سرّ ألفاظ طفلك النابية التيك توك أم شيطنة المدرسة؟

372

آمنة المحمداوي /

أتألمُ كثيراً حينما ألمح بنتاً لهلوبة ترقص في التيك توك دون أن يغلف لون الخجل الفطري خديها الصغيرين بدلع طفولي خام، او قد يصادفني ولد بريء يحشش بكلمات نابية وبذاءة صلفة زرعها طيش الكبار بعقله ليُصبح (رجلا)..
قطعاً، لستُ ضد الشقاوة البريئة والغنج الصبياني ولكنني ضد صناعة طفل غير مؤدب بألفاظه ومشيطن بحركاته بسبب انشغال والديه بخراب البيت ربما او هروبه من عركات المدرسة كما يُقال وبالتالي لن يتبقى له غير أصدقاء الشارع الملغوم والفضاء الإلكتروني المُرعب الذي يلوث فطرة الصغيرة ويدرب الصبي على الكلمات النابية ليصبحا في المستقبل بطلين في قلة التربية والأدب الضائع.
جيل متراقص عريان
” إذا لم نتلاحق الأمر، فمُستقبل مُرعب ينتظرنا في ظل جيل كهذا مُتراقص عريان يمرر الشتيمة بهيئةِ تقليعة دارجة على ألسن أصدقائه وأهله في البيت من التيك توك!” بهذا التحذير والقلق المؤلم شخصت الكاتبة والطالبة في ماجستير التأريخ (زهراء الموسوي) قائلة :
“الطفل اليوم يريد أن يكسر قالب طفولته بكل طريقة، تارة بتقليد شتائم الكبار، وتارة أخرى بتقليد وقاحة أصدقائه، وتارة ثالثة باحتراف الرقص والتعنيف والكلمات النابية التي يحترف ترديدها من كارثة التيك توك، بل يحفزه البعض وكأنه في نظر بعضهم يحتاج البذاءة في صغره ليصبح (رجّالاً).
المدارس كان لها -سـابقاً- دور قوي وفعال في التربية قبل التعليم وما يمكن أن نكتسبه من جماليات بريئة تناسب أعمارنا، أتذكر عندما كنت في الابتدائية تأتي معلمة القراءة لتوزع على كل طالبة مجلة تحتوي على نصائح ورسومات هادفة، وأيضاً كان لكل طالب كراس لكي يقوي خطـه ولغته، حالياً الأجيال للأسف أجيال (ببجي وسناب وتيك توك) التي تصدر للمجتمع تفـاهة لا حدود لها.”
مدارس بلا انضباط
“صدقيني، ليس أقسى على الأبوين وأوجع على قلبيهما من أن يتلفظ ابنهما بألفاظ نابية في البيت وأمام الغرباء، في تلك اللحظة تحل محل التربية والتعب، بذاءات التيك توك!” بهذه الشكوى الحزينة من الأب المتلوع (عمار المرشدي) من تلك العادة السيئة، إذ قال بأسف:
“قبل أسبوع فوجئت بولدي الصغير ينادي أخاه الأكبر منه بكلمة (تعال مضغوط)، وبدون أي خجل او خوف أن يسمعها أبوه، الحقيقة أني انفعلت كثيراً ووبخته، وعرفت أنه تعلمها من شاشة هاتف أحد أصدقائه في المدرسة، علماً أنني أخصص لهم وقتاً معيناً للعب في الهاتف وبرامجه داخل البيت فقط، لكن المصيبة أن الطفل متلق ذكي وجيد لكل الألفاظ والأحداث التي يراها في الهاتف او تدور من حوله، فيقوم بترديدها وحفظها لدى صدورها من أصدقائه في المدرسة، وهو ما أعانيه مع أطفالي بعدما دخلوا المدرسة، لذا أنا شخصياً أحمِّل المدرسة مسؤولية ما يجلبه أطفالي من ألفاظ نابية، لأن المدرسة هي عبارة عن مجموعة أطفال بتربية عالية يجالسون آخرين مهملين ومن أسر مضطربة، وبالتالي فإن الطفل الجيد هنا سوف يلتقط السيئات ويتعلم من أصدقاء السوء ما يلوث شخصيته”.
أبوان غير مؤهلين
المعلمة في مدرسة الأقباس (زهراء عبد) امتعضت كثيراً ممن سبقها في الحديث وإلقاء اللائمة على إهمال المدرسة، لا خراب البيوت وقلة تربيتها، قائلة:
“بصراحة فإن الآباء لا يريدون أي اتهام او شعور بالقصور في تربية الأبناء، وهم يعلمون جيداً أن أول مكان وسقف يذكر فيه اللفظ البذيء وسوء الخلق يكون -وبلا جدال- هو سقف البيت وفي أحضان الوالدين، وتحديداً في سني أعمارهم الأولى التي يستمعون فيها للتلفزيون والى إخوتهم وجيرانهم، وقبل هؤلاء من والديهم وهما يتلفَّظان بكلمات غير لائقة سيردِّدونها لاحقاً. ولنا تجارب كثيرة مع طلاب الصفوف الأولى الذين يكونون مزودين بألفاظ مخزية، أما المصدر الثاني الذي يعزز، أو يفنن، أو ينمي البذرة، فهو قطعاً المدرسة والروضة إذا كانتا غير مؤهلتين، لأن تلك الأماكن يقضي فيها الطفل نصف يومه ويتعلم في داخلها فن الكلام ويحتك بأصدقاء السوء ويتعامل معهم ويتعلم منهم.”
الثقة تحمي الطفل
“كثيراً ما أخبر أولادي أنه لا يجوز إهانة الأطفال الآخرين بإسماعهم كلمات بذئية، بل يجب احترامهم وسماع رأيهم..” بهدوء درّب الكاتب الصحافي (سعدي غزالة) أولاده، سواء في المدرسة أو الشارع أو المدرسة، على احترام الآخرين، يضيف: لذلك فإن أطفالي ملتزمون بما قمتُ بنحته في ذاكرتهم السلوكية من ذوق وإتكيت وتربية، أتذكر أنني عدت مرة الى البيت متعباً وكنت -نوعاً ما- منزعجاً من ظروف العمل، فتحدثت مع ولدي بحدة وتلفظت بكلمة غير مناسبة بحقه، عندها التفت إلي ونظر في وجهي وقال بكل شجاعة: “ليش تغلط بابا انت مو تكول ميصير واحد يغلط!” عندها بصراحة شعرت بالخجل وفي نفس الوقت بالفخر أمام شجاعة ابني وحسن تربيته لأنه واجهني بخطئي ولم يخشني، المهم أني بعدها اعتذرت منه وانسحبت من المكان.
الوقاية منذ الصغر
الباحث الاجتماعي (بسيم الأمير) اعتبر حسن التعامل مع الطفل في محيطه بأنه مرحلة وقاية أولى باعتباره توجهاً بناءً، قائلاً:
“الأسرة هي خط الوقاية الأول، لأن التربية غير الصحيحة منذ الصِغر تعد عاملاً أساسياً في تردّي مستوى الأبناء الخُلقي، إذ أن عدم متابعة الأهل لسلوكيات أبنائهم سبب رئيس في صناعة شاب مجرم أو عدواني، أما خط الوقاية الثاني فهو التأكيد على مرحلة الطفولة في المدرسة لأن إهمال إدارة المدرسة لجانب الأطفال التربوي سيجعلهم كمن يربط الجرباء قرب الصحيحة، ولمُعالجة الخلل نحتاج للهدوء قبل كل شيء، والبدء بشرح معنى الألفاظ السيئة للطفل لأنه لا يعرفه، وإفهامه بشاعتها وأنه لا يمكن مسامحته إذا ما كررها، إذ أنه سوف يعاقب في حال تكرارها مرة أخرى بعد الشرح، كما يجب التأكيد على عدم استخدام العقاب الجسدي نهائياً لأنه سيزيد الحالة عناداً وسوءاً، وإنما التركيز على العقاب المعنوي، كحرمان الطفل من المصروف او التنزه، وكذلك ضرورة الانتباه الى نوعية المدارس التي يتعلم فيها.