تخصص فيتنامي، يجري صنعه عن طريق ختم أوراق الشاي الأخضر في زهرة اللوتس وتركهما طوال الليل حتى تأخذ الأوراق رائحة الزهرة.
مجموعة تقاليد وراء الشاي
يمكن أن يكون الشاي والثقافات المحيطة به معقدين ومتعددي الأوجه، إذ أن اندماج شعوب العالم بشكل كبير بأساليب حياتهم اليومية، يشكل طقوساً متنوعة عند استهلاكه. كما أن شعبية الشاي لدى معظم دول العالم لا تظهر أي مؤشر على انخفاض انتاجه مستقبلاً، وذلك يمكنه أن يطمئن عشاق الشاي، مع سهولة الوصول إلى العديد من أصنافه اللذيذة بالعالم.
ويبدو أن العالم قد انقسم بين القهوة والشاي، إذ اتضح مؤخراً، أن محبي الشاي في العالم هم أكثر من محبي القهوة، وأن الشاي هو ثاني أكثر المشروبات شعبية بعد الماء.
نشأ الشاي كمشروب طبي في القرن الثالث، حين وصل وقتها إلى كل ركن من أركان العالم، واليوم يتناوله الناس بكل الأشكال التي يمكن تخيلها، وبناءً على نصيب الفرد من استهلاك الشاي لعام 2016، فإن أكثر الدول التي تحتسي الشاي هي تركيا، وآيرلندا، والمملكة المتحدة.
أكثر الشعوب استهلاكاً للشاي في العالم:
تركيا
يعتبر (استكان) او قدح الشاي، الذي يتم تقديمه مع البقلاوة، وجبة شائعة في المقاهي والمطاعم التركية، ويعده البعض وجبة إفطار مميزة، الأتراك هم من أكثر شعوب العالم شغفاً بشرب الشاي، إذ تتصدر تركيا قائمة الشعوب المستهلكة للشاي في العالم، لكن معدل الاستهلاك لا يزيد بشكل طفيف كما هو الحال مع البلدان الأخرى، إذ يشرب الشخص في تركيا 3.16 كجم من الشاي سنوياً.
دخل الشاي إلى تركيا في القرن العشرين، ومن حينها أصبح المشروب الساخن الأكثر شعبية. وترجع هذه القفزة في شعبية الشاي إلى حقيقة أن استيراد الشاي بدأ مع ارتفاع أسعار القهوة، ما جعل الشاي بديلاً أرخص. يقدم ا لأتراك الشاي في (استكانات) زجاجية شفافة يتألق لونه من خلالها.
الشاي يدفئ أجواء آيرلندا
تقع آيرلندا، المعروفة باسم جزيرة الزمرد، وسط المحيط الأطلسي الشمالي البارد. لذا يحتاج سكانها إلى كوب من الشاي الساخن للتغلب على فصول الشتاء الرمادية والضبابية. ويبلغ معدل استهلاك الشاي في آيرلندا 2.19 كجم للشخص الواحد وشرابهم المفضل هو الشاي الأسود.
الشاي في المملكة المتحدة كان حصراً على الطبقة العليا
تشتهر المملكة المتحدة بتفضيلها الشاي عن غيره من المشروبات الساخنة، وقد جعلت “وقت الشاي” فترة معروفة في جميع أنحاء العالم. يشرب أفراد المملكة 1.94 كجم من الشاي كل عام. تناول الشاي في المملكة له تاريخ طويل، إذ بدأ في القرن الـ18، عندما قدم التجار المشروبات على أنها حصرية للطبقة العليا في بريطانيا.