الأسماء الرنانة للمدارس فخفخة.. أم رقيّ تر بوي!
علي غني- تصوير: حسين طالب /
كثرت في السنوات الأخيرة ظاهرة تسميات المدارس في عموم العراق، منها مدارس: الموهوبين، والمتفوقين، والأساسية، والجذب الجيد، والنموذجية، والاعتيادية. وانسحب هذا الأمر على المدارس الأهلية فأطلقت على بعض مدارسها اسم (الدولية).
هذه التسميات عدها بعضهم سيئة لأن فيها إثارة للتفرقة بين الطلبة، بينما عدها بعض آخر بأنها مصانع للطلبة الأذكياء. لكن التساؤل الأهم هو: من الذي يقود سفينة التعليم الى بر الأمان؟ وما تأثير اسم المدرسة على الجانب النفسي للطلبة؟ ومتى نلغي كل هذه التسميات لتصبح مدارسنا كلها ذات مستوى واحد؟ “يا وزارة التربية كوني على قدر المسؤولية!” نداء خفي من آلاف العوائل العراقية التي لديها أبناء في المدارس العادية التي تطمح بحصة تعليمية واحدة من هذه المدارس.
محاولة للتغيير
لابد لي من الإقرار بأن هذا الموضوع هو محاولة لإعادة النظر في دور المدرسة العراقية التي خرّجت العلماء من دون حاجة الى هذه التسميات في السنين الماضية، إذ أن أكثر أولياء الأمور في عموم العراق تراهم يعانون في كل سنة من مشكلة تسجيل أولادهم في المدارس، فلو أن الوزارة اهتمت بجميع المدارس وخلقت فيها الأجواء التنافسية، لكانت أراحت واستراحت، وطمأنت أولياء الأمور في جميع أنحاء العراق. نحن في نظرية الصحافة عندما نناقش مثل هذا الموضوع بات لزاماً علينا أن نستمع الى كل الآراء.
رفض وقبول
بدأنا من ثانوية المتميزات في الكرخ الثانية، حيث دافعت مديرتها السيدة (آمنة قاسم) عن تجربة مدارس الموهوبين والمتميزين، وعدّتها تجربة ناجحة ومثيرة للتنافس لبناء فئة مجتهدة من الطلبة: “عندما كان الطالب يقبل بمجهوده الشخصي، وبالاعتماد على قدراته وبدون مساعدات إضافية، سواء بقرار أو بغير قرار، فضلاً عن المثابرة لمدة ست سنوات ليحصل على معدل البقاء، فإن ذلك شيء يستحق التميز، إذ أن غالبية طلبة هذه المدارس يحصلون على مقاعد المجموعات الطبية والهندسية، ومما زاد في خصوصية هذه المدارس هي المناهج المختلفة عن بقية المدارس.”
تواصل السيدة آمنة حديثها قائلة: “للأسف استحدثت مدارس سميت في البداية بمدارس التحدي، وبعد فترة قصيرة ألغي هذا الاسم بسبب الاعتراضات الكثيرة، وتغير الى مدارس المتفوقين، وقد استقطبت هذه المدارس في البداية الطلبة الذين لم يتأهلوا للقبول في مدارس الموهوبين والمتميزين، وهذا الأمر أثر، وبنحو كبير، على بقية المدارس لأنها أصبحت شبه خالية من الطلبة المثابرين.”
تجربة فاشلة
على النقيض من آراء السيدة آمنة، وصف مدير متوسطة المنتظر للبنين (عصام موسى كاكي) تجربة مدارس المتميزين أو المتفوقين بأنها فاشلة، ويعزو هذا الفشل الى “محاولات سحب الطلبة المتفوقين من المدارس وجعلهم في مدرسة لوحدهم، وهذا سيؤدي الى قتل روح المنافسة وروح التطور والغيرة بين الطلاب الآخرين.”
ويرى (كاكي) “أن إرجاع المدارس الى صنف واحد هو أفضل وأكثر تطوراً للتعليم، اذ تبين -فيما بعد- أن هذا التمييز غير صحيح، وأثبتت نسب النجاح للسنوات السابقة أنها مدارس اعتيادية.”
وأيدت الست (ميثاق بجاي محمد)، مديرة ثانوية البسملة للبنات، ما قاله الأستاذ عصام بأن “هذه المسميات سببت ضياع فرص المنافسة بين الطلبة لكون جميع الطلبة في هذه المدارس بمستوى علمي واحد، وبذلك تنعدم روح المنافسة بين طلبة هذه المدارس، وهذا الأمر يؤثر سلباً على المدارس الاعتيادية، لأن الطلبة المتفوقين في هذه المدارس غالبا ما يلجأون الى مدارس المتفوقين والموهوبين، ما يؤدي الى انخفاض المستوى العلمي لهذه المدارس لافتقارها الى روح المنافسة.”
فجوة مجتمعية!
ويرى مدير ثانوية الدراويش (إسماعيل خليل) من تربية الموصل أن “تسميات المدارس بمسميات عديدة خلقت مشاكل وفجوات مجتمعية وعدم عدالة، لأنها مدارس متكاملة من النواحي كافة، فيما غيرها من المدارس لا تتمتع بنصف امتيازاتها من ناحية نوعية الملاك والتمويل، كما أنها ألغت حقيقة وجود الطالب الذكي الذي يجلس الى جانب الطالب العادي، وهذا الأمر كان يحفز ويحسن مستوى الأخير، أما الآن فكيف سيتم تحفيز غالبية الطلبة إذا كان الملاك لا يمتلك الكفاية العلمية، وغير متكامل في جميع الاختصاصات، لذلك أصبح الحافز في خبر كان.”
المدارس الأساسية
الست (نهلة منسي فرج) مديرة مدرسة الصمود الأساسية قالت: “أتمنى لو أن الوزارة اعتمدت نظام المدارس الأساسية، لكانت حققت إيجابيات عديدة، منها اختزال عدد المدارس في بناية واحدة يمكنها أن تصبح مدرستين ابتدائية ومتوسطة، وهذا الأمر ينعكس على الملاك، فبدلاً من ملاكين ابتدائي ومتوسط، سيكون هناك ملاك واحد، كما يمكن للإدارة أن تتصرف بالملاك التدريسي، ولاسيما من حملة شهادة البكالوريوس داخل المدرسة على النحو الذي يخدمها.”
مقومات النجاح
فيما وصف المشرف الإداري المتابع في تربية الكرخ الثانية الأستاذ (فيصل مدلول) تجربة مدارس المتميزين “بأنها تستحق الإشادة، لكن إذا ما توفرت لها مقومات النجاح وإدامة بناياتها بنحو مستمر، لكن في السنوات الأخيرة استحدثت مدارس خاصة بالمتفوقين لفك الازدحام الذي يحصل في مدارس المتميزين، ويشترط في قبولهم اجتياز اختبارات (تحصيل الذكاء)، وهذا الأمر خلق تمايزاً جديداً في مشاعر العديد من الطلبة في المدارس الاعتيادية بأهمية التنافس.”
وتابع مدلول: إن “مدارس المتميزين تعرضت الى غبن في القبول المركزي، فهم لم يحصلوا على الامتياز المطلوب على الرغم من دراستهم باللغة الإنجليزية، وإذا لم تتدارك وزارتا التربية والتعليم العالي أمرهم فسوف نكون قد نزعنا صفة التميز عنهم.” واقترح (مدلول) أن تضاف لهم درجات إضافية في القبول على وفق قوانين دائمة غير خاضعة للاجتهاد الشخصي، بل نحتاج الى فلسفة تربوية يستند اليها النظام التربوي.
إلى ذلك، يعد الباحث التربوي (محمد فخري) “وجود التمايز في اكتساب المعارف والعلوم من الأمور الطبيعية بين الطلبة، لذلك فإن على المؤسسة التربوية رعاية الفرد المتعلم بإيجاد أفضل الفرص المناسبة لقدراته، وعلى هذا الأساس جاءت تسميات المدارس عندنا، واستمر الأمر بذات النهج حتى عام ٢٠١٦ في ثانويات الموهوبين وكلية بغداد والمتميزين بمختلف التسميات المضافة.”
كثرة الاستثناءات
فيما يرى التربوي المخضرم الأستاذ (ناجي يوسف) أن “تعدد تسميات المدارس هو تقليل من قيمتها على قاعدة (كل شيء يزيد عن حده ينقلب ضده)، فكانت مدارس المتميزين وكلية بغداد لا تتساهل (ولو بدرجة واحدة)، في حين تجد الآن أن الاستثناءات تعادل أعداد المقبولين، لذلك علينا أن نضع ضوابط جديدة فيها نوع من القوة لا يمكن التجاوز عليها.”
وبين الأستاذ (زياد إبراهيم الملاح) من محافظة الموصل أن “حجز الطلبة الأذكياء (المتميزين او المتفوقين) في مدرسة واحدة لا يمكّن الطالب المتفوق من الشعور بالمنافسة العلمية، لكونهم بمستوى واحد، لكنهم عندما يوزعون على المدارس الأخرى سيشعرون بالتفوق، فيكونون قدوة للطلبة الأقل منهم دراسياً، الى جانب التخلص من التمييز والأنانية.”
إشكالات نفسية
على جانب آخر، عدت الدكتورة (إيمان حسن الجنابي)، الأستاذة المتخصصة في الإرشاد النفسي والتوجيه التربوي في كلية التربية -ابن رشد- في جامعة بغداد، أن “تنوع تسميات المدارس سبب إشكالاً نفسياً لدى العديد من الطلبة ، ولاسيما في مدارس المتميزين والمتفوقين، فالطلبة في هذه المدارس ينظرون بتعالٍ الى الطلبة في المدارس العادية، كذلك ينظرون نظرة دونية في التعامل حتى مع المقربين لهم داخل الأسرة، ما يجعلهم يصابون ببعض السمات النفسية السلبية مثل الغرور والتعالي والكمالية، وهذا ما أثبتته العديد من الدراسات المحلية والعربية.”
وتابعت الدكتورة إيمان: إن “توفر السكن الملائم والغذاء الصحي ووسائل الانتقال من والى المدرسة، دون إجهاد، والملبس المناسب والإمكانات المادية التي يتطلبها التحصيل الدراسي، قد لا يكون له أثر على اهتمام الأبناء بدراستهم، إنك تلاحظ أن كثيراً من الأسر ذات دخل محدود، لكن أبناءها يتميزون بالتفوق في دراستهم، والعكس صحيح، إذ أن ذلك يعتمد على مدى اهتمام الأسرة في تشجيع أولادها على التفوق وتقدمهم الدراسي من خلال إحاطتهم بالحب والطمأنينة.”