نجل نوري السعيد اول مدير لها الخطوط الجوية العراقية ولدت تابعة للسكك الحديد!

1٬061

ارشيف واعداد عامر بدر حسون/

عندما يتولى الطيار فؤاد عازر قيادة احدى طائرات الخطوط الجوية العراقية يحدث في كثير من المرات أن تكون السيدة فيكتوريا يعقوب مضيفة بالطائرة، والاثنان عراقيان تبعث براعة الأول في القيادة الثقة والاطمئنان في قلوب الركاب كما يضمن لطف الثانية ورعايتها راحتهم الفكرية والجسمية.

ويحمل السيد فؤاد اجازة طيران بريطانية، وهو معدود بين أمهر وأسلم الطيارين في العالم، ولكن فكرة قيادة طائرة الى مختلف أرجاء الشرق الأوسط لم تكن – الى ما قبل سنوات قليلة- غير حلم يراوده ويعاوده، وقد ولد في بغداد وبعد أن أتم العشرين من عمره التحق بعمل إداري في شركة الخطوط الجوية العراقية حديثة التكوين، وكان عدد العراقيين المدربين في تلك الأيام قليلا جدا، ولذلك كان جميع الطيارين والملاحين في الشركة بريطانيين.

وسئل ذات يوم عما إذا كان يريد أن يصبح طيارا فأجاب بالايجاب وهو مبتهج لهذه الفرصة السعيدة، وأرسل الى انكلترا مع خمسة آخرين في شهر شباط (فبراير) 1948 وتعلم قيادة الطائرات في (جامعة الطيران) في هامبل.
ونال اجازة الطيران البريطانية وحافظ من ذلك الوقت على المستوى الرفيع الذي تحتمه تلك الاجازة على حامليها، وفوق هذا التقى أثناء تعليمه بفتاة انكليزية حسناء وتزوجها وله منها طفلة اسمها (دلال) عمرها سنتان.
أما السيدة فيكتوريا يعقوب فعمرها 24 سنة وهي متزوجة ولها طفلتان صغيرتان، وقد ولدت في الموصل ولم يسبق لها التوظيف في حياتها، وكان أهم ما تعنى به هو المساهمة في حركة تحرير المرأة بالعراق وكتبت في هذا الموضوع مقالات وابحاثا في الصحف والمجلات.

وما لبثت أن ادركت أنها تخدم هذه الغاية بالعمل أكثر ما تخدمها بالكتابة، فقررت أن تبحث عن عمل، ولما أعلنت شركة الخطوط الجوية عن حاجتها الى مضيفات من الجنس اللطيف قدمت طلبا للحصول على احدى هذه الوظائف وسألت زوجها عما اذا كان يوافق فقال: (امضي على بركة الله مادمت سعيدة وراغبة في ذلك)، واتخذت التدابير لتتولى أمها العناية بالطفلتين: نورا وعمرها 6 سنوات وليندا وعمرها 18 شهراً أثناء سفراتها التي لا تزيد كل مرة على يومين أو ثلاثة.

والسيد فؤاد عازر والسيدة فيكتوريا يعقوب هما فصل من قصة ما انجزته شركة الخطوط الجوية العراقية في زمن قصير. ففي عام 1945 سمح لادارة الخطوط الحديدية العراقية بتأسيس خط جوي مساعد لها تتولى هي ادارته. وكان عدد الاكفاء لهذا العمل من العراقيين قليل جدا، فعقد اتفاق مع شركة الخطوط البريطانية لما وراء البحار B.O.A.C. على أن تتولى أعمال الاستشارة الفنية وأن تقوم بتدريب الموظفين العراقيين على جميع عمليات خط طيران مدني.

وفي عام 45-1946 لم يكن هناك من عراقي واحد بين الطيارين وموظفي الحركة، بل قام بهذه الأعمال (11) بريطانيا، ولم يكن عراقي واحد يعمل في الناحية الهندسية التي تولاها 10 من البريطانيين، ولكن في عام 1953 أصبح الطيارون العراقيون وضباط الراديو 14 وبقي من البريطانيين ثلاثة فقط، وزاد عدد أبناء البلاد في قسم الهندسة الى 43 وبقي فيه تسعة من البريطانيين. وقد اقتبس المستوى البريطاني في العمليات والصيانة.

وفي كانون الثاني (يناير) 1946 سلمت خمس طائرات من طراز (دوهافيلاند رابيد) الى بغداد. وفي 29 من ذلك الشهر نظم خط جوي للاتصال بالبصرة مرتين يوميا، وتبع ذلك تسيير طائرات مرتين في الاسبوع الى بيروت. وفي السنة الأولى – اي في 46-47 امتدت الطرق الجوية حتى بلغت 083و669 ميلا واستؤجرت طائرتا داكوتا. وبعد سنة عين العقيد السيد صباح السعيد نجل السيد نوري السعيد السياسي العراقي الكبير، مديرا عاما لهذه الخطوط التي نمت واتسعت بسرعة، وارسل ستة طيارين الى بريطانيا للتدرب ووصلت ثلاث طيارات من طراز (فيكرز فاينغ) وثلاث من طراز (هافيلاند دوف) وبدأ باستخدام افضل التجهيزات واحدثها، وتولى الموظفون العراقيون إدارة الحركة والمكاتب وزاد عدد المحركات التي تصلح في بغداد وما أن حل عام 1951 حتى توطدت دعائم تلك الشركة الوطنية وسجلت رقما عاليا في السلامة والثقة وبرحلاتها ومن ذلك الحين افتتحت خطوط ذات مواعيد غاية في الدقة والانتظام بين بغداد وطهران والقاهرة ودمشق وبيروت والكويت والبحرين والبصرة وكركوك تنقل ألف مسافر في الشهر علاوة على كميات ضخمة من البضائع والامتعة.

واوفدت شركة الخطوط الجوية البريطانية بناء على اتفاق سابق سينثيا اربثورب، المضيفة المشهورة التي خدمت جلالة الملكة اليزابيث الثانية في الطائرة التي نقلتها من شرق افريقيا الى لندن بعد وفاة والدها، لتدريب المضيفات العراقيات وتنظيم قسم شراء المؤن والمهمات وصيانتها وتدربت فيكتوريا مدة شهرين على يدي سينثيا على العناية بالمسافرين وكثير منهم يركبون الطيارة لاول مرة، وعلى ان تبعث الثقة في قلوبهم وتجعلهم يشعرون بالراحة كأنهم في منازلهم ولم تكن فيكتوريا تعرف شيئا من هذا العمل على الاطلاق ولكنها بعد تلك المدة القصيرة سافرت بالطائرة وقامت وحدها بعمل المضيفة على أحسن وجه.